الثلاثاء - 07 أيار 2024

إعلان

الإصلاح ليس شعاراً وحسب

المصدر: "النهار"
غسان العياش
غسان العياش
تعبيرية (النهار).
تعبيرية (النهار).
A+ A-

 

جاء الآن وقت العمل. ومن المفروض أن تضاعف حكومة الرئيس ميقاتي جهودها لكي تعوّض الوقت الطويل الذي ضاع بدون دولة. دولة لا تحلّ المشاكل الكبيرة بل تتولّى، على الأقلّ، إدارة الانهيار. بين ما هو منتظر بداهة من الحكومة الجديدة وبين المهام الصعبة التي تنتظرها، لا بدّ من التنبيه إلى خطر تحوّل تعهّدات الحكومة إلى وعود غير قابلة للتنفيذ، أو بتعبير آخر إلى شيكات بدون رصيد.

 

تعلّق الآمال الكبيرة على اتّفاق يعقد في وقت قريب مع صندوق النقد الدولي. وكان مثيرا للارتياح التزام الحكومة في البيان الوزاري استئناف المفاوضات مع الصندوق للوصول إلى خطّة للإنقاذ، إذ كان منتظرا أن يثير إدراج هذا التعهّد في برنامج الحكومة خلافا في مجلس الوزراء. فالحكومة، بعكس ما قيل عنها بأنها حكومة اختصاصيين ومستقلين، تشكّلت في نهاية المطاف من ممثلين للقوى السياسية الرئيسية وبالتفاهم معها. بعض هذه القوى، وفي الطليعة حزب الله، كان يعترض على اشراك صندوق النقد الدولي في برنامج لإنقاذ الاقتصاد اللبناني.

 

وبات من المسلّم به أن لا قروض من صندوق النقد للبنان بدون إصلاح حقيقي وجدّي، وأن الصناديق الإقليمية والدولية لن تساعد لبنان أو تمنحه القروض بدون أن يتّفق على برنامج إنقاذي مع صندوق النقد. هذه القروض بالغة الأهمّية لأنها مصدر للعملات الأجنبية، والأهمّ لأنها تجبر "المنظومة السياسة" على الشروع بالإصلاح بعد تلكّؤ دام عدّة عقود.

 

لكن مجرّد التزام الحكومة بإعادة التواصل مع صندوق النقد ليس هو الهدف، فالصندوق يصرّ على برنامج للإصلاح الاقتصادي والمالي باتت توجّهاته معروفة. فهل يوافق حزب الله وحلفاؤه على إصلاحات تمسّ ما كان يعتبره من المحرّمات؟ البرنامج المنتظر سيلحظ حكما، على سبيل المثال لا الحصر، إعادة النظر في كلفة رواتب القطاع العام وزيادة الضرائب على الاستهلاك. ورغم الشعار المعلن بأن صندوق النقد لا يفرض شروطا سياسية، لا يستبعد أن يختلط الاقتصادي بالسياسي في البرنامج فيصرّ الصندوق مثلا، وهذا بديهي، على الضبط الجدّي والصارم لحدود لبنان البرّية لمنع التهريب ووقف الهدر في موارد الدولة الضريبية.

 

ماذا يضمن عندها ألا يعتبر حزب الله هذا النوع من الشروط استفزازا له ومساسا بخطوطه الحمر؟

بنيت خطّة التعافي التي التزمتها الحكومة السابقة على حلول مختلف عليها، وعلى قاعدة أرقام بعضها وهمي أو غير صحيح. ومنطلق العمل الآن هو مراجعة هذه الأرقام والمعطيات، خصوصا بعدما تغيّرت الوقائع منذ ذلك الوقت. فبين حزيران 2020 وحزيران من العام الجاري فقط تراجع إجمالي النشاط المصرفي بنسبة 10 بالمئة، وشمل ذلك تراجع ودائع الزبائن بنسبة 7 بالمئة ورساميل المصارف بنسبة 16 بالمئة، أمّا ديون المصارف للقطاع الخاص فقد انخفضت بنسبة 23 بالمئة.

 

الالتزام بتنشيط الاقتصاد اللبناني واستعادته من حالة الموت السريري الراهنة، كما توحي الحكومة في بيانها، يتطلّب سياسات تتناقض كليا مع السياسات المعتمدة حاليا، لاسيما السياسة النقدية، الأسلوب التقليدي لإحياء الاقتصادات المنهارة هو فتح سبل التمويل على مصراعيها أمام القطاع الخاص، وتخفيض كلفة الاقتراض إلى الحدّ الأدنى. وما نراه في لبنان حاليا هو منع التوسّع بالسيولة إلى حدّ ملاحقة المودعين إلى شبابيك الصرّاف الآلي لمنعهم من سحب الحدّ الأدنى من أموالهم. هل تستطيع هذه السلطة المريضة حتى العظم "بمتلازمة سعر الصرف" أن تنتقل إلى سياسات مناقضة وشجاعة ومدروسة لفتح أبواب التسليف أمام الاقتصاد؟

 

هذه الأسئلة السريعة لم تشمل الارتباك الكبير الحاصل في موضوع رفع الدعم وعدم جهوزية الدولة حتى الآن لوضع البطاقة التمويلية موضع التطبيق، مما حدا ببعض المراجع إلى التفكير في استبدال البطاقة حاليا بزيادات على رواتب القطاع العام. وهذا خطأ فادح. فالأفضل الانطلاق ببطاقة تمويلية شبه مكتملة على زيادة رواتب موظفي الدولة. البطاقة تؤسّس لشبكة أمان اجتماعي يمكن تحسينها مع الوقت، أمّا زيادة الرواتب فهي، كما علّمتنا التجارب، طريق مضمون للانهيار النقدي والاجتماعي والوصول مرّة أخرى إلى جهنّم.

 
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم