السبت - 27 نيسان 2024

إعلان

رحيل خوان خيلمان يتيم إبنه\r\n

المصدر: "النهار"
رلى راشد
A+ A-

طوت تربة المكسيك أمس آخر صفحات قصة الشاعر خوان خيلمان، الأرجنتيني المنفي إليها منذ أكثر من عشرين عاما. إنتهت القصة الشخصيّة التي اجتازها كثير من الشعر وفيض من الإلتزام والوجع واختبار مرير لنير الإستبداد. ليس ثمة مبالغة في الإعلان ان خيلمان الحائز جائزة "ثرفانتس" 2007 من ضمن جوائز أدبية عدة، كان أحد آخر الشعراء الحقيقيين، في وسط زحمة محترفي الرياء.


لم تعلن صحيفة "ميلينيو" المكسيكية التي أوردت خبر رحيله أسباب الوفاة، بل اكتفت بالإشارة الى ان الشاعر أغمض عينيه عن الثالثة والثمانين، في منزله. لم تخبر الحكاية الكاملة التي تقول أن خيلمان كتب مبكرا، في التاسعة وبتحريض عاطفي. وقتذاك أرسل الى فتاة هام بها أبياتا منتقاة لأحد شعراء القرن التاسع عشر، لكنها لم تكترث للأبيات أو له. فقرّر غاضبا ان يختبر نفسه ناظماً للشعر، لكن الفتاة مرة أخرى، لم تكترث له أو لقصيدته. وفي حين مضت هي في طريقها، فقد بقيت له رفقة الشعر.


استراح خوان خيلمان في بورتريه الرجل الصموت الذي، اذا تمهّلنا ونظرنا إليه، صادفتنا عيناه المنتحبتان على إجهاد قديم العهد. تزامن شغفه بالشعر مع وعيه للسياسة التي ستمتزج بعدذاك بشغف الكلمات والحنق من إجحافات الحياة. خيلمان طيف من أطياف بوينس ايريس الهجينة، عشّبت هويته في قعر شعرِه في حقبة الشباب، بدءا من "الكمان ومسائل أخرى" (1956) التي تلاها ما يزيد على عشرين مؤلفا، من بينها "مواعيد وتعليقات" (1982) و"علاقات" (1973).


لفتت قدرة الشاعر على الهيام بالكلمات، وفي القدر نفسه بالتاريخ والمدن. تحالفت خُطى الأعوام وأرقه الشخصي لتشيّد لغته الفريدة التي فضحت ركامه الداخلي الذي كبر رويدا. أليس هو القائل ان الأوجاع "منطقة شاسعة وانها على الأرجح أرجنتينية؟".


في نهاية السبعينات من القرن الماضي، ناهض خيلمان التوتاليتارية في بلاده. لكن نشاطه السياسي وخصوصا خلال "الحرب القذرة" في الأرجنتين بين عامي 1976 و1983 والتي لوحق خلالها المعارضون اليساريون، سيجعل حياته مجازا عن نزاع مديد. سيصير جراء سطوة الجزمة العسكرية يتيم ابنه. وبعد اغتيال الإبن، تُخطَف كنّته وتُحتجز حفيدته وتنزل به عقوبتان بالموت ثم النفي في 1976، بلا بصيص عودة.


بعد ثلاثة وعشرين عاما من تقفي أثر الحفيدة التي ولدت في الأسر، وجدها خيلمان في كنف عائلة تبنّتها في الأوروغواي. ستكون ثمرة لقائهما الذي تأخر، كمشة أبيات سترنّ خنجرا في رقاب المجرمين ودعوة الى صلاة مضادة للإستبداد حيث يلعب خيلمان دور الأب واليتيم الكوني وممثل "المفقودين" الأرجنتينيين. كتب خيلمان كرمى حفيدته "العودة" ليعلن انها رجعت وكأن معتقلات التعذيب لم تكن، وكأن تلك الأعوام الثلاثة والعشرين التي حجَبَت عنه صوتها ورؤياها، لم تكن.


خلال ثلاثة وثمانين عاما هو عمره، تدحرج عبء التاريخ على خوان خيلمان الإنسان وسباه اسمه وشهرته ليصير صدى الحزن. وفي 2014، يضيّع العالم الأدبي خوان خيلمان، الشاعر الجلي.


[email protected]
Twitter: @Roula_Rached77


 

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم