الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

في مديح سيدة الشعر البريطاني إديت سيتويل: كلماتها تقطر ألماً وخيبة ومرارة

المصدر: "النهار"
روزيت فاضل @rosettefadel
لوحة تجسد " اليأس " لأدوار ميونيخ
لوحة تجسد " اليأس " لأدوار ميونيخ
A+ A-
وقع خيار المطالعة الأسبوعية على إديت سيتويل (1887-1964)، الشاعرة الأرستوقراطية، التي عاشت الألم الوجودي في الحياة، الذي أثمر شعراً، وشكل محور نقاش وجدل في حياتها ومماتها.

المهم أن اكتشاف الشعر البريطاني هو مغامرة بحد ذاتها، ولا بد منها، ولاسيما لمن لا يجذبه إلا عالم القراءات النثرية. ما يجذبك في شعر سيتويل هو استشرافها المستقبل من خلال كتاباتها، ولاسيما ما نقلته في مذكراتها عن حوار جمعها مع إحدى السيدات، وهنا نص الحوار القصير:

سألتني إحدى السيدات:

-لماذا ترتدين الثياب السوداء؟ هل أنت في حالة حداد؟

قلت لها:
-نعم، أنا في حداد يا سيدتي.

سألت:

- على من حدادك؟

أجبت:
- على العالم...".

بيت مظلم
 
 
 
 

هذه النظرة التشاؤمية تصلح لهذا الزمن وللألم الوجودي الذي نعيشه في هذا الانهيار الشامل، الذي فرض نفسه علينا اليوم أكثر من أي وقت...

انعكست آثار الحياة الارستقراطية التي خيم عليها العذاب، على حياة سيتويل التي تصفها في مذكراتها بأنها ترعرعت في "بيت مظلم، ومنسي وثمين، مثل كتاب بقي مقفلاً منذ القرن السابع عشر، تشم في ثناياه رائحة الرطوبة والبعد. الأشجار في حدائقه جامدة و ميتة، مثل مكتبة مهجورة...".

ترعرعت في هذا الجو لتبني من خلاله شخصية غريبة ومعقدة مع قسوة العيش مع والدين لا يكترثان لوجودها، لدرجة أنها وصفت مدى شعورها "بالشفقة على أمها لمجرد زواجها من والدها، إضافة إلى عدم تقبلهما وجود طفلتهما في حياتهما...".

هذه الأجواء الدرامية مهدت لولادة شاعرة كرست حياتها للأدب والشعر. اكتشفت الأديبة إميلي نصرالله في بحث أجرته عنها أنها نجحت في تسجيل الألم في عصرها بوصف دقيق قائلة: "لا عيون تبكي حزناً/لم تبقَ فيها دموع /عُميت مثل السنين"...

السلام
ماذا كتبت في فترة السلام؟ تساءلت في فترة تكاثفت فيها غيوم الحرب العالمية الثانية، عن سبب ذهاب ملايين الشباب إلى الحرب "ليقتل واحدهم الآخر"، ما دفعها إلى معارضة الحرب بشراسة قائلة: "لن يستطيع إنسان في الكون أن يقنعني بأن الحرب خير وحكمة، وأن هناك ما يبرّر إرسال الملايين من الشباب ليقتل واحدهم الآخر..".

عرفت مرحلة أفضل عندما كتبت في السابق للحب والسخرية أو الغناء قائلة: "وسأبحث عن جديد /عن القصر في الغاب/ حيث لن توقظ زقزقة عصفور/ دمنا الراقد".../ و"مضى الليل/ وفي عالم الأشجار/طلع الفجر/يجرّ صوته وصداه /كحفيف الأوراق فوق الغصون"... و"تذكّر ...فقط تذكّر / من حبنا البائس/من الآن وحتى آخر الزمان/ لن تلتقي نيران القلب والعقل...".

وشددت نصرالله على أنها "وبعد مرحلة الفن والمرح خيّم الحزن وغلفت شِعرها غمامة قائلة: "كيف سأحلم/بأن أستيقظ/ وأكون وحيدة / في فراغ نعش/ لعظام حزينة"... وتوقفت أيضاً عند حزن الآخرين: "هكذا تكلم الرجال /ثم جاء النعاس/ أبرد من الورد/ مزدهراً في الهجر"... و"لا أحد يعلم../الآخرة للغبار/ والروح وحدها/ تحيا من بعد"....

هنا، ومن أشهر ما ترجم كوثر أبو هاني لأحد أشعارها المتداولة على بعض وسائل التواصل الاجتماعي وعنوانه: "لا يزال المطر يهطل".

لا يزال المطر يهطل
معتماً مثل روح البشر
مظلماً مثل ضياعنا
أعمى مثل ألف وتسعمائة وأربعين مسماراً
دقت في الصليب

لا يزال المطر يهطل
وقْعه مثل دقات قلب

***
استحالت إلى ضربات مطرقة في حقل الفخاري

و دبيب خطوات آثمة
فوق الضريح..

.. و
لا يزال المطر
يهطل
في حقل الدم

حيث تولد صغائر الآمال
ويلتهم الطمع عقول البشر
مثل دودة عالقة بجبين قابيل

لا يزال المطر يهطل
عند أقدام الرجل الجائع،
المتدلية من الصليب..

أيها المسيح
نصلي لك صباحاً و مساءً
أن ترحمنا

أن ترحم لعازر و الرجل الثري
فلا فرق بين القروح و الذهب تحت المطر
لا يزال المطر يهطل

ودم الرجل الجائع لم يجف بعد
يسيل من خاصرته
وفي قلبه يحمل الجراح كلها
ذلك الضوء الذي مات

و آخر ومضة خبت
في القلب المنتحر
جراح الليل الحزين البليد
جراح الدب الأسير

الدب الناحب الأعمى
الذي يهوي عليه أصحابه بالسياط
على جسده العاجز
دامعاً مثل أرنب مطارد

********
لا يزال المطر يهطل
وقتذاك.. آه.. أتضرّع إلى ربي
يجرّني إلى القاع
أنظري،
أنظري هنالك

حيث دم المسيح يسيل في القبة الزرقاء
متدفقاً من الحاجب الذي سمّرناه على تلك الشجرة..
عميقاً حتى الموت
حتى القلب العطِش

ذاك الذي يحتوي نيران العالم
قاتماً و ملطخاً بالهزيمة
كمجد تاج ملك...

***
صوت أوحد
ينبعث كقلب إنسان
كان فيما مضى طفلاً يرقد بين الوحوش
ما زلت أحبكم
ما زلت أسفح نوري الطاهر ودمي
لأجلكم"
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم