السبت - 27 نيسان 2024

إعلان

أقيس غيابك بالصقيع

مهدي منصور
أقيس غيابك بالصقيع
أقيس غيابك بالصقيع
A+ A-

1- تكسير

لكي أدوس على زمني ووطني وميراث عائلتي

أمشي بحذاء النسيان في شوارع المخيّلة...

كل مَن رأيتهم في قناديل اللغة لم يروني زيتاً يتألم في فتيل الكتابة...

والنساء اللواتي منحتهن ما تيسّر من حياةٍ وجنونٍ رمينني كالمنطق في سلة الوقت...

طحالب القلق التي تتعفّن الآن على جسدي تصلح لتوابل المعاني والتراث...

أين واحدة من حبيباتي الصالحات تلعق ملح الحزن المكدّس وراء أذنيّ؟

أين عابرة ممن تركنني تقودني لفراشِ الليلة الواحدة؟

أين ممّن خنّني واحدة تشعل أصابعي لفافاتِ تبغٍ وشموعاً وتمضي؟

أين من قصائدي بيتٌ واحد يتّسع لإيوائي مع كل هذا العفن.؟

2- الخونة

الذين رفعوا رأسي على رأس رمح مثقف يا حبيبتي، كانوا يحفظون قصائدي تحت وسائدهم وفي القصب.

والذين سحلوني فوق إسفلت المدينة تعبوا يصورونني بهواتفهم الذكية كلما وقفت على المنابر..

أنت لا تعرفين كم يوجعني أنّ الرجل الذي كتبت قصيدة لحبيبته على دفترها وبات أباً لطفلين، هو نفسه الذي غرز الخنجر في خاصرتي.

وأنت أيضاً يا حبيبتي، أنت أيضاً، لا تعرفين أنّ أصابعك وهي تلتف حول عنقي برغبة جامحة، تتفقد مسرح الجريمة لتكبس حنجرتي كمفتاح الكهرباء.

وأنطفئ إلى الأبد.

3- صندوق النذور

بتُّ أقصرَ بحلمين، لشدة ما برت قدميَّ شوارعُ المدينة...

لا تنتظري قصيدتي الأخيرة عنك

أسقطتها بدل النقود في صندوق النذور بعد صلاة ساخنة لعلّها تقع مصادفةً في يد فقيرة ابنة فقير وتصادف أن تكون فقيرة حالمة فتنسى رغيفاً عجوزاً وكوخاً من القش والطين وتذكرني من دون معرفةٍ أمّها وتدعو لنا بالتلاقي...

ها أنا الآن أسير بلا قدمين

على ركبة الأمنيات...

لم أجدْ درباً أقربَ إليك سوى الله...

ولم أجدْ درباً أقربَ إلى الله

من ابتسامة عائلة فقيرةٍ كالأمل...

لا تقلقي

لن يخطئ الله بينك وبينها

لا لشيء...

بل لأنه يتألمُ لعالمٍ يجمع بين شاعرٍ مشرّدٍ وجميلةٍ جائعة...

4- قصيدة ساخنة لشتاء العمر

البرد يدخل بيتها من غير إذنٍ.

كان يلمسها كنحّات ويدخل كفه من تحت كنزتها؛ فتمطر بيلسانا.

...

البرد لم يقرأ أمام الشيخ فاتحةً ولم يعقد قراناً.

...

البرد لم يسألْ أناملها عن القتلى، وقطّاع القصائد قبل صورتها.

وعشاق المدينة.

لم يفكر وهو يسكنها بمن ضحّى وخانا..

هو لا يمانع أن يقبلها أمام الناس،

أن يلهو بطلّتها لتستر صدرها من غير بوحٍ.

أن يرى إيماءها من حيث كانا..

البرد يشبهني.

ولي طبع العواصف إنما قدرٌ على شفتي

إذا لامستها في السرّ يفضحني دخاناً.

...

أقيس غيابك بالصقيع...

كلّما خطوتِ خنجراً خارج جسدي

صنع البرد غمداً مكانه..

هكذا إلى أن صرتُ كإسفنجةٍ متجمّدة..

بهواً قارساً يحتسبُ عمق رحيلك بالفجوات...

5 مأساة الحب

أنت أجمل قبل الحب.

لن يصدق أحدٌ أنك حقاً جننت بي... ووقعت بي، بالفعل.

ماذا فعلت بنفسي!

كنت تخرجين مرّة كلّ قصيدة، توزّعين الفرح علينا، ويداك ملأى بالقصص والسنابل.

كان حضورك يفضح أعشاش الطيور حين تطل هي أيضاً كسكّانها من ثقوب الحواكير والأبنية.

كنّا نعدّ الحوامل يشربن من راحتيك الماء كي يلدن كمجاتٍ تعزف أطفالاً.

ويرحلن قبل أن يكتشف أزواجهن الجنة.

ماذا حدث يوم قلتِ لي أحبك، كيف حلّ الجوع في المدينة؟ أيّ فحم هذا الذي تقلّمين به شكل حياتي؟ وعلامَ تدهسين الأطفال بالكعب العالي وتبصقين في وجوه النساء؟ منذ متى وأنت تراشقين العصافير بالقطط؟ وتقطّعين بالسكين شِعري بحثاً عن نساء تحت جلد اللغة؟ اللعنة عليّ كم طاردتك! كم حلمت بيوم تعيشين فيه لأجلي... فأي جريمةٍ تراني اقترفت؟

ينبغي ألا تحبّ امرأةً قد تحبّك...

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم