الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

"غضب مدينة" بالصور في قصر نوفل... نقاش الأزمات واهتمام فرنسيّ بطرابلس

المصدر: "النهار"
جودي الأسمر
جودي الأسمر
إبراهيم شلهوب مع زوّار (المعهد الفرنسي في طرابلس).
إبراهيم شلهوب مع زوّار (المعهد الفرنسي في طرابلس).
A+ A-

الجولة في معرض "غضب مدينة" الفوتوغرافي تأخذ المتلقي إلى مشاهد حسّاسة من تاريخ طرابلس الذي كرّسته مرحلة انتفاضة 17 تشرين وما بعدها، بعدسة إبراهيم شلهوب، مصوّر ومراسل وكالة الأنباء الفرنسية (أ ف ب).

  

 يستمر المعرض في مركز رشيد كرامي الثقافي المعروف بـ"قصر نوفل" من تنظيم بلدية طرابلس والمعهد الفرنسي في طرابلس من 4 كانون الأول 2021 لغاية 9 كانون الثاني 2022، كأنّ امتداده بين نهاية سنة وبداية أخرى يشي بأوجاع موصولة لا تغيّر فيها بدايات ولا نهايات، في ظلّ أزمات تستشري بمرور الوقت.

 

وفي فلك هذا "الغضب" الذي يُفسَّر بمشاهد غضب كما بمشاهد تدعو إلى الغضب، شكلت هذه الصور منطلقاً لنقاشات حول "الأزمات في شمال لبنان- تشخيصها وكيفية تجاوزها"، بدعوة من رئيس اللجنة الثقافية في بلدية طرابلس الدكتور باسم بخاش، القيّم على فعاليات "غضب مدينة"، الذي أشار لـ"النهار" إلى توقّعات تجاوزها "زوّار المعرض والمشاركات الكبيرة في النقاشات. لقد تقاطر المهتمّون من طرابلس وخارجها، فبات من النوادر أن نجد كرسياً واحداً فارغاً. دليل صحيّ على الاهتمام الذي يوليه الناس للثقافة. كان المشاركون يرفضون الرضوخ للأوضاع المأسوية. لمستُ اندفاع هؤلاء للتكاتف وبذل الجهود، وتمسّكهم بفسحات التفاؤل والإنتاجية".

  

البرنامج: مجتمع وثقافة وفنّ

أحاط البرنامج بثلاث مسائل إشكالية نُظّم لكلٍّ منها لقاء حواريّ:

لقاء "التنمية الاجتماعيّة وعملية السلام" تحدّث فيه مؤسّسون لمنظّمات ومبادرات تحدث تغييراً تراكمياً في المدينة، وهم رضا صيادي (سنابل النور)، ليا بارودي (مارش)، سارة الشريف (رواد التنمية)، وربيع عمر (شيفت).

أمّا ندوة "الانهيار الاجتماعي والخروج من الأزمات"، فقاربت الواقع المأزوم من شقّه السوسيولوجي، من خلال مداخلة الأستاذة والباحثة في الأنثروبولوجيا مهى كيّال، بعنوان "طرابلس من التهميش إلى الانهيار، مقاربة أنثروبولوجية"، وقدّم الخبير في التنمية أديب نعمة مداخلته "طرابلس والشمال: قاطرة محتملة لتجاوز الأزمة".

 
 

وجمع لقاء حواريّ حول "المبادرات المدنية والثقافية في أوقات الأزمة" مبادرين هم طه ناجي (نحن نحب طرابلس)، ليا كعكور (Tripulley)، خضر عيد (Green Track)، جان حجّار (جمعية فنون متقاطعة)، ونادين علي ديب (ورشة 13).

ومُنح حضور السينما في طرابلس مساحة، من خلال عرض لفيلم سينمائي قصير بعنوان "تاريخ مهرجان طرابلس السينمائي" لرشا شحادة، تلاه حوار مع مدير ومؤسّس مهرجان طرابلس السينمائي الياس خلاط والسينمائي هادي زكاك الذي أصدر حديثاً كتابه "العرض الأخير... سيرة سيلما طرابلس" وهو بمثابة بحث موسوعي في تاريخ طرابلس السينمائي.

وسيُختم المعرض بحفل موسيقي مع مجموعة من المعهد الموسيقيّ في طرابلس، بقيادة إبراهيم رجب، ترافقه مجموعة "من رمّان" للموسيقى الكلاسيكيّة الشرقيّة.

شلهوب: بين التصوير وعلم النفس

في حديث مع "النهار"، يلخّص إبراهيم شلهوب مواضيع المعرض الفوتوغرافي بـ"توثيق لبداية الأزمة اللبنانية الراهنة، ويتركّز حول مدينة طرابلس. اخترتُ منها ثلاثين صورة تظهر مشاعر تتنوّع بين الغضب والفرح والأمل والحداد، ومشاهد مكثّفة من التعبير الإنسانيّ"، إلى جانب "صور رصدت التغيّر المناخي تحت الماء".

 

من ناحيته، "لا يمكن اختزال "غضب مدينة" بطرابلس وحدها، لأنّ لبنان كلّه معنيّ بهذا الغضب، والمشاهد تتوزّع بين شوارع وبيوت في طرابلس والميناء والقلمون وعكّار. لكن التركيز صبّ على طرابلس لأنّها برأيي الحلقة الأضعف في سلسلة البؤس اللبناني. والحقيقة لمستُها خلال مواكبتي لمشاهد التظاهرات والانفجارات الاجتماعية الأخيرة، لكن أيضاً طوال فترة عملي"، فـ"التعبير الأكثر إيلاماً في المعاناة الانسانية، وجدتُه في صورة التقطتُها صمن السلسلة الشهيرة لصور البرادات الفارغة التي نشرتها الوكالة. سيدة من طرابلس تعيش ثلاث مآسٍ متزامنة: متروكة بمفردها، في بيت ليس لها، وبرّادها فارغ".

تصوير ابراهيم شلهوب (أ ف ب)
 

اللافت في تجربة إبراهيم شلهوب، أنّه في آن واحد صيدلانيّ، ومحلّل نفسيّ، ودكتور في علم النفس، قبل أن يدرس التصوير لاحقاً ويمتهنه مع وكالة الصحافة الفرنسيّة منذ عام 2012. هذه الخلفيّة أسعفته في "معاينة موضوع الصورة من الزاوية النفسية للوجوه والشخوص وحالتها الإنسانية، فتصل الرسالة على نحو أكثر تأثيراً، فيما المصوّر عادة ما ينحصر تركيزه في التقنيّة ولعبة الضوء والإطار".

تصوير ابراهيم شلهوب (أ ف ب)
 

تقنياً، تبرز صعوبة اقتناص اللحظة، فهي عرّضت شلهوب وسائر المصوّرين الصحافيّين لمخاطر جديّة خلال توثيقهم النيران التي تلتهم الشوارع والبلدية والمصارف، وإشكالات مع قوى الأمن، وغضب في التشييع، ومآتم التليل، ومسلحين، وتظاهرات سلميّة وأخرى عنيفة، وردود فعل لمواطنين تتدرّج من الحداد العميق الى اللامبالاة الطافرة من نبريش النرجيلة على الكورنيش... "كيفما اختلفت الوضعيات، فإنّ أساس النجاح هو في الحفاظ على سرّية "المهمة" لدى المصوّر إن صحّ التعبير. أتنقّل في الشوارع، ولا يعرف الأشخاص من أنا وأنّهم المقصودون، هذا إن سلّمنا جدلاً بأنّهم تنبّهوا لوجودي. عدم الافتعال هو معيار أساس في مهنيّة المصوّر، حتى ننقل الحالة بأكثر موضوعية ممكنة".

تصوير ابراهيم شلهوب (أ ف ب)
 

تصوير ابراهيم شلهوب (أ ف ب)

تصوير ابراهيم شلهوب (أ ف ب)
 

 

"نوفل" واهتمام فرنسي

على المقلب الآخر، يرى باسم بخّاش أنّ "المعرض نجح في بلوغ أحد أهمّ أهدافه، المتمثّل بتسليط الضوء على مكان تنظيمه أي "قصر نوفل" الذي يُفترض به أن يكون مركز الجاذب الثقافي في طرابلس، ولفّه الإهمال منذ عقود"، مذكّراً بأنّ "طرابلس اختيرت عاصمة للثقافة العربية 2023، ولا يزال التحرّك غائباً في هذا المجال. غير أنّ جهات رسميّة في فرنسا أبدت اهتماماً هائلاً بإعادة تنشيط هذا المرفق، الأمر الذي طرحته سفيرة فرنسا في لبنان آن غريو خلال زيارة أخيرة، ولقاء افتراضي عقدناه مع وزارة الثقافة الفرنسية، وفي زياراتي الخريف الماضي ضمن برنامج "نفس" لمرافق ومؤسّسات ثقافية هامة في فرنسا، مثل المكتبة الوطنية ومعهد العالم العربي في باريس وقصر طوكيو وبلديات... وجدت المؤسّسات مستعدّة لتكريس جهود خاصّة في تنظيم وترتيب العاصمة الثقافية، وتأهيل قصر نوفل ليكون نقطة استقطاب".

 

تتشابك الجذور التاريخيّة للقصر الطرابلسيّ مع فرنسا وإيطاليا في "تشييده عام 1895 على يد مالكه قصير نوفل، الذي كان يشغل عدّة مناصب ديبلوماسية في المنظومة العثمانية، ومن وجهاء المدينة البورجوازية. كان المشهد الثقافي العالمي متأثراً بالنهضة الأوروبية، فانعكس على "بيت الأحلام" الذي جعله هذا القصر حقيقة"، حسب بخّاش.

وامتاز القصر "بقرميده الأحمر الشهير الذي استُقدِم من مرسيليا، وموادّ بناء ورخام أدخلها مهندسون إيطاليون في صلب البناء، فشكّل القصر مسكناً خاصّاً للعائلة، ألحقت به الحديقة المعروفة اليوم بـ"المنشيّة". وجسّد هذا القصر أول المباني ذات النمط المعماري الإيطالي في طرابلس، فاستُلهم منه "مسرح الإنجا" ومبانٍ أخرى من منطقة التلّ".

ثمّ "تحوّل القصر إلى "كازينو طرابلس" لكبار الضبّاط الفرنسيين والمحليين، يحيون فيه حفلات موسيقية وينظمون صالونات راقصة، بالإضافة الى صالتي بلياردو وسينما، وانتُخبت فيه ملكة جمال طرابلس. ثمّ شكّل نادياً مغلقاً لموظفي شركة (IPC) للنفط العراقي"، يضيف.

بعد عهده الرغيد، استملكت الدولة اللبنانيةقصر نوفل، فاشترط الرئيس الراحل رشيد كرامي تحويله إلى مركز ثقافي بلدي مع مكتبة عامّة، فكان ما أراد. ومن بعد اغتياله في عام 1987، اجتمع المجلس البلدي واتّخذ قراراً بتغيير الاسم فصار اسمه "مركز رشيد كرامي الثقافي البلدي"، لكنّ الناس يستسهلون تسميته "قصر نوفل"، و"نسعى اليوم في اللجنة الثقافية ببلدية طرابلس إلى استنهاض الدور الثقافيّ للقصر، ليس بدءاً بمعرض "غضب طرابلس"، ولا انتهاءً بالتعاون الفرنسيّ الذي يشكّل مورداً واعداً لإعادة تأهيل المرفق وتنشيطه".

*الصور من داخل "قصر نوفل" ومعرض "غضب طرابلس" من صفحة المعهد الفرنسي في طرابلس على "فايسبوك".

 

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم