الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

لوحة النوافذ المفتوحة للقمر لشوقي دلال: "الآن والهنا" على أعتاب المتاهة

المصدر: "النهار"
لوحة النوافذ المفتوحة للقمر لشوقي دلال.
لوحة النوافذ المفتوحة للقمر لشوقي دلال.
A+ A-
شوقي أبو لطيف- أديب ومفكر وأستاذ الفلسفة في الجامعة اللبنانية
 
 
ما تزال الريشة "الشقدلالية" في حالة الشغف إياها، بتراث فنّي، ومعماري، يتّسم به الإيواء الى الجوّان، على أن اللون يشفّ الى أفياء محاكاة النفس، في بهاء ذاكرتها الوجدانيّة، حيث تتصعّد المراقي الى عقل إشراقي، يكاد يوازي في المستوى الوجودي، من نظريّة الفيض الأفلوطينيّة، كوكب القمر، في التخوم الأقرب الى عالمنا المحسوس.
 
اللون الذي يشف ليحاكي النفس، يبدو للمتذوّق أكثر إدهاشاً من لمعة الياقوت، ورفعة الزمرّد، وبهرجة اللآلئ، ووهج المرجان، في مدائر الماء من بحور هائمة، وفي نسائم الهواء من فضاءات غائمة تحت مسارب الشمس الى جفون حُسن ورؤية.
 
وأنّك لتستنطق في هذه اللوحة أُطراً من حياة، محوطة بالنوافذ المستوحاة من تراث معماري وطني أثيل، كأني بالفنان شوقي دلال يعمد بفنّه ذي البُعد السيكولوجي الهادف، الى الخروج من الحجر والقهر النفسيّين، اللذين أشارت إليهما لوحة سابقة حين فلسفت ريشة الفنّان إخلاداً الى اللامكان بعد ما أدّى الإقفال القسري الى إخلاء المكان.
 
 
يدخل دلال، من خلال لوحته، الى البناء الاجتماعي المعاصر من بوابة الحداثة، التي تركن الى اتساق الشكل في الحضارة، على خلفيّة من عنفٍ مقنّع، ومن ترحّل هجين، نلحظ فيهما الازدراء بما تأدّت إليه المادّة، من عبثٍ في الرؤية، ومن تسمُّر "الآن والهنا" الفردي، على أعتاب المتاهة، وفي ظلال الأطراف التي تتّقي النور، لئلا ينكشف هزالها المخبوء، بينما تركن الريشة الى أنس التراث، حيث التسامر على سماويّة النافذة المفتوحة في ليلة بدريّة، ومن على شرفات العرس القروي، إذ تستنير الحسناوات، في تبرُّجٍ فرِح، الى الصوت المدوّي من حنجرة الناي المديدة، يتسلّق الشدو فيها مدارج العُرَب، مثلما يتسلّق الندى سفوح الجبال الى أفنان شجر طروب. بيد أنّ أنداء الصوت تمتزج بضوء القمر، فتهطل في الإنشاد أنوثة الأباجيد المموسقة بالحداء، على سلالم الزمان، لكأنما امرأة، هي المليكة على "نافذة الشرق"، تتوّج بهينمات من سكوب المداد، إلهاماً لشِعرٍ يغنّى في مهاتف الطير الى جنان، ليبدو الى الناظر في اللوحة أن الجمال المزركش في نفنفات الألوان على الضوء القمري، إنّما يتجلّى من النافذة القصوى، التي تلقي بضوء خفيت بعيد، يأتي من خلف الأفق، فيتوهّج وجه امرأة، في يدها ترياق بلّور عتيق تحيطه بشرائط ، كأنّها العرى التي توثق ما تستكنّه النفس من وجوديّات الولادة وتساميات الأمومة، بما هي يد وقلب ووجه لأمّة.
 
على ضوء القمر نوافذ سندسيّة، وأخرى من بلّور غائم بالمدى السماوي، أما النافذة التي يتسرّب منها الياقوت فإنّما تقع فوق "العين السحريّة"، التي لطالما أضاءت البيوتات التراثيّة، في هدأة النفس، حين تلامس الريشة القمر، من نافذة المنزل الأمومي في لوحة شوقي دلال، التي تفتح نوافذ الاشراق على جنان المطارح الجذلى بالأنس، إذ تزدهي مباهج الحياة بالبساطة، وإذ ينتفي اجتزاع الإلفة في تواصل غير اجتماعي وإذ تتّقد الحياة من النور.
 
وفي الخلاصة، يبدو للمتذوّق أنّه ينبغي أن نصغي في الأمسيات الحميمة، من شتاء الوطن، الى ما تكتنزه لوحة المنافذ هذه، مثلما نصغي الى فيروزيات صباحيّة، والى أهازيج وديعية، من شمائل الجبل اللبناني، الذي أنجب عباقرة الفن من بين خوالج الفخار، الذي تلمع أصداؤه في أباريق الصحو، على رؤية ريشة تتخطّى المكان الى مكانة النفس في رؤيا القمر.

 
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم