الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

أتّكئ أمامكَ يا لبنان كما تتّكئ سنديانةٌ أمام كبرياء نبعٍ جريح

المصدر: "النهار"
عقل العويط
عقل العويط
أمام حضورك يا لبنان (لوحة لشارل خوري).
أمام حضورك يا لبنان (لوحة لشارل خوري).
A+ A-
لبنان يموت.
إنّه يموت، لا شيخًا ولا مريضًا ولا مهترئًا، بل غصبًا عنه، وتحت إشراف حكّامه ورؤسائه وقادته وزعمائه، وبإيديهم، وبسياساتهم، وبإداراتهم، وبإيعازاتهم، وبأوامرهم، وبإرشاداتهم، وبسكاكينهم، وبخناجرهم، وبمسدّساتهم، وبصواريخهم.
 
لوحة لمازن الرفاعي.
 
لبنان يموت أيّها المجرمون، كما لا تموت أمٌّ تحت عين الشمس.
لبنان يموت، وأنتم تقهقهون ملء أشداقكم الضارية، وتستلقون بعجيزاتكم المترهّلة وكروشكم المسمومة، وتتمدّدون بأقدامكم النتنة والكريهة، وكأنّكم في إجازاتكم الدمويّة المستديمة.
لبنان يموت، وأنتم تتحلّقون حول سريره، وتنهشون جسده المتلاشي، وتشربون دمه النازف، وتجردون لحمه عن عظمه، وكلٌّ منكم يريد حصّته من الإرث، وبعضكم يريده كلّه لنفسه، أيًّا تكن الأثمان والمذابح.
 
لوحة لزينة نادر.
 
لبنان يموت، وأنتم – واحدًا واحدًا – وكلٌّ بحسب رئاسته وموقعه ومكانته ورتبته ووظيفته ودوره ويده وسلاحه، لا هدف عندكم إلّا الاستيلاء عليه حصصًا، أو التفرّد به، وإنْ جثّةً خاليةً من الحياة، عديمة الفائدة والفاعليّة والوجود.
وأنتَ وحيدٌ وحيدٌ وحيدٌ، يا لبنان.
وجميع هؤلاء متألّبون عليكَ، في الداخل.
 
وأعداؤكَ الكُثُرُ متألّبون عليكَ في الخارج، من جنوبٍ ومن شمال، ومن شرقٍ ومن غرب. لكنّ أعداءَكَ في الداخل هؤلاء – وأقولها على رأس السطح - هم أعداؤكَ الألدّ، يا لبنان. وهم الأخطر والأدهى والأكثر شرًّا ومكرًا وفتكًا وقتلًا.
وأعداؤكَ هؤلاء، هم أنتم، وتتّخذون لأنفسكم أجسامًا وأسماءً وأوصافًا وصفاتٍ مختلفة ومتنوّعة ومتناقضة. لكنّكم – يا لانسجاماتكم الشيطانيّة الرهيبة! – جسمٌ واحدٌ واسمٌ واحدٌ ووصفٌ واحدٌ وصفةٌ واحدة، لا اختلاف فيها، ولا تنوّع، ولا تناقض.
 
لوحة لميساك ترزيان.
 
وهؤلاء الأعداء، وهم أنتم، لا تستحقّون أنْ تكونوا رؤساءَه ولا حكّامَه ولا قادتَه ولا زعماءَه ولا أحزابَه ولا تيّاراتِه، ولا بالطبع تستحقّون أنْ تكونوا أبناءَه، ولا أنْ تتسمَّوا باسمه "لبنانيّين".
لكنّ هؤلاء – يا لَحظِّكَ السيّئ - هم خاصرتُكَ الرخوة ونقطةُ ضعفكَ ومقتلتُكَ وخيانتُكَ العظمى، يا لبنان.
 
لولا ذلك، ما كان أحدٌ ليستطيع أنْ يستولي عليك، ولا أنْ ينال منك.
... وأقف أمامكَ، لا متشاوفًا بل كما تتّكئ سنديانةٌ عنيدةٌ أمام كبرياء نبعٍ جريح، مخجولًا من كوني أقف أمام نبعٍ جريح.
وأسأل عقلي كيف يمكنني أنْ أنجّي نبعكَ الكريمَ الجريحَ هذا، من براثنهم، ومن أضراسهم، ومن أظفارهم، ومن عيونهم، ومن عقولهم النجسة، ومن أحذية أرواحهم الهمجيّة؟!
... وأنتَ جميلٌ جميلٌ جميلٌ، يا لبنان.
 
وأنتَ جميلٌ كجمالٍ ليس هناك جمالٌ لتُشَبَّه به!
وأنتَ مستحقٌّ، يا لبنان.
وأنتَ مستحقٌّ أنْ تشهد على المصير الذي يستحقّه هؤلاء القتلة، كلٌّ بحسب رئاسته وموقعه ومكانته ورتبته ووظيفته ودوره ويده وسلاحه.
أعطِني – فقط - أنْ أظلَّ أقف أمامكَ، لا خانعًا ولا مخجولًا، بل كشمسٍ تُبدّد – بالحقّ - جِيَفَهم الخائنة، وتمحق شرّهم المستطير!
 
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم