للجنون أغانٍ أيضاً

جو قارح

لا تحتاج فرقة Pink Floyd إلى التعريف، فموسيقاها جالت العالم بأسره ولم تنحصر شهرتها في فترة زمنيّة ما، بعكس معظم الفرق الأخرى. قدّمت الفرقة طوال عطائها الفنّي مجموعة أغانٍ استثنائيّة على عدّة مستويات، فعلى صعيد الموسيقى والألحان، عملت الفرقة على إنتاج مغاير جدًّا، استعملت الأجراس، التشيلّلو، الـ"تيريمين" وباقة من الآلات التي لم ترتبط في أيّ شكل من الأشكال بموسيقى الروك، وعلى صعيد الكلمات تبرز قيمة الفرقة الحقيقيّة.

غنّت الفرقة مواضيع ومسائل خرقت بها كلّ العقد الاجتماعيّة، وعبّرت عن أحاسيس لم يكن لها في الماضي أيّ صوت يعلو فوق القواعد والأعراف القاتلة. من أهمّ المواضيع التي تناولتها: الجنون، الاضطرابات العقليّة والمشاكل النفسية، إضافة إلى باقة من الأفكار التقدّمية السياسيّة الاجتماعيّة. هذه القفزة التي قامت بها الفرقة، زادت من الوعي النفسيّ عند جيل بأكمله، في وقت كنّا في أمسّ الحاجة إليه. اقتحمت الفرقة ميدان الجنون والجانب النفسيّ للإنسان بعد إصابة مغنّي الفرقة سيد باريت بمرض عقليّ نتيجة تعاطيه المفرط لمخدّر LSD. كتبت الفرقة مجموعة من الأغاني المهداة إلى "سيد"، من هنا بدأ تعاطيهم الكاسح للجانب النفسيّ- العقليّ عند الإنسان.

من جهة أُخرى، ذكرت الصحافيّة ماري أوهارا في مقالة لها بعنوان Effect Floyd  Theفي مجلة Guardian The  سنة 2008، نقلًا عن سيمون غانتون المشرف على تقديم تحيّة إلى سيد باريت، أنّه لم يصدّق الأثر الكبير الذي لاحظه على الصحّة العقلية عند المستمعين لهذه التحية. ويضيف أنّ الكثير من المستمعين كانوا يتماهون بشكل مباشر وكبير مع شخصيّة سيد باريت، إذ وجدوا فيما بينهم قواسم مشتركة عديدة. الأمر الملفت للانتباه في مسيرة "سيد" و موسيقاه، هو الإبداع الشديد والنزعة التجريبيّة، ممّا أدّى إلى تعلّق الملايين بأغاني الفرقة خلال الفترة القصيرة التي أمضاها "سيد" معهم.

ولتبيان العلاقة الوثيقة ما بين الفرقة والصحّة النفسيّة-العقليّة، فقد قامت الفرقة بدورها بالدخول في مجال العلاج النفسيّ من أوسع أبوابه. في مقالة لها في جريدة Music for PRS، تربط أنيتا أوبي ما بين الفرقة والعلاج النفسيّ بالموسيقى أو ما يسمّى بالـ Therapy Music. وفي هذا المجال، أكّد الخبراء من أخصائيّين نفسيّين وأساتذة موسيقيّين، أنّ أغاني الفرقة تُعتبر من الأجدى والأكثر فاعليّة في العلاج النفسيّ الموسيقيّ لما تقدّمه من ألحان قويّة وكلمات عميقة، تدعو فيها العقول إلى رحلة مشوّقة في الخيال.

لعلّ أكثر ألبوم لدى الفرقة، توسّع في هذه المواضيع كان ألبوم The Dark Side Of The Moon الصادر سنة 1973. يتألّف الألبوم من عشر أغانٍ أشهرها Damage Brain وترافقها سلسلة من الألحان والموسيقى الرائعة. تتبيّن صلة الألبوم بالجنون والأمراض العقليّة بشكل موسيقيّ، مثلًا في أغنية The Great Gig In The Sky، حيث أنّ الأغنية عبارة عن صراخ لا يتوقّف كمؤشّر على الجنون والاضطرابات العقليّة. في ما يلي ترجمة لبعض كلمات أغاني هذا الألبوم:

Brain Damage:

"المجنون على العشب،
المجنون على العشب،
يتذكّر ألعابًا، سلاس زهور وضحكات،
علينا إبقاء المجانين على الدرب.

المجنون في الرواق،
المجانين في الرواق،
الورقة تضغط أوجههم المطويّة على الأرض،
وكلّ يوم يجلب موزّع الصحف المزيد.

وإذا انفجر السّد مبكرًا بسنين،
وإذا لم تجد غرفة على التلّة،
وإذا انفجر رأسك ومعه هواجس مظلمة،
سأراك على الجانب المظلم من القمر.

المجنون في رأسي،
المجنون في رأسي،
ترفع النصل،
تحدث التغيير،
تعيد ترتيبي حتّى أعقل،
تقفل الباب،
ترمي المفتاح،
هناك أحد في رأسي لكنّه ليس أنا.

وإذا انفجرت الغيوم،
رعدت في أذنيك،
تصرخ لكن يبدو أن لا أحد يسمعك،
وإذا بدأت فرقتك بعزف نغمات مغايرة،
سأراك على الجانب المظلم من القمر."

Breathe (In the air):

"تنفّسْ،
تنفسْ في الهواء،
لا تخفْ من الاهتمام بغيرك،
اتركْ لكن لا تتركني،
انظرْ حولك،
اخترْ أرضك،
ستعيش كثيرًا وستحلّق عاليًا،
بسمات ستُعطي ودموع ستبكي،
كلّ ما تراه و كلّ ما تلمسه،
هذا ما ستكون عليه حياتك.

اركضْ أيها الأرنب، اركضْ،
احفرْتلك الحفرة، انسَ الشمس،
وأخيرًا عندما تنتهي من عملك،
لا تجلسْ، إنّه الوقت لتحفر واحدة أخرى،

ستعيش كثيرًا وستحلّق عاليًا،
لكن فقط إذا ركبت الموجة،
وتوازنت على أضخم موجة،
تسابق نحو قبر مبكر."

Eclipse:

"كلّ ما تلمسه،
كلّ ما تراه،
كلّ ما تتذوّقه،
كلّ ما تشعر به،
كلّ ما تحبّه، كلّ ما تكرهه،
كلّ ما لا تثق به،
كلّ ما تحفظه،
كلّ ما تعطيه،
كلّ ما توزّعه،
كل ما تشتريه،
تتوسّله،
تستعيره أو تسرقه،
كلّ ما تخلقه، كلّ ما تدمّره،
كلّ ما تفعله،
وكلّ ما تقوله،
وكلّ ما تأكله،
وكلّ مَن تلتقي به،
كلّ ما تتجاهله،
كلّ مَن تتعارك معه،
كلّ هذا الآن،كل هذا ذَهَبَ،
كلّ ما سيأتي، وكلّ ما تحت الشمس مدوزن،
لكنّ الشمس مخبّأة بالقمر."