السبت - 27 نيسان 2024

إعلان

هناك مَن يدفع باصراره ثقل العثرات ويعيد المحاولة

المصدر: "النهار"
جلنار
هناك مَن يدفع باصراره ثقل العثرات ويعيد المحاولة
هناك مَن يدفع باصراره ثقل العثرات ويعيد المحاولة
A+ A-

لا نخفق حين ننهزم فحسب، بل حين نخضع لعثرات الحياة وهي ترميها بين فواصل خطواتنا فتموت رغباتنا، أو تبقى دفينة في جسد خفي من أمنيات تستظل تحت عريشة الأمل. ولنكن أكثر صدقاً مع أنفسنا حتى الأمل تراجع عن كونه فضاء رحباً نتكىء عليه، أو هزم هو الآخر، فلم يعد هناك ما نسند عليه خيبتنا.

ورغم ذلك، هناك من يدفع باصراره ثقل العثرات ويعيد المحاولة، ذلك أنّ الإصرار وحده وريث عرش النجاة من شباك مُعدّة لامتحاننا لنـُثْبِت أحقيتنا في البقاء أو الإندثار. وهناك من يأبى مواصلة رحلته عندما يصطدم بعبثية الحياة وتطوِّقه هفواتها فيفضِّل البقاء في جوف الأمان الذي أعدّه لنفسه بعيداً من الوجود، في هدوء العتمة.

المطاف لا نهاية له، تلك حقيقة، فالنهاية وهم كبير، والوهم ساحر بحيث يُلقِى بظله الطويل علينا، فلا ندرك أنّ ظلّه الغامض يُمحَى بإعادة توجيه خطواتنا نحو ممر آخر يفضي إلى الطريق ذاته الذي نقصد الوصول إليه.

ذلك ما حدث بينما كنت أكتب روايتي التي صدرت أخيراً بعنوان "حمل مهدّد"، ربما هي قشة الغريق التي ذابت من فرط تمسّكي بها، هي ما جعلت للنهاية معنى جميلاً، بحيث تحوّلت الرغبة الجامحة بكتابتها إلى واقع وُجد أخيراً بعد جهد كبير، كثيراً ما شعرت بالانهزام وربما الرغبة في التوقف وإرجاء كتابتها لحين استكمال بحثي عن التفاصيل والمعلومات اللازمة لبعديها الزماني والمكاني، لكن القوة الكامنة داخلي كانت تعيدني إلى العمل كلما وصلت إلى حافة الاستسلام. هناك بعدان لأي عمل نتوق إلى تحقيقه: الأول وجوده الراسخ في وجداننا، ووجوده يشبه النطفة التي نحملها في رحم أمنياتنا، فإما أن تنضح وتولد، وإما أن تجهضها الظروف وهي لا تزال في طور التكوين. أما البعد الثاني، فهو القوة الكامنة فينا لإعادة بناء أحلامنا وترميمها، وأعمالنا وشيكة الإجهاض، حتى تلك المجهضة يمكن إعادة تكونيها إذا كان ما نحمله فينا يؤمن بأرحامنا كأننا له الوطن، وليس مجرد وهم مرمي على ساحل مهمش في طريق الحياة.

الحقيقة كانت الظلّ الوحيد الذي قرّرت أن أصنع منه عريشة تعلو أفكاري وتحميها. والحقيقة هي أنّي أردتُ لهذه الرواية الوجود، فقد تحمّلت مسؤولية نقل هموم أبطال الرواية الذين قابلتهم واستمعت إلى ظروفهم ومشاعرهم وتجاربهم. كانت ألسنتهم تنطق بواقع يبدو خيالياً، فكنتُ كلما تعبتُ حدّ الاستسلام، تعيدني قسوة تجاربهم إلى صفحات روايتي، وجعلتني مقدرتهم على استكمال حياتهم رغم الانكسارات الكبيرة أستكمل عملي. ودرّبتُ نفسي أن أرى النهاية بداية جديدة أوسع أفقاً من سابقتها، فالرواية تستعرض حياة أبطال يحاولون بجهد تجاوز هزائمهم بالسعي وراء أحلام تعيش في رحم الأمنيات في ظلّ الحرب وما لحقها من مفاجآت وإنكسارات، فهي مزيج من تناقضات الحب والحرب واللجوء والأمل والنجاة والموت.

سرّ آخر كان يدفعني للاستمرار، الانتماء للنفس وما تحمله في داخلها.

من حقنا الانتماء إلى أنفسنا. لمن ننتمي إن لم يكن إنتمائنا الأول لذواتنا؟

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم