السبت - 27 نيسان 2024

إعلان

مناخ 2021: ظواهر متطرّفة وإنذار أحمر

المصدر: "النهار"
شربل بكاسيني
شربل بكاسيني
مشهد من "حريق ديكسي" في حيّ إنديان فولز، ولاية كاليفورنيا (24 تموز 2021- أ ف ب).
مشهد من "حريق ديكسي" في حيّ إنديان فولز، ولاية كاليفورنيا (24 تموز 2021- أ ف ب).
A+ A-
"السنوات السبع الماضية في طريقها لأن تكون أدفأ سبع سنوات في التاريخ المسجّل، ومستوى سطح البحر يبلغ نسبة غير مسبوقة". صفّارة إنذار أطلقتها المنظمة العالمية للأرصاد الجوية في تقريرها الموقّت، وسط تخوّف من تداعيات كارثية طويلة الأمد بفعل التركيزات القياسية لغازات الاحتباس الحراريّ في الغلاف الجويّ وتراكم الحرارة، إلى جانب تَسارُع ارتفاع مستوى سطح البحر منذ عام 2013 حتى بلغ مستوى غير مسبوق في عام 2021، مع استمرار ارتفاع درجات حرارة المحيطات ونسبة تحمّضها.
 
من الأكثر تفاؤلاً إلى الأكثر تشاؤماً، تناول تقرير تقييميّ أعدّه خبراء المناخ في الأمم المتحدة، خمسة سيناريوهات متطرّفة لانبعاثات غازات الدفيئة، غير أنّ فرضية وصول الاحترار العالميّ بعد نحو عقد إلى 1.5 درجة مئوية مقارنة بعصر ما قبل الثورة الصناعية (1760)، ظلّت ثابتة في الحالات كافّة.
 
حصر التقرير الذي أقرّه موفدو 195 بلداً في 6 آب 2021، خيارات الحدّ من تداعيات الاضطرابات المناخية بـ"تقليل انبعاثات غازات الدفيئة بنسبة كبيرة"، وإذا تعثّرت الخطوة، فسيتجاوز الكوكب عتبة درجتين مئويتين خلال القرن الـ21، ما يعني فشل اتفاق باريس (2015) الذي يوصي بضرورة حصر الاحترار بأقلّ من درجتين مئويتين. وحتى مع زيادة 1.5 درجة، بات تسجيل ظواهر مناخية متطرّفة بطريقة "غير مسبوقة" حتميّاً، من حيث الحجم والوتيرة.
 
(رجال إطفاء في موقع حريق غابة غرب ياكوتسك في روسيا، 5 آب 2021- أ ف ب)
 
شهد العالم أخيراً بداية العواقب المترتّبة على ارتفاع حرارة الكوكب 1.1 درجة مئوية، من حرائق الغرب الأميركي واليونان وتركيا إلى معدّلات حرارة قياسية في كندا لامست الـ50 درجة مئوية، مروراً بفيضانات ألمانيا والصين. ونقلت صحيفة "الواشنطن بوست" عن عالمة المناخ في الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي (NOAA) ستيفاني هيرينغ قولها إنّ "طقس الماضي لن يكون طقس المستقبل"، مضيفة أنّنا "يجب أن نتوقّع استمرار هذا التغيير ما دمنا نُصدر غازات الدفيئة بمعدّل غير مسبوق تاريخياً"، مع ارتفاع تركيزات ثاني أكسيد الكربون (CO2) في الغلاف الجويّ، على رأس غازات الدفيئة التي تحبس الحرارة في الغلاف الجويّ، بنسبة 148 في المئة منذ عصور ما قبل الصناعة.
 
 
وتقدّم دراسة أجراها باحثون صينيّون مقارنة عالمية لمستويات غازات الدفيئة المنبعثة من المدن الكبرى في أنحاء العالم، وقد أشارت إلى أنّ شنغهاي وطوكيو كانتا من ضمن المدن الأعلى من حيث الانبعاثات الحرارية. وبيّنت مقارنة حصّة الفرد من الانبعاثات أنّ بعض المدن في أوروبا والولايات المتحدة وأوستراليا تسجّل مستويات من الانبعاثات أعلى بكثير ممّا سجّلته معظم المدن في الدول النامية.
 
في السياق، قالت آن أولهوف التي أسهمت في وضع التقرير السنويّ المرجعيّ لبرنامج الأمم المتحدة من أجل البيئة: "نحن لا نشير بأصابع الاتهام، بل نلفت الانتباه إلى أعضاء مجموعة العشرين الذين لا يسلكون فعلياً الطريق الصحيح"، مثل أوستراليا والمكسيك.
 
يُذكر أنّه في عام 2020، بلغ تركيز غازات الاحتباس الحراري مستوى غير مسبوق إذ ارتفع تركيز ثاني أكسيد الكربون إلى 413.2 جزءاً في المليون، وبلغ تركيز الميثان (CH4) 1889 جزءاً في البليون، وتركيز أكسيد النيتروز (N2O) 333.2 جزءاً في البليون، وهو ما يعادل 149 في المئة و262 في المئة و123 في المئة من مستويات ما قبل العصر الصناعي على التوالي. واستمرّت الزيادة في عام 2021.
 
فيما يتحتّم على الحكومات تقديم التزامات بيئية منسجمة مع أهداف اتفاق باريس في غضون عام، رأت أولهوف أنّ "المسألة سياسية إلى حدّ أنني لا أعتقد أنّها يمكن أن تجري في إطار الأمم المتحدة".
 
(انخفاض منسوب المياه بسبب الجفاف الغربي في بحيرة ميد مارينا على نهر كولورادو)
 
في تشرين الثاني الماضي، تعهّدت نحو 200 دولة في خلال مؤتمر الأطراف للمناخ "كوب 26" التي عُقدت في غلاسكو تسريع وتيرة المعركة ضدّ ارتفاع درجات الحرارة. ويدعو القرار إلى تعزيز الأهداف على صعيد الحدّ من انبعاثات الغازات ذات مفعول الدفيئة (في حال الضرورة) بحلول نهاية 2022، لتكون "منسجمة" مع اتفاق باريس. غير أنّ الرؤية الطوباوية للالتزامات الحكومية تصطدم بواقع تغيب فيه أيّ هيئة ضابطة مكلّفة تقييم مسار الدول، تاركة "ثغرة في الآليّة"، وفق خبيرة المناخ كورين لو كيريه، "بيد أنّها تسمح للدول بالسيطرة على أهدافها على صعيد البيئة والتقدّم بوتيرة تناسب نظامها السياسي".
 
وتقيّم هيئة المناخ في الأمم المتحدة في 2022 التزامات الدول الأعضاء لعام 2030، غير أنّ تحليلها يبقى عالمياً، بينما تتوقّع حالياً زيادة حرارة الأرض بمقدار +2.7 درجة مئوية.
 
تحتّم التزامات "كوب 26" على الدول "تطوير حججها" للإقناع بسلوكها، على ما أوضحت لولا فاييخو من "معهد التنمية المستدامة والعلاقات الدولية"، مشيرة إلى "دور المجتمع المدنيّ ووسائل الإعلام والدول الأخرى حتّى في التقصّي". وثمّة أدوات تقييم مثل "متعقّب العمل المناخي" (CAT) الذي يصنّف البلدان بحسب توقّعات مسارها ما بين نحو +1.5 درجة مئوية، ودون درجتين مئويتين، ونحو ثلاث درجات مئوية، أو أسوأ من ذلك.
 
لأول مرة في التاريخ المسجّل، تساقطت الأمطار بدلاً من الثلوج المعتادة في ذروة صفيحة غرينلاند الجليدية. وتذوب الأنهار الجليدية الكندية بسرعة. يدقّ الأمين العام للمنظمة العالمية للأرصاد الجوية البروفسور بيتيري تالاس ناقوس الخطر أمام موجة الحرّ التي شهدتها كندا والمناطق المجاورة في الولايات المتحدة، والتي رفعت درجة الحرارة إلى ما نحو 50 درجة مئوية في قرية بمقاطعة كولومبيا البريطانية.
 
ووصلت درجة الحرارة في وادي الموت بكاليفورنيا إلى 54.4 درجة مئوية في إحدى موجات الحرّ المتعدّدة التي شهدها جنوب غرب الولايات المتحدة، فيما شهدت أجزاء كثيرة من البحر الأبيض المتوسط درجات حرارة غير مسبوقة. و"كانت درجات الحرارة الاستثنائية هذه مصحوبة غالباً بحرائق مدمّرة"، وفق تالاس.
 
وأشار الأمين العام للمنظمة إلى "تساقط كمّية أمطار تعادل ما يتساقط عادةً على مدى أشهر عدّة في الصين، في غضون ساعات معدودة".
 
في أوروبا، شهدت أجزاء من القارّة فيضانات عارمة، أودت ‒ إلى جانب ما تقّدم ‒ بحياة العشرات وأدّت إلى خسائر اقتصادية بالمليارات.
 
وأدّى العام الثاني على التوالي من الجفاف في المناطق شبه الاستوائية في أميركا الجنوبية إلى تقليل تدفّق أحواض أنهار كبيرة والإضرار بالزراعة والنقل وإنتاج الطاقة. واعتبر تالاس أنّ "الظواهر المتطرّفة أصبحت القاعدة لا الاستثناء"، مشيراً إلى "أدلّة علمية متزايدة على أنّ بعض هذه الظواهر يحمل بصمة تغيّر المناخ الناجم عن الأنشطة البشرية".
 
استناداً إلى بيانات الفترة الممتدة من كانون الثاني إلى أيلول، كان متوسط درجة الحرارة العالمية في 2021 أعلى من متوسط الفترة 1850-1900 بنحو 1.09 درجة مئوية. ويحتل العام حالياً المرتبة السادسة أو السابعة من بين أدفأ الأعوام في التاريخ المسجّل.
 
ومع أنّ هذه المرتبة قد تتغير في نهاية 2021، من المرجّح أن يحتلّ العام المرتبة الخامسة أو السادسة أو السابعة من بين أدفأ الأعوام في التاريخ المسجّل، فتصبح الأعوام من 2015 إلى 2021 هي أدفأ سبعة أعوام في التاريخ المسجّل، وفق تحذيرات المنظمة العالمية للأرصاد الجوية.
 
(مشهد من باد نوينار آروايلار غرب ألمانيا إثر الفيضانات الكارثية هذا العام)
 
من جهة ثانية، كان عام 2021 أقلّ دفئاً من الأعوام الماضية بسبب تأثير ظاهرة نينيا معتدلة حدثت مطلع العام. وتجلّى تأثير الظاهرة في المنطقة الاستوائية من المحيط الهادئ؛ علماً بأنّ أحدث ظاهرة نينيا قوية كانت في عام 2011، وأنّ عام 2021 أدفأ من عام 2011 بمقدار يراوح تقريباً بين 0.18 و0.26 درجة مئوية.
 
تُحدِث النينيا تبريداً واسع النطاق في درجات حرارة سطح المحيط في وسط وشرق المحيط الهادئ الاستوائيّ، مقترنة بتغيّرات في دوران الغلاف الجوي فوق المنطقة المدارية، أي في الرياح والضغط وسقوط الأمطار. وعادة ما تكون لها آثار على الطقس والمناخ.
 
وفي ظلّ تضاؤل تأثير ظاهرة النينيا التي حدثت في 2020-2021، ارتفعت درجات الحرارة العالمية الشهرية. ولا يزال عام 2016، الذي بدأ في أثناء ظاهرة نينيو قويّة، هو أدفأ عام في التاريخ المسجّل وفقاً لمعظم مجموعات البيانات المستخدمة.
 
من المُتوقّع أن تستمرّ النينيا حتى أوائل عام 2022 فتؤثّر في درجات الحرارة ومعدلات الهطول. ووفقاً للمنظمة، على الرغم من تأثير التبريد لهذه الظاهرة المناخية الطبيعية، من المتوقّع أن تكون درجات الحرارة في أجزاء عدّة من العالم أعلى من المتوسط بسبب الحرارة المتراكمة المحبوسة في الغلاف الجوي نتيجة بلوغ غازات الاحتباس الحراري مستويات غير مسبوقة. ومن المرجّح، وفقاً لمعظم النماذج، أن تراوح شدّة الظاهرة في 2021/2022 بين ضعيفة ومعتدلة وأن تكون أضعف قليلاً من ظاهرة 2020/2021.
 
 
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم