"جنون اللون" في لوحة عميق وسهل البقاع الغربي بريشة الرسّام شوقي دلال

الدكتورة بهيّة أحمد الطّشم

نقرأ بعظيم الشّغف ما يكتبه السّحر على أديم جنّة الألوان، ونزفّ الألق عريساً والطمأنينة عروساً، حيث تصدح أهازيج الطيور المغرّدة على إيقاع خلجات النفوس التائقة لمرتع السّكون.

تترنّح المنازل البهيّة في ربوع السّهل السّاحر لبلدة عميق في البقاع الغربي مقابل جبل حرمون، وتزدان سطوحها باللون القرمزيّ الذي يعكس سِمة العطاء الزاخر في حيّز المكان.

وبالموازاة، تتوّج الخيوط الذّهبيّة الأشجار الباسقة بأكليل مُتوهجة، وتتواتر أسراب الغيوم الناصعة بسماء  مزينة برونق الأزرق الهادىْ.

ويتماهى اللونان الأبيض والرمادي في مملكة الاشراق الضوئي، إذ يسطعان بوهج الاستقرار ويتربّعان على عرشه بدون منازع.

وكذلك، يُحاكي الأصفر السّاطع لون الخير في حقول السنابل وجَنِي مواسم الحصاد اليانعة، وفي السّياق عينه يتآخى اللون البنيّ في لون التربة الخصبة (موطن الورود والأشجار) مع ملاذ الانتماء تحت عين الشّمس، فيحيا مجد الطبيعة، ويعلو صَرح الجمال أكثر وأكثر فيغدو التأمّل سيّد المشهد  لتججب الأيقونة عن المتأمّل كل أشكال الاحباط النفسي.

ولعلّنا نستذكربجدير الاعجاب  بهذا الصّدد عِبرة جميلة من إحدى إرهاصات التاريخ الفلسفي :

فقد حَدَث أن انتابت الفيلسوف فرفوريوس الصوري (233 م-305 م)  صاحب مؤلفات الايساغوجي حالة اكتئاب عارمة، دفعته إلى طلب النصيحة من أستاذه  أفلوطين (270 م تاريخ وفاته)، بعدما خلقت عنده الحالة المتشائمة رغبةً بالانتحار.

لقد قدّم أفلوطين رائد الفلسفة الأفلاطونية المحدثة لتلميذه فرفوريوس نصيحة  حكيمة على طبق من التبصّر، إذ نصحه بالسّفر الى  مكان طبيعي خلّاب وبمنأى عن ضجيج العالم والشّروع بممارسة التأمل والانغماس بالطاقة الايجابية المنبثقة من ذبذبات  جمال الطبيعة وأهم الاسطقسات  في الوجود.

وبالفعل، فقد أذعن فرفوريوس لنصيحة أستاذه، وبعد الغياب لمدة شهرين، عاد فرفوريوس الى أفلوطين بأبهى حالة من الطمأنينة جعلته ينسى فكرة الانتحار كلياً.

وفي الخلاصة، نقول: ما أحوجنا وفي كلّ الظروف الزمكانية إلى ملاذ الطبيعة، الأم الحاضنة للانسان، لا سيّما  في زمن سيادة التقنية، وسيطرة الهموم بتنوعها ! لنردّد مع أنفسنا قول أيناشتين :"تأمّل في الطبيعة  تفهم كل شيء."