في زمن كورونا: كتاب "غذاء شفاء إحساس" لنسرين طرّاف... رحلة ممتعة لحبّ الذات

أن يثابر اللّبنانيّون والنّاس عمومًا، على "آلية تأقلم" مع الاضطرابات، أمرٌ يبدو مستعصيًا، بالأخص لأن النّمط المهيمن ينحو لتقديم المشاكل الماديّة على التّوازن الداخلي، فينتهي المطاف بمراكمة الهموم على شكل أمراض وضغط نفسي يلحق الضّرر بالرأسمال الأهم: الصحّة.

هذه المعادلة الّتي وضعها كورونا على المحكّ، تتناولها خبيرة الصّحة التحويليّة الوظيفيّة والتّغذية نسرين طرّاف برؤية عمليّة، في كتابها "غذاء شفاء إحساس"، الصّادر حديثًا عن "دار جرّوس برس"، حيث تبرهن وجود ترابط بين العوامل الثّلاثة وتعطي حلولاً بمتناول الجميع من خلال رحلة قراءة غنيّة بألوان الطّبيعة والصور والمعلومات السّلسة. وتساعد طرّاف القارئ المهتمّ، لبلوغ أسلوب حياة متناغم، مفعم بـ"حب الذات" من خلال علم التّغذية، إذ هو بتعريفها "أكثر من مجرّد صحّة وطعام".

استنتاج رأى النّور، على خلفيّة حرب أهلية وهجرة وفقد وأمراض، وعلى إثرها، ألحّت رغبة المؤلفة بجعل حياة النّاس أجمل وأطول. ماذا في تفاصيل القصّة والكتاب؟

من محنة إلى نجاح

صيدلانيّة لبنانيّة- أميركيّة في الأصل، ما لبثت أن اختارت نسرين طرّاف التّخصص في علم جينات التّغذية (ماستر) وإدارة الأعمال (ليسانس)، بعدما خاضت معاناة ذاتيّة مع الأمراض. حوّلت الشّابة الشّغوفة محن الموت والمرض إلى فرصة لمساعدة الآخرين، من خلال مقاربة بيولوجيّة ومشابهة لوجهة نظر الطّب التّقليدية، تهدف لمعالجة جذور الأمراض لا عوارضها فقط.

في التفاصيل، تخبرنا "حين تغرّبت مع عائلتي إلى أميركا بسبب الحرب، كنت أملك بداخلي هدفًا لتعلّم الصّيدلة، لأكتشف دواء للسرطان، لأنّ خالتي التي أحبها جدا توفيت بهذا المرض. لكن، خلال دراستي، لاحظت أنّ أدوية تعتمد على تركيبات كيميائية، قد تحقّق أثراً واحداً إيجابياً لقاء نحو 25 مضاعفات سلبيّة"، موردة مثالاً والدتها الّتي تسبّب لها علاج الكوليسترول بترقّق العظام.

هذه الوقائع أوصلت نسرين الى الاستنتاج بأنّ "العلاج بالعقاقير هو حجب موقّت لعوارض الأمراض من غير الوصول لعلاج كلّيّ وجذريّ ومستدام".

ووقعت نقطة التّحوّل، في ذلك الصباح "عندما استفقت مع طاقة هابطة جداً، ثم أخذ وزني بالتزايد، وشعري يتساقط، وكنت أنزلق نحو الاكتئاب. وبعد الفحوصات والمعيانة، جزم الطّبيب بأنّني ملزمة بدواء مدى الحياة لمعالجة إصابتي بالـ"هاشيموتو" (التهاب الغدة الدرقية)، وقد يلجأ إلى عملية استئصال الغدة. هنا، وضعت تشخيص الطّبيب جانبًا، وطرحت على نفسي أسئلة تتجه إلى الجذور، منها: لماذا أصبت بهذا المرض؟ هل بسبب التغذية؟ أم نمط الحياة؟ أم العوامل الوراثية؟".

وتابعت: "اتجهت لعلاج الأمراض من خلال الذهن والجسد والروح، وقراءة التاريخ الصحي لكل هذه العوامل. وبعد إجرائي اختباراً للحساسية واكتشافَ الأطعمة التي تؤثر سلباً في طاقتي، تجنبتها وتبيّن أن أكثرها الغني بالغلوتين. بمرور الوقت، تغلّبت على مرضي"، مشيرة إلى أنّ العلاج يختلف من شخص لآخر، ومن المهم تفحّص كلّ الجوانب الجسدية والذهنية المتعلقة بالمريض، لأن دواء البعض قد يكون داء للبعض الآخر، وفق طبيعة الأجسام.

ماذا في الكتاب؟

تلبية لـ"صوت داخلي لنقل هذا الوعي إلى وطن ولادتي ومنشأي، إلى لبنان وشعبه في ظل الظروف الصعبة"، احتفلت المؤلفة مساء الأحد الماضي بتوقيع الكتاب وتقديمه مجاناً، بنسخته الانكليزية الأصلية والترجمة العربية، في Health by Nature، بمدينة جبيل.

الكتاب المؤلف من 130 صفحة، توسّع في الحديث عن "مرض فيروس كورونا المستجد"، وفصل يعرف عن "الصحة التحويلية والتغذية"، وخصّص أربعة مجالات لفصول السنة، و"نصائح عمليّة في الصحة"، و"الغذاء الخارق".

وخلال الوقت الذي هيمن فيه فيروس كورونا المستجدّ، تجتهد نسرين طراف مع زملاء في الطبّ الوظيفيّ، في تعديل الوظائف المناعية وتعزيزها، بهدف تشكيل استراتيجية فعالة للوقاية من العدوى وللتخفيف من حدّة تداعياتها عند الإصابة. وتشير في هذا المجال إلى أنه  "عند العمل مع المرضى في زمن كورونا، يتبيّن أنّ للعوامل المتعلّقة بأسلوب الحياة تأثيراً كبيراً على الوظيفة المناعيّة".

وأشادت الرائدة في الطب التبتي، سينثيا هيستد، بترتيب الكتاب، مع نصائح حول نمط المناعة المتعلق بكل موسم. وأضافت في المقدمة: "تعكس الصور والوصفات اللذيذة شغف نسرين بالجمال في حياة كل منا، ورؤيتها لعالم متناغم يسوده السلام".

في المحصلة، قد يحمل كلّ منا معارف متناثرة حول كيف يحبّ ذاته ويقدّم الأفضل لصحّته في ظلّ كلّ التهديدات والهشاشات التي تحيق بها. هذا الكتاب، يحوّل النيات إلى خريطة. يقترح للقارئ كيفية الوصول للتناغم والشفاء من خلال الغذاء. ولعلّ الإيمان بأنّ السلام في العالم يبدأ بالسلام الداخلي للأفراد، هو حلقة متكاملة يمتلك هذا الكتاب مفاتيحها الجديرة بالاكتشاف.