الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

اللقاءُ الأخير... والدائم

المصدر: "النهار"
سجعان قزي
سجعان قزي
Bookmark
الرئيس الشهيد بشير الجميل.
الرئيس الشهيد بشير الجميل.
A+ A-
الأحد 12 أيلول 1982 اتّصل بي الرئيسُ بشير الجميّل يَسألُني إذا كنتُ أنهيتُ خِطابَ القسَم الذي كلّفني إعداده. تواعَدْنا على اللقاءِ في دارتِه في بكفيّا التاسعةَ من مساءِ الاثنين 13، أي عشيّةَ استشهادِه. وصلتُ، فوَجَدْتُه جالسًا في الصالونِ الداخليِّ مع زوجتِه، السيدة الأولى صولانج (صولا)، يَستمع إلى موسيقى كلاسيكيّةٍ عبرَ آلةِ حديثةٍ أهداه إيّاها أحدُ أصدقائه. ولأنّه لم يكُن تعلَّمَ تشغيلَها بعدُ، راح يَكبِسُ على أزرارِها علّه يُحسِّنُ الصوت. بَقينا هكذا بِضعَ دقائق، ثم ما لبثَت زوجتُه أنْ تَركتْنا، وأتى بشير بغليونٍ كان يُدخّنُه في الجلساتِ الحميمةِ حَصْرًا، وهي نادرة. فهو لا يُدخِّن، وإذا ما نَدَر أنْ أشْعلَ سيجارة، يَتركُها شاعلةً ولا يُدخّنُها، حتّى تنطفئَ وحدَها.جَلس رئيسُ الجمهوريّةِ المنتخَب على كرسيٍّ جِلديٍّ قديم، وجَلسْتُ قبالتَه حولَ مِدفأةٍ مُطفَأة. وما إِن بدأتُ قِراءةَ الخِطاب، وأنهيتُ الفقْرةَ الأولى منه ("أديّتُ مضمونَ القسَم، وها إنّي أتلو نَصَّه. أدّيتُ مضمونَه طوالَ ثماني سنواتِ المقاومةِ، وأتلو نَصَّه في بَدءِ ستِّ سنواتِ الحُكم")، حتى قال لي: "أَعِدها"، فأعَدْتُها، وارتاحَ في نهايتِها إلى ضحكةٍ طويلةٍ خَتمها بقولِه: "لئيم، فظيعة، اخْتصَرْتَ كلَّ شيء".وانْطَلقتُ أقرأُ، وهو يُنصِتُ، مُلتقِطاً بسرُعةٍ لمعاتِ الخِطاب حتّى انتهيتُ من قراءتِه. أعجَبه الخِطاب، وعَلّقَ بأربعِ ملاحظاتٍ رئيسةٍ تَناقشْنا فيها، هي الآتية:1. المسيحيّون في لبنان. توقّفنا طويلًا لإيجادِ صيغةٍ تحدِّدُ الخصوصيّةَ المسيحيَّةَ في وطنٍ للجميع. وحين قلت له: "أنت اليومَ رئيسُ وطنٍ أنشأه المسيحيّون لا رئيسَ وطنٍ مسيحيِّ"، أجابني على الفور: "صَحّ". وبالفعل، في اليوم التالي، أطلقَ هذه الفكرة في خِطابِه إلى مأدبةِ غداءٍ أقامَتها شقيقتُه، الأخت أرزة، في دير الصليب لمناسبةِ عيد الصليب.2. الشهداء. كان لا بدّ من حَسمِ الموقفِ من اللبنانيّين الّذين سقطوا في الحرب، وهم يَنتمون إلى قوى مختلِفة. فقال بشير: "أنا كرئيسٍ للجُمهوريّة، لا يُمكنني إلا أنْ أساويَ بين الجميع، ولو انَّ بينَهم اختلافًا سياسيًّا أو عقائديًّا. فكُلّهم سقطوا من أجلِ "لبنانٍ ما"...3. معاهدةُ الصّلح مع إسرائيل. كنتُ قبلَ أسبوعٍ من تلك الجلسة، اجتمعتُ إليه طارحاً له تصوّراتي، وسائلاً إيّاه إذا كان يريدُ تمييزَ أحدٍ في الخِطاب الرئاسي، فأجابني: "اثنان فقط: والدي، والرئيس سركيس". ولمّا أتيْنا في جلستِنا على ذكرِ موضوع إسرائيل، أجابني: "أفضِّلُ ألّا نَذكر الآن عبارةَ "معاهدة سلام"، ولنكتفِ بالحديثِ عن عمليّةِ السلام".4. أميركا. واتّفقنا على اختيارِ التموضع التالي: مصلحةُ لبنان أن يكون حليفًا استراتيجيًّا للعالمِ الحرّ، لأنّنا جُزءٌ من قيمِه الديمقراطيّةِ والليبراليّة.وبعد تداولٍ نحو ساعة،...
ادعم الصحافة المستقلة
اشترك في خدمة Premium من "النهار"
ب 6$ فقط
(هذا المقال مخصّص لمشتركي خدمة بريميوم)
إشترك الأن
هل أنت مشترك؟ تسجيل الدخول
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم