السبت - 27 نيسان 2024

إعلان

كيف نكافح استبداد الرقابة على حياتنا؟

المصدر: "الموند"، ترجمة نسرين ناضر
غي-فيليب غولدشتاين
A+ A-



كشفت قضية سنودن، التي تحمل اسم المستشار السابق في وكالة الأمن القومي الذي كان وراء التسريبات عن برنامج الرقابة الإلكترونية، حجم الرقابة المفروضة على المواطنين في العالم بأسره. فما العمل في مواجهة هذه الظاهرة؟


أطلقت قضية سنودن وتسريباته حول التجسّس على وسائل التواصل الرقمي، نقاشاً جوهرياً عن حماية الحياة الخاصة وأمن المواطنين في مجتمعاتنا ذات الاتصال الواسع بشبكة الإنترنت.


لا يمكن أن يتم هذا النقاش إلا في المجتمعات الغربية التي توفّر الحماية للحريات العامة. فهو غير ممكن في الصين حيث يُمارس المسؤولون عن المواقع الإلكترونية الرقابة على مستوى غير مسبوق في تاريخ البشرية. كما أن إجراء مثل هذا النقاش في روسيا يزداد صعوبة، حيث تطارد الشرطة والمحاكم المدوّنين المعارضين للنظام.


حق يخضع لقيود شديدة


إذا كان البعض يعتبرون أن الحق في الحياة الخاصة هو امتياز مطلق، فلا بد من الإشارة إلى أن هذا الحق يخضع لقيود شديدة. فالدولة تطلب من الجميع الكشف عن مداخيلهم كاملة. بإمكانها، في حال الاقتضاء، تفتيش مشتبه به، وحتى وضعه في الحجز الموقت. من يُفاجأ بأن الدولة تستطيع التجسّس على البريد الإلكتروني ينسى أنها تحتكر العنف. وحدها الدولة تستطيع استخدام القوة لفرض القانون، ولا يمكن أن ينافسها أي شيء على الإطلاق في ديموقراطياتنا الليبرالية.


منذ عام 2007، يتم نقل أو أرشفة أكثر من 90 في المئة من المعلومات في العالم عن طريق الوسائل الإلكترونية. إذا كنّا نعتقد أن هذه التكنولوجيا أصبحت حيوية بالنسبة إلى مجتمعاتنا، فمن الطبيعي إذاً أن تفرض الدولة نفسها في هذا المجال أيضاً. وتتأكّد هذه الحاجة يومياً إزاء محاولات التواصل المشفَّر والمجهول الهوية بين المجموعات المافيوية أو الإرهابية، والتجسّس الصناعي الواسع النطاق، وخطر الهجمات السبرانية، وتطوُّر الجريمة المعلوماتية.


أصبحت إمكانات الدولة الرقمية وقدرتها على الحصول على امتيازات تشفيرية في وسائل جمع المعلومات ومعالجتها على نطاق واسع، عاملاً جوهرياً في صدقيتها المدنية والعسكرية على السواء. كما أن هذه الإمكانات تجعل من الدولة القومية لاعباً فاعلاً في مجال الشبكات الإلكترونية يتعاون مع شركائه الأقرب. لا يتوقّف تداول المعلومات عند حدود البلدان. فهذا التعاون قائم منذ وقت طويل، بحسب ما كشفته صحيفتا "الموند" و"الغارديان" عن أجهزة الاستخبارات الوطنية.


بيد أن الانتهاكات ممكنة، حتى في الدول الديموقراطية. وجّهت قيادة الحرب السبرانية في وزارة الدفاع الكورية أكثر من 23 مليون رسالة كاذبة عبر موقع "تويتر" للتلاعب بالرأي العام خلال انتخابات 2012. ينبغي على الجمهورية الأميركية أو الفرنسية أن تستشفّ في هذه الواقعة تنبيهاً من الإغراءات الدنيوية التي تتيحها التكنولوجيا. يجب أن يؤطّر القانون عمل الدولة في المجال الرقمي.


الرقابة تحت إشراف قضائي


يجب إعادة إرساء تفوّق السلطة المدنية، وتطبيق مبادئ واضحة لتنظيم عمل الرقابة، كما ورد في التقرير الصادر في كانون الأول 2013 عن لجنة "الحكماء" التي عيّنها الرئيس أوباما. يجب أن تتم عملية الرقابة تحت إشراف القضاء، كما أكّدت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان عام 2010 والمحكمة العليا الأميركية عام 2012.


لكن تقييم التهديدات التي تستدعي الرقابة سوف يتطوّر ليشتمل على مؤشّرات قوية وضعيفة في مزيج كبير من المعطيات - وهو أمر مألوف في تحليل "البيانات الكبرى". يجب أن تخضع هذه التحاليل الاستشرافية التي تؤازر حدس المحقّق، لتقييم مستمر من سلطات الرقابة، لأن مؤسسات الشرطة والرقابة ستخضع هي أيضاً للمراقبة.


وهكذا إلى جانب التقصّي عن المشتبه بهم، سيخضع المحقّقون أيضاً للتقصّي. وهكذا ستُجمَع بيانات هائلة عن نشاطات الشرطة، بدءاً من الإجراءات التي تفرض على سيارات الشرطة في بوسطن تحديد موقعها عن طريق نظام GPS وصولاً إلى النظارات الإلكترونية لعناصر الشرطة التي تسمح بمراقبة تحرّكاتهم وتصرّفاتهم من خلال تزويدها بالقدرة على تصوير أشرطة فيديو.


يمكن أرشفة هذه المعلومات في المدى الطويل جداً، بما يؤمّن حماية قضائية إضافية للمواطن. وهكذا لا يمكن أبداً أن تختفي الأدلة التي تثبت حدوث انتهاكات. يولّد هذا الأرشيف الرقمي شفافية رادعة.


يضع التحوّل الرقمي مرة أخرى المتطرّفين في مواجهة المحافظين. كما يعلّمنا التاريخ، الطريق الأفضل ليس في التطرّف ولا في المحافظية، بل يرتسم في إطار نزعة إصلاحية قادرة على إرساء توازن بين احتياجات الأمن والحفاظ على سيادة القانون. هذا هو أحد الرهانات الكبرى في القرن الحادي والعشرين الرقمي.


 


 

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم