دعوة إلى "حوار مُغاير" بين "حزب الله" و"القوات اللبنانية"

سعد محيو* أول ما يتبادر إلى الذهن حين قراءة هذا العنوان هو: ما هذا الهذر؟ وهل يلتقي الضدّان أو الخطّان المتوازيان؟القوات اللبنانية في وادٍ يصفه خصومها بأنه أميركي الميول، غربي الثقافة، مسيحيّ الإيديولوجيا، فيما "حزب الله" في وادٍ آخر يصفه معارضوه بأنه فارسي الهوى، معادٍ للثقافة الغربية، وأصولي إسلامي إيديولوجياً. ثم إن العديد من المؤشرات تدل على أن هذين القطبين المتنافرين تنافر المادة والمادة المضادة في الطبيعة، ينطويان معاً على كل بذور الصراعات والصدامات. فعلامَ إذن يمكن أن يتحاورا؟كل ذلك قد يكون صحيحاً. مع هذا، ندّعي نحن في هذه المقاربة أنه تحت سطح بحر الخلافات والاختلافات الإيديولوجية والاستراتيجية والسايكولوجية، يكمن جبل من القواسم المشتركة غير المرئية بين الطرفين، تتربّع على عرشه قوة تاريخية هائلة هي القيم المشرقية المتوسطية؛ تلك القيم التي نشرت منذ فجر التاريخ على كل العالم قاطبة دفء قيم العواطف والمحبّة والضمير، ونعمة الحرف والعلم والمعرفة، وحافز تجاوز الإنسان لمحدودية الإدراك الحسّي والقفز نحو عوالم وأبعاد داخلية وخارجية لا تخطر على بال.صحيح أن "من نحن" في المشرق المتوسطي باتت في القرنين الأخيرين تعني "كراهية الـ"نحن". كراهية الذات. وأن ما فعلناه نحن المشرقيين في التاريخ وللتاريخ الحضاري، أضحى رزمة نقائص وسلبيات لا بد من التخلّص منها. بيد أن كل ذلك لا ينفي فرضية وجود ما يسمّيه إدغار طرابلسي عن حق "الحبل السُرّي الذي يربط بين ناس المشرق ومجتمعاته، حيث صاغت الأيّام ثقافات كل تلك المجموعات المكوّنة للمشرق فاختلفت وتقاربت وتشابهت وتنوّعت وجعلت من الهويّة المشرقيّة هويّة بالغة التعقيد، لكنّ فيها الكثير من العناصر المشتركة"، على حد تعبيره. هذا التاريخ من التفاعلات، الذي اشتمل على كل شيء تقريباً من الأديان والعلم إلى الثقافة والعادات والتقاليد، مروراً بالتجارة والحروب التوحيدية، انضم إلى الجغرافيا الإيكولوجية الواحدة ليجعلا من هذا الإقليم بؤرة صهر وصقل وإدماج لشعوبه على المستويات الدينية والثقافية وأنماط الحياة طيلة آلاف السنين. السايكولوجيا... السايكولوجياالآن، إذا ما تم إقرار هذه الحقيقة التاريخية، فقد نكتشف أن الحوار الصعب، أو الذي يبدو حتى مستحيلاً، بين "حزب الله" و"القوات...