الأحد - 19 أيار 2024

إعلان

"بيروت الأليمة"... صور تُكشف للمرّة الأولى من داخل المرفأ بعدسة ضيا مراد

المصدر: "النهار"
ايسامار لطيف
ايسامار لطيف
صورة من المعرض (تصوير ضيا مراد).
صورة من المعرض (تصوير ضيا مراد).
A+ A-
"ممنوع ننسى أو نتعوّد، لازم تضلّ الصورة قدامنا"... بهذه الكلمات عبّر المصوّر الفوتوغرافي الشاب ضيا مراد عن معرضه الجديد، الذي انطلق اليوم من قلب بيروت المفجوعة، قبيل الذكرى السنويّة الأولى لانفجار المرفأ.
 
يضمّ المعرض نحو 45 صورة توثّق يوم الفاجعة التي أصابت "البشر والحجر" في العاصمة، إلى جانب صور خاصّة تُنشر للمرّة الأولى، التُقطت بعدسة مراد خلال تفقدّه العاصمة.
 
 
الفنّ سلاحنا وسنُقاوم
لطالما اعتُبرت بيروت مهد لقاء الحضارات، ومركز الثقافات في العالم العربي، إذْ كانت تجذب المفكّرين والفنّانين من كلّ دول العالم ليجتمعوا في كنفها. ولأنّها عاصمة ثقافة وحضارة، يبقى الفنّ الوسيلة الأرقى لإيصال الحقيقة حول ما جرى خلال انفجار الرابع من آب، علّنا نستيقظ من سباتنا العميق، ونُعيد مجد أمّة تنتظرنا منذ ٣٠ سنة؛ فإذا كان البعض يُحاربنا بالتعطيل أو بالإرهاب، فنحن سنُقاومه بالفنّ لأنّه خيارنا الذي لم يخذلنا ولن يفعل.
 
 
(تصوير ضيا مراد)
 
 
في حديث لـ"النهار"، استذكر مراد يوم الفاجعة، الذي لا يُنسى، بحرقة وذهول، وكأنّ المشهد يتكرّر مجدّداً أمام ناظريه، لافتاً إلى أنّه كان حاضراً آنذاك في منطقة الجميّزة برفقة كاميرته التي لا تُفارقه؛ وعند الانفجار، راح يوثقّ المشهد دون وعي أو تخطيط مسبق، ويقول إنّ: "الكلام لا يُعبّر عمّا رأيناه وعشناه؛ فالصورة أصدق بكثيرٍ، وتحمل معاني أبعد ممّا نتوقّع".
أشار مراد أيضاً إلى أنّ الحطام المنتشر في كلّ مكان، والمترافق مع صرخات وجع الضحايا، جعله يستيقظ ويهبّ لمساعدة فتاة مصابة، نقلها إلى المستشفى، إلّا أنّه بعد إيصالها، شعر بمسؤوليّة حتّمت عليه العودة إلى بيروت، بالرّغم من التحذيرات والتهويلات التي أُطلقت حينها. التقط كاميرته، ووثّقّ الأضرار التي أصابت تراثنا وعاصمتنا، حيث صوّر مقطع فيديو سينشره عبر حساباته الخاصّة في مواقع التواصل الاجتماعي تزامناً مع انطلاق المعرض.
 
لم يكن مراد يتوقّع أنّ تنتشر صوره بسرعة فائقة، أو أن تلقى رواجاً إلى هذا الحدّ، إذْ إنّ الهدف من الصور لم يكن الشهرة، كما أنّه لم يُفكّر وقتها في إنشاء معرض وحصد الجوائز، بل أراد نقل الصورة بتجرّد إلى كلّ العالم كي "لا ننسى ما حصل بنا، ونتذكّر دائماً أنّه علينا المحاسبة واسترداد حقّ بيروت".
 
 
(تصوير ضيا مراد)
 
 
في اليوم التالي، لاحظ المصوّر الشاب أنّه التقط أكثر من ١٥٥ صورة للعاصمة، إلّا أنّه لم يتسنّ له تصوير الضواحي المتضرّرة، وبخاصة الأثريّة منها، التي تحمل في طيّاتها ذكريات زمن قديم، وحكايات خلّدها التاريخ، فعاد وحمل سلاحه الفنّي متوجّهاً إلى الأشرفية، حيث جال على قصر "سرسق" الشهير وفيلا "مقبل"، لا سيّما أنّه يميل إلى الأبنية التراثية القديمة التي تشتهر بها بيروت، وحيث كان يعمل على مشروع خاصّ حول هذا الموضوع؛ وعند وقوع الفاجعة شعر أنّه بحاجة إلى توثيق هذا التراث قبل أن يُهدم أو ينهار فيُصبح ذكرى مصوّرة في عقولنا وحسب.
 
وبالفعل، جال مراد على المعلَمَين التراثيين، والتقط صوراً عدّة، لافتاً إلى أنّ "العالم تسوده الأنانيّة. ودائماً كنتُ أطالب وأتمنّى أنّ يستطيع أيّ مواطن الدخول إلى تلك الأبنيّة المحتكرة من قبل شركات عالميّة أو أصحاب مال ونفوذ، أقلّه كي نشاهد هذا الإرث التاريخي الذي يعود حصراً إلينا كشعب".

خلال الحديث، أوضح ضيا أنّه حاول البحث عن مشهد دراماتيكي مختلف، خارج عن المعتاد، يُجسّد حقيقة المشهد، مؤكّداً أنّه ركّز فقط على المضمون وليس على نوعيّة الصورة، إذْ قام بنقلها بعين "شاب لبناني موجوع لا كمصوّر محترف". ولأنّ "الغاية تُبرّر الوسيلة" اتجّه إلى أحد الأبنية المهتزّة نتيجة الانفجار، والتقط صوراً تُبيّن الأذى الذي أُلحق بضواحي العاصمة الأثرية، وهناك لفته "رسم الكاتب اللبناني الكبير جبران خليل جبران داخل إحدى الغرف في بيتٍ من البيوت المنكوبة، حيث بدا وكأنّه حزين لما حصل في بيروت".
 
من شغف المهنة إلى الواجب الإنسانيّ

بعد توثيق مشاهد الدمار والضحايا، قرّر مراد أن يترك عمله ويُخصّص وقته للمساعدة الفنيّة في العاصمة، حيث انضمّ إلى فريق المهندس المدنيّ الفرنسيّ المختصّ بالإهراءات إيمانويل دوران، فاستطاع أن يدخل كثيراً إلى موقع الانفجار ومعاينته من قرب في 28 آذار، و"من هنا أتت فكرة المعرض، إذْ لم يكن حينها مسموحاً للأشخاص العاديين بدخول مكان الحادثة"، فشعر مراد أنّه "مسؤول عن نقل هذا المشهد الذي كان يترقبّه الملايين، فأمسك الكاميرا بكلّ جوارحه لتجسيد الصورة"، مشيراً إلى أنه أطلق "على هذه التجربة اسم "السيلوس" الذي يعني الإهراءات، إذْ أنّ المعرض بشكل عام يتمحور حول هذه التجربة الفريدة من نوعها، والتي تركت أثراً لا يُنسى في نفسي".
 
المشهد يتكرّر
بعد مرور أكثر من ٥ أشهر، يقول مراد إنّ "المشهد في داخل الإهراءات يتكرّر، وكأنّه يحصل الآن، وما من شهور مرّت، وحياة أكملنا عيشها، فالزمن يُعيد نفسه في كلّ مرّة ندخل فيها إلى مرفأ بيروت"، مشدّداً على ضرورة المحاسبة ومتابعة القضيّة الوطنيّة التي هزّت كراسي الحكم وحرّكت العالم بأسره.

كذلك أوضح أنّ المعرض سيضمّ صوراً من داخل المرفأ تُعرض للمرّة الأولى علناً في قلب العاصمة التي تنبض بالحياة، وهي على شفير الموت، تأكيداً على أنّنا "سنعود أقوى من قبل، وستبقى بيروت عاصمة الثقافة والفنّ، على الرغم من الدمار الذي أُلحق بها".
 
(تصوير ضيا مراد)
 
 
من بيروت إلى سويسرا... الصورة تتكلّم!
أوضح مراد أنّه سيُشارك في تشرين الأول المقبل في معرض تصويري سيُقام في سويسرا بالتعاون والتنسيق مع منظّمة سويسريّة لإحياء ذكرى الانفجار، حيث سيستمرّ مدّة 10 أيّام، وسيُشارك فيه مصوّرون وفنّانون من مختلف البلدان.
من جهته، أكّد مراد أنّ هذه فرصة مهمّة بالنسبة إليه لنقل أوجاع وطنه وصرخة شعبه إلى العالميّة، كاشفاً عن أنّ المعرض سيضمّ نحو 25 صورة منتقاة من الجريمة، وتحمل أبعاداً إنسانيّة ووطنيّة.
 
 
(تصوير ضيا مراد)
 
 "الصورة أصدق من الكلمة"، لطالما سمعنا هذه العبارة، إلّا أنّنا اليوم نختبرها بقلب محروق، فصورة بيروت الجريحة لا تُمحى بسهولة قبل تحقيق العدالة ومحاسبة الفاعلين، فهذا وعد عهده كلّ لبنانيّ حتّى إجلاء الحقيقة...
 
 
 
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم