الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

"امرأة تلامس الخيال" لميشال أبو راشد: المعاناة بنَفَس مُتجدّد

المصدر: "النهار"
الغلاف.
الغلاف.
A+ A-
مارلين مسعد كانزيجير- كاتبة ودكتورة في الفلسفة 
 
 
 
 
صدر للصحافي ميشال أبو راشد رواية بعنوان: "امرأة تلامس الخيال"، حيث ازدواجية المعنى إذ ما المرأة إلاّ حقيقة غطى وجهها الخيال! واعتمد الكاتب النّمط الرّوائي الحديث من دون أن تعتريه خشية التّقليد، وتلفّ جوانب روايته وزواياها عناكب الملل، وألبس امرأته حلّة جديدة وفستانًا إنسانيًا وجوديًا، ونَفَسًا شابًا حيًّا.
 
تتباين المصطلحات والمعاني في الرواية، إذ دارت دائرتها في لمس ضباب بيروت منذ عقود خَلَت، وحدّد فيها الكاتب الزمان والمكان ليضفي صدقية على حدث روايته. وبين مزدوجَي ١٩٦٨ و٢٠١٨ شرّع مصطلحه وبراءة اختراعه وحفظ حقوق "الحقيقيال"، فطوّقت المزدوجات المكانيّة والزمانيّة امرأة شحب وجودها واتخذ لون المعاناة النّفسيّة، ليغدق هذا المنحى الفكري عليها صفة بطلة رواية تجدلُ وتحبك بدهاء سرعة المسار، ترويه كنحلة تنقّلت من زهرة إلى زهرة تستخلصُ عسل الخاتمة من الخيال المحض. 
 
فكانت الزّمنية والتواريخ كما أسماء الأمكنة في الرواية قانوناً شرّع فعل الخيال! 
لن أطيل الكلام على القصة بل سأترك هذا المجال لقرّاء آخرين. إنّما ما استوقفني وبإيجاز كان الأسلوب الكتابي والتّقنية. ألَسنا في عصر التقنيّات قبل كل شيء؟ لكن التحدّي الأكبر هو أن تطال هذه التقنيّة رفوف الأدب وتتغلغل في صفحات الكتب والروايات المتكاثرة كلّ يوم! 
 

قدّم الكاتب لقلمه رفاهيّة المُتمكّن من لعبة تراوح بين نمطين في الأسلوب الرّوائي: 
أسلوب حديث نقرأه في الروايات الفرنسية مثلاً، تبدأ فيه الجملة باسم لتنتهي باسم آخر، فيغيب عندها الفعل الفاعل. وكأن الكلمة فاعلة بذاتها! 
ثم لا عطف بين جملة وجملة بـ"واو" أو بأداة ربط أخرى، وكأن العطف غاب عن الحداثة، بل ارتبطت الجمل بالمعنى، فكانت جملا قصيرة، وهو نمط الرّوايات الحديثة التي تتنفّسُ من نقطة تربط الفكرة بالأخرى، لتعبّر عن وصف بليغ في جمل قليلة موجزة وزخمة في آن: " استسلمت عبير لنغمات الموسيقى الخافتة، تشعر بخفّة رهيبة. مغمضة العينين، تسرح بعيدا في الخيال. (ص٧٠).
 
"التحم الجسدان...يداها في الهواء. عارية في خيمة. وحيدة. مسعود يضع الرداء فوقها..."، غالبًا ما كانت الكلمة تحلّ وحدها مكان جملة، كمن يرمي نقطة ماء في إناء زيت ساخن! أو كلمتان أو ثلاث بمثابة جملة قاطعة ناهية تحدّ الجهد وتتخذ الإجراء اللاّزم وتضع حدًّا للثرثرة العقيمة. وقد كثرت هذه الجمل الاسمية الصغيرة في النص، تماشيًا مع فرادة المصطلح الرئيسي قائد الرواية "الحقيقيال". 
 
 
تتميّز الرواية برشاقتها وديناميتها، وبأسلوبها الاسمي المتقطّع، المُبتَدَع، واحتوائها حالات شعرية، ولمعات منمّقة بلون وجوديّ يخصّ الكاتب بفلسفة تميّزه، فثقبَ ماراتون الجُمَل المتعاقبة في سباق وسياق علم النفس الطاغي على هذه الرّواية. كما نرى لوحات وجوديّة فلسفيّة وشعريّة توحي بإحساس كبير رافق اليد الكاتبة: " - ومن أنتِ لتكوني ذاتك؟ أنت لا شيء.... كوني أنتِ من خيال، لأن الخيال حقيقة. انسجي قصّة لكلّ جسد تجدينه، واجعليه حصانًا مجنّحًا يحملك إلى عوالم أخرى، أبعد من عالم الذات...! (ص٤٠).
 
لا يسعني القول، أخيراً، سوى أنّ هذه الرواية الصّغيرة الشّابة الصادرة عن دار سائر المَشرِق، في سلسلة " الجلسة الواحدة" قدّمت جلسة واحدة حَوَت ألف دهشة وألف سؤال وتساؤل! 
ازدحمت في مئويّة صفحاتها ابواب تنفتح على الفلسفة وعلم النفس والحالات الاجتماعية بأسلوب يجمع الخصوصية والبساطة.  
 

 
 
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم