السبت - 27 نيسان 2024

إعلان

منافسة نتنياهو جديّة والقرار عند الأحزاب الدينية الصغرى في أيلول

مهى سمارة
منافسة نتنياهو جديّة والقرار عند الأحزاب الدينية الصغرى في أيلول
منافسة نتنياهو جديّة والقرار عند الأحزاب الدينية الصغرى في أيلول
A+ A-

تستنسخ إسرائيل أجواء الربيع العربي، فوضى سياسية، أزمة حكم حادّة، إرباك وعدم استقرار، فساد ورشوة واستغلال للسلطة، انقسامات أفقية وعمودية، فوارق إثنية وطبقية...إلخ.

جميع هذه الصور الدفينة والمعروفة خرجت على السطح بعد نتائج انتخابات 9 نيسان التي أظهرت حدّة الانقسام السياسي في إسرائيل واستحالة تأليف وزارة رغم شعبية وشعبوية بنيامين نتنياهو.

بعد سبعة أسابيع من الممحاكات والاغراءات والمساومات عجز نتنياهو على تأمين 61 صوتاً من أصل 120 عدد أعضاء الكنيست، فحصل على 60 صوتاً فقط. وبعد قراءتين في البرلمان تقرّر حلّ البرلمان والدعوة مجدداً إلى انتخابات جديدة في 17 أيلول القادم.

أزمة الحكم التي تعيشها إسرائيل ليست جديدة ولا طارئة. إذ سبق لزعيمي حزب العمل شمعون بيريز وتسيبي ليفني أن فشلا في تأليف حكومة ائتلافية. الأحزاب الدينية الصغرى تتحكّم بالرئيس المكلّف وتبتزه لدرجة أنه يصبح رهينة مطالبها ورغباتها.

وتأليف الحكومات الإسرائيلية أكانت ليكودية أو عمالية لا تولد سريعاً بل تتطلب وقتاً وصبراً وأعصاباً طوال 35 يوماً، إذ يستحيل على حزب أن يؤلف حكومة بمفرده ولا بدّ من الائتلاف مع أحزاب أخرى. وفي أية انتخابات جديدة من المستبعد أن تتغيّر هذه الصورة النمطية إلا إذا حدثت مفاجآت.

استطاع وزير الدفاع ورئيس حزب "إسرائيل بيتنا" أفيغدور ليبرمان حرمان نتنياهو من تأليف حكومة هذه المرة، برفضه إلغاء الخدمة العسكرية الإلزامية لليهود المتديّنين. ولأسباب شخصية وسياسية معاً وقف ليبرمان بالمرصاد وضرب ضربته وأصاب. فوضع البلاد في حالة شلل طوال الصيف بانتظار الخريف القادم لمعرفة أين تتجه الأمور...

والصراع على السلطة قويّ جداً في إسرائيل. يصبو ليبرمان على منافسة نتنياهو وازاحته إذا أمكن، والعبرة من حلّ البرلمان هو خلط الأوراق وفي اقل تقدير زيادة عدد أعضاء كتلة "إسرائيل بيتنا" أكثر من 6 مقاعد، كما هو الحال الآن. رغم ذلك لا يزال نتنياهو أقوى شخصية سياسية في معسكر اليمين وأكثر شعبية وأكثر ترجيحاً لتأليف الحكومة القادمة. قاعدته الأساسية صلبة وتتألف من الأحزاب الدينية والمستوطنين المتماسكة إثنياً وطبقياً والتي تسكن خارج المدن الكبرى وتعتبر أقل تعليماً وأكثر تديّناً وفقراً من المجتمع المديني بأغلبيته العلمانية والمثقفة والليبرالية.

القضية التي نغّصت صيفية نتنياهو وأجّلت مشاريعه للقضاء على الحقوق الفلسطينية المعروفة بصفقة القرن هي إلغاء الخدمة العسكرية لشبان وشابات المتدينين. ليبرمان رفض إعفاءهم وتمسّك بقرار المحكمة العليا الذي اعتبرت طلب الإلغاء غير دستوري. القضية مزمنة إذ استطاعت كتلة الأحزاب الدينية والصغرى تأجيل البحث في القضية في البرلمانات السابقة بدون التوصّل إلى حلّ المشكلة.

لحسابات شخصية ضد نتنياهو وتصفية حسابات مع المتدينين أصرّ ليبرمان على وجوب إخضاع هذه الشريحة المهمة للخدمة العسكرية. والمعروف أن ليبرمان يغلب عليه التصنيف العلماني لا الديني. استعمل صلاحياته كوزير دفاع وسدّد ضربة مزدوجة للمتدينين ونتنياهو معاً. وبصفته ممثّلاً للمهاجرين الروس والأوروبيين الشرقيين انتقم من المتدينين الذين طلبوا إخضاع أنصاره من المهاجرين الجدد لفحص DNA للتأكد من يهوديتهم.

ورغم مرور 71 سنة على تأسيس دولة إسرائيل لا تزال البلاد تعيش أزمة هوية. هل إسرائيل دولة دينية يهودية أو علمانية ديموقراطية؟

في تموز 2018 أصدر نتنياهو قانون يهودية الدولة الذي يناقض قرار التقسيم وإعلان دولة إسرائيل في الأمم المتحدة 1948 الذي وعد بمساواة سياسية واجتماعية لكل السكان بغضّ النظر عن الدين والعنصر والجنس: نتنياهو يريد إسرائيل ملجأً لليهود فقط واستطاع بعد مجيئه إلى السلطة في العقدين الاخيرين تحويل إسرائيل عملياً إلى دولة "أبارتيد" بعيدة كلياً من ادعاءات الديمقراطية والعلمانية الذي بشّر بها الصهاينة الأوائل.

وتتذمّر الأحزاب التقليدية التاريخية من الشراكة مع الأحزاب الدينية المتشدّدة وتصفها بالغير مريحة. وترجّح الاستطلاعات أن تصبح هذه الكتلة البشرية ثلث السكان في مدى ثلاثة عقود، إذ تزداد أعدادهم باستمرار ويتكاثرون بشكل غير طبيعي، من أصل 35 نائباً في كتلة الليكود الائتلافية تشكّل الأحزاب الدينية المتشددة 16 نائباً، كتلة وازنة في حسابات تأليف الوزارات لا يمكن تجاهلها.

وتعيش الأحزاب الدينية اليمينية في أحياء خاصة بهم وكأنهم مجتمع قائم بذاته، منعزلون لا يختلطون مع الآخرين. والآخرون يتحاشونهم، لا يعملون نهار السبت، ولا يدفعون الضرائب ولا ينتمون إلى كتلة عمالية راجحة. غريبو التصرّف، مكروهون من الجمهور الإسرائيلي الواسع الذي ينظر إليهم كمخلفات من الماضي. يوجد خوف كبير عند العلمانيين والليبراليين من تأثير حاخامات المتديّنين اليمينيين على سياسة الدولة.

والفوضى السياسية والإرباك اللذان تعيشهما إسرائيل هو نتيجة التغيير في الخارطة السياسية. اليسار بالمفهوم التقليدي لم يعد قائماً. حزب العمل تشقّق وتراجع. حركة السلام الآن تبخّرت. الحركة النقابية العمالية "الهستدروت" تلاشت نفوذاً وحضوراً. إسرائيل منذ مجيء نتنياهو في 1999 اتجهت نحو اليمين وتبنّت اقتصاد السوق كنظام اقتصادي رأسمالي بدلاً من الاشتراكية الديموقراطية الاجتماعية. غياب رموز حزب العمل التاريخي أمثال بن غوريون وغولدا مئير وشمعون بيريز واسحق رابين الذين آمنوا بالعلمانية والديموقراطية انتهت إلى غير رجعة.

نتنياهو لا يؤمن بالديموقراطية، يتحاشى ذكرها ويتجاهلها كلياً وكأنها غير موجودة لأنها بالفعل لا تعني له شيئاً. إسرائيل في عهده انخرطت في العولمة ويفتخر بأنها دولة عسكرية تكنولوجية، استطاعت عبرهما مضاعفة وتحسين دخل الفرد الإسرائيلي.

الصراع السياسي الموجود في اسرائيل ينحصر بين أهل اليمين واليمين الوسط. وتحديداً بين تكتل الليكود الذي يتألف من أحزاب دينية صغيرة وحزب "ابيض ازرق" المؤسس حديثاً بزعامة الجنرال بيني غانتس والذي يضمّ نخبة من العسكريين الكبار أمثال الجنرال غابي اشكنازي والجنرال موشيه اهارون. وخلال حملة انتخابية منظّمة لشهرين فقط استطاع حزب "ـأبيض أزرق" الحصول على 35 مقعداً بالتساوي مع عدد مقاعد الليكود.

استطاع حزب "ابيض ازرق" بزعامة غانتس أن يطرح بديلاً ومنافساً جدياً لنتنياهو خصوصاً وانه يتمتع بتأييد المؤسسة العسكرية وعائلاتهم والمعارضين لنتنياهو على مختلف اتجاهاتهم وميولهم. نتنياهو حاول قطع الطريق على غانتس بوصفه ممثلاً لليسار. التهمة الذي ينكرها غانتس مؤكداً على انتمائه إلى اليمين الوسط ومنوّهاً بدوره في شن القصف الصاروخي الوحشي على غزة 2012-2014. وحيث قتل أكثر من ألفي فلسطيني مدني ووصفته الأمم المتحدة بجرائم حرب. غانتس يعتبر نجماً صاعداً في السياسة الإسرائيلية وشخصية واعدة استطاعت جذب واستقطاب معارضين لنتنياهو الذين ابتعدوا عنه لتسلّطه وغروره وعنجهيته.

حزب "أبيض وازرق" ركز على محاربة نتنياهو الشخص والنهج وعكس رغبة في التغيير، يتوعد نتنياهو بالمواجهة وربما بالإزاحة داخل الكنيست والحكومة مراهناً على فشل نتنياهو في سن قانون في البرلمان يمنع محاكمته كرئيس وزراء في السلطة. والمراهنة أن نتنياهو لن يستطع الاستمرار وسيضطرّ إلى التخلّي عن منصبه بعد أن توجّه إليه تهم في قضايا فساد ورشوة واستغلال السلطة مع أفراد من عائلته.

الواقع يقتضي الاعتراف بأن زحزحة نتنياهو ليست بالشيء السهل، رغم التململ من شخصيته بين صفوف الليكود واليمين عامةً فضلاً عن اليسار والمستقلين يوجد نفور عند حلفائه وخصومه على حدّ سواء. إنما لا يزال يتمتع بشعبية واسعة بين المتديّنين والمستوطنين.

نتنياهو مستميت للامساك بالسلطة، وبقاؤه في رئاسة الوزراء عملية موت أو حياة. الرجل متّهم بقضايا قضائية وجنائية ومفروض أن يخضع للمثول أمام المدعي العام أفيشاي ماندلبيلت الذي كان يعمل في ديوان رئاسة الوزراء في عهده. نتنياهو طمس ملفات الفساد ضده ولم يأتِ على ذكرها وتحاشاها كلياً في خطاباته وتصريحاته. إذا كان في السلطة فقد يعفى من الاستجواب. نتنياهو يريد أن يكون المحاور والمفاوض عند بحث "صفقة القرن" لحل القضية الفلسطينية. تطورات الوضع الداخلي الإسرائيلي أجلت طرح الصفقة التي لا تزال تفاصيلها سرية. إذا شهدت إسرائيل تغيرات جوهرية فقد تنسفها من بكرة أبيها بخاصة انها مرفوضة من الفلسطينيين والعرب ودولياً لأنها تتناقض مع الشرعية والقوانين الدولية الصادرة عن الأمم المتحدة والتي صوّتت عليها الإدارات الأميركية السابقة الجمهورية والديموقراطية.

وتتجمع أسباب شتى غير مترابطة استثنائية وغامضة، لتأجيل البحث في صفقة القرن. التطورات الأخيرة في إسرائيل وعدم تأليف نتنياهو حكومة وضعته في موقف ضعيف ومحيّر. إذ لا يتوقع تأليف وزارة جديدة في إسرائيل قبل نصف تشرين الثاني القادم. مما يعني أن الزخم التي كانت تسير به الصفقة والترويج لاعلانها بعد رمضان بطلت بإخفاق نتنياهو. كما أن التوقيت ربما لن يكون مناسباً لاطلاقها، إذ سيعلن الرئيس ترامب عن رغبته في البقاء لدورة ثانية في 2020 في تشرين الثاني القادم.

وحتى ذلك الوقت أيام نتنياهو ليست سعيدة إذ يعيش الرجل قلقاً وخوفاً من المجهول، إذا جاءت نتائج صناديق الاقتراع في أيلول غير متوقعة ومفاجئة. علماً انه لأول مرة في تاريخ الانتخابات الإسرائيلية تتبرّع الدول الكبرى، كالولايات المتحدة وروسيا، في دعم وانجاح نتنياهو كالشخصية المفضلة للتعامل معها كل لأسبابه المختلفة.

لأن مستقبله على المحك ويشعر بأن الأرض تهتزّ تحت قدميه استنجد نتنياهو بالرئيس ترامب الشعبوي مثله ومنحه ثلاث هدايا من السماء صبّت في تعزيز شعبيته الانتخابية: إعلان القدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأميركية إلى القدس. وإعلان الجولان تحت السيادة الإسرائيلية.

ويتشابه ترامب ونتنياهو كثيراً، الاثنان يؤمنان بإخضاع السياسة إلى مبدأ المقايضة. ترامب يريد إعادة انتخابه في 2020 ويدرك أهمية الصوت اليهودي الأميركي الذي يصوّت تقليدياً للحزب الديموقراطي. يأمل من خلال نتنياهو أحداث نقلة نوعية لتجيير هذه الأصوات للحزب الجمهوري. بوتين الذي ارتبط بعلاقات قوية في السنين الأخيرة مع إسرائيل ومع نتنياهو شخصياً بسبب الحرب في سوريا والدور الإيراني تحديداً استجلب رفات الجندي الإسرائيلي الذي سقط في معركة السلطان يعقوب في البقاع سنة 1982 خلال الاحتلال الإسرائيلي للبنان لمصلحة نتنياهو، بمعرفة ومساعدة الحكومة السورية، لمغازلة الصوت العسكري الإسرائيلي وتشجيعه للتصويت لنتنياهو بأنه المدافع عن كرامة الجنود الذين يسقطون خارج بلادهم.

نتنياهو الذي يتمتع بدهاء سياسي وحنكة ومكر وخداع وانتهازية معروفة استطاع أن يؤجل أي تغيير في إسرائيل بوجوده في سدّة الحكم المتواصل فترة أطول من مؤسس الدولة دافيد بن غوريون. ولا يتوانى لعمل المستحيل للبقاء في السلطة وقلب الموازين الاستراتيجية وعقد تحالفات مقدسة وغير مقدسة داخلياً وخارجياً، كالبائع الشاطر والمناور الفذّ نتنياهو يصور نفسه أمام ناخبيه انه ضحية المؤامرات والغدر حتى من أقرب المقرّبين إليه في الليكود الذين هجروه وأسّسوا أحزاباً صغرى جديدة. نتنياهو يقرع دائماً ناقوس الخطر أمام اليمين المتشدد والديني ساعة من النمو الديموغرافي الفلسطيني وحل الدولتين والآن من ضرورة مواجهة إيران، كالخطر الداهم في المنطقة. صناديق الاقتراع ستكشف مصيره.

Email: [email protected]

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم