ستغطّيكِ يا مي أوراق لبنان الثقافي وأزهار شجرة الرمّان لتكتبي المشهد ما بعد الأخير

مي عبد الساتر (1939 – 2019) ذهبتْ أوّل من أمس إلى الموعد الإلهي، بعد سقوطٍ وغيبوبة. وَزَنَاتُها مشهودةٌ وموثّقةٌ ومؤرّخة: ثمانون عاماً ملأى، وخمسون بنهاراتها والليالي في "النهار"، ونحوٌ من ستّين في خدمة "لبنان الشاعر". تعرفونها باسم مي منسى، وهي نائمة الآن، فلا توقظوها. إنها تحلم فحسب. وعلى غرار العناصر، يحقّ لها أن تنخرط في أحلام العناصر. وأن تختار الأسلوب الذي يجعلها موهوبةً للعطور والأنسام والأمطار والظلال، كما لأحوال الشروق واليقظات والأنوثة.مي، التي لطالما عبّرتْ عن ذلك كلّه بالحبر العاشق، المنافي للبغض والحقد والبشاعة والانتقام، يمكنها الآن، من الآن فصاعداً، أن تواصل تغطية السجلّات والمواعيد والمواسم الفنية والأدبية، موسيقى وغناءً ومسرحاً وأدباً وشعراً وروايةً ورسماً ونحتاً ورقصاً تعبيرياً، بالحذافير نفسها، كما يمكنها أن تكرّس أوقاتها المتبقية لكشف المخبوء والدفين من سيرة ذاتها وعائلتها الأولى، ومن سِيَر أحبابها وأمكنتها، المفتوحة على اللامتناهي من الأوجاع والأحلام. هي، ولا بدّ، ستكتبها بالندى الذي يتدثّر بثياب السهرة المتأخرة، ليذهب الندى إلى السهرة المتأخرة، ويعود مخفوراً بالحنين إلى البيت، إلى الأهل، إلى المكتب، إلى الحياة والأشياء والكائنات والتفاصيل الجليلة والأنيقة. هكذا، لا شيء سيضيع يا مي، ولا شيء سيأوي إلى نسيان. فما يتراكم، يتراكم، ليصير نموّاً في المطلق، وبعضاً من الكينونة السامية. ومَن ينسدل عليه الستار، وهذه حال المدعوّات والمدعوّين إلى العتمة في عزّ الألق والنشاط – كأنتِ تماماً - تختار له الملائكة أن يصير عضواً في عائلة العزّ الإلهي. والآن، في هذه اللحظة الحرجة الميؤوس منها بشرياً، تختاركِ الملائكة عضوةً شرفاً في جوقة الله، فأراك جديرةً بهذا، وتستحقّين، ثمّ تبتسمين لأجل ذلك، وتصفّقين لمجد الانتقال، لأن من طبائع روحكِ أن تبتسم وتصفّق، وأن...