الأحد - 28 نيسان 2024

إعلان

جون ماكين حارس "عقيدة الآباء" المتمرّد... حكاية تلك "الموجة الّتي لا تهدأ"

المصدر: "ا ف ب"
جون ماكين حارس "عقيدة الآباء" المتمرّد... حكاية تلك "الموجة الّتي لا تهدأ"
جون ماكين حارس "عقيدة الآباء" المتمرّد... حكاية تلك "الموجة الّتي لا تهدأ"
A+ A-

لم يكن لـ#جون_سيدني_ماكين الثالث إلا ربّ عمل واحد على مدى مسيرته المهنية البارزة والمضطربة- الولايات المتحدة الأميركية.

ويبدو أنه تقليد عائلي، إذ إن ماكين هو سليل مباشر، على ما يقول لقائد في جيش جورج واشنطن، خلال حرب الاستقلال الأميركية.
وعلى غرار والده وجدّه قبله، وهما أدميرالان بأربعة نجوم يحملان كذلك اسم جون ماكين، عاش في خدمة بلاده، كطيار حربي في البحرية الأميركية، ومن ثم كنائب في الكونغرس حتى وفاته السبت عن 81 عاما، بعدما تم تشخيصه بسرطان الدماغ في صيف 2017. 

وكان ليصبح هو كذلك أدميرالا لو أن صاروخ أرض-جو سوفياتي الصنع لم يضرب طائرته من طراز "إيه-4 سكاي هوك" أثناء تحليقه فوق هانوي في 26 تشرين الأول 1967.

ونجا ماكين بنفسه حيث هبط بمظلة في بحيرة صغيرة وسط المدينة، لتستقبله عصابة غاضبة كانت على وشك قتله. وتعرضت ذراعاه وركبته اليمنى لكسور شديدة.
ونظراً الى كون والده قائد جميع القوات الأميركية في المحيط الهادئ، بقي ماكين أسير حرب لأكثر من خمس سنوات. 

وأطلق عام 1973 بعد اتفاقية باريس للسلام. لكن العواقب الجسدية للكسور التي لم تُعالج في شكل جيد عن قصد، خلال أسره، والتعذيب الذي تعرض له، كلفته مسيرته المهنية كطيار.
وقال في مقابلة عام 1989: "لسبب ما، لم تكن تلك الفترة فترتي، وأعتقد أنه لهذا السبب، كان مقدر لي أن أفعل شيئا ما". 

واتضح لاحقا أن هذا الشيء هو السياسة. فبعد سنوات عدة من عمله كمنسق خاص للبحرية في مجلس الشيوخ، انتقل ماكين إلى أريزونا التي تنتمي إليها زوجته الثانية، ليفوز بمقعد في مجلس النواب الأميركي عام 1982.

وكبرت طموحاته منذ ذلك الحين. فصعد سريعا إلى مجلس الشيوخ، الهيئة التي تملك أعلى سلطة في الولايات المتحدة، ليمكث فيه 30 عاما.

ولطالما برز ماكين بصورة الجمهوري المتمرد، بحيث تحدى حزبه بشأن قضايا تراوح من إصلاح تمويل الحملات الانتخابية إلى الهجرة.

لم يؤمن كثيرا بالانضباط الحزبي، وهو موقف عززته خبراته السابقة في التمرد، كطالب عنيد في الأكاديمية البحرية الأميركية، أو كسجين متهور يستفز سجانيه الفيتناميين.
وفي مذكرات تعود الى العام 1999 بعنوان: "عقيدة آبائي"، كتب ماكين: "عززت نجاتي من الأسر الذي تعرضت له ثقتي بنفسي. وعلمني رفضي للإفراج المبكر عني، أن أثق بأحكامي". 

وكان ماكين الغير تقليدي والمزدري للسلطة والمتعجرف أحيانا هو نفسه الذي قرر خوض انتخابات عام 2000 الرئاسية.

ومقدما نفسه على أنه مرشح يتحدث في شكل "صريح"، عرض على الأميركيين رؤيته اليمينية المعتدلة، مبتعداً عن المسيحيين المحافظين الذين نجح خصمه جورج بوش الابن آنذاك في جذبهم.

وفشل ماكين يومذاك، إلا أنه استعاد صلابته، وانتزع في النهاية الشعلة الجمهورية من بوش الذي تراجعت شعبيته في شكل كبير.
وعام 2008، تصالح مع المؤسسة الحزبية، وفاز أخيرا بالترشح للرئاسة. 

ومع اقترابه من البيت الأبيض، اتخذ قرارا عفويا ومثيرا للجدل. فلن يغفر له الكثير من شركائه اختياره حاكمة الاسكا التي لم يكن يعرف عنها الكثير، ساره بالين، كنائب رئيس خلال الانتخابات.

وسمح القرار ببروز "حزب الشاي (تي بارتي)"، وصعود الشعبوية التي تجسدت لاحقا بالرئيس الحالي دونالد ترامب.
وهيمن الديموقراطي باراك أوباما آنذاك على المشهد في الانتخابات، ليخسر ماكين للمرة الثانية. 

امتلك ماكين قدرة على تحريك الحشود. في واشنطن، اجتمع الصحافيون حوله في قاعات الكونغرس، حيث بدا حاد اللسان، وقليل الصبر.

وفي إحدى المرات، قال لأحد الصحافيين: "هذا سؤال غبي". وفي حالات أخرى، تحوّلت نبرته النزقة انتقاصا من الذات، بحيث قال في إحدى المرات: "لا أعتقد أنني شخص ذكي جدا".

وقد يكون كذلك سريع الانفعال، بخاصة عندما يتعلق الأمر بقضايا تعني له الكثير، على غرار القوات المسلحة والاستثناء الأميركي، وفي سنوات لاحقة التهديد الذي يشكله الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي وصفه ماكين بأنه "قاتل ومجرم".

ولطالما سخر الجمهوريون من مواقف ماكين المؤيدة للتدخل العسكري، بحيث أشاروا إلى أنه لا يقول "لا" إطلاقا للحرب.

حتى النهاية، بقي ماكين على اقتناع بضرورة مشاركة القيم الأميركية والدفاع عنها حول العالم. كان كثيرا ما يتوجه إلى بغداد أو كابول أو تايبيه أو كييف أثناء انتفاضتها، ليحظى باستقبال رئيس أكثر منه كنائب.

وبعد ضمّ روسيا لشبه جزيرة القرم، أدرجت موسكو اسمه على قائمة سوداء أعدتها للرد على العقوبات التي قادتها الولايات المتحدة. وعلّق هو على ذلك بالقول: "أعتقد أن هذا يعني أنني لن أتمكن من قضاء عطلة الربيع في صربيا".

وعلا صوت ماكين عندما تعلق الأمر بروسيا وسوريا. لكنه كان في الواقع جنرالا لا يملك جيشا.

وبدا أن انتخاب ترامب ضرب عرض الحائط بكفاح السيناتور الجمهوري المخضرم ومبادئه، هو الذي لم يخف استياءه من نزعة رجل الأعمال الملياردير القومية والحمائية، إلى جانب مغازلته لبوتين واستخفافه الجلي بكرامة منصب الرئاسة.

وعلق كذلك على استفادة ترامب، أيام حرب فيتنام، من تأجيلات متتالية أعفته من الخدمة في الجيش بسبب "نتوء عظمي" في كاحله.
لكن لم يدفع أي من ذلك ماكين إلى التقاعد. فلربما كان يفكر في جدّه الذي توفي بعد أيام فقط من عودته إلى الولايات المتحدة، عقب استسلام اليابان في الحرب العالمية الثانية، فسعى ماكين إلى البقاء في مجلس الشيوخ لأطول فترة ممكنة، حتى عندما تم تشخيصه بنوع من سرطان الدماغ شديد الخطورة. 

لكنه ابتعد منذ كانون الأول عن مجلس الشيوخ، حيث كان يتلقى العلاج في أريزونا، بينما استقبل في مزرعته الأصدقاء والزملاء الذين قدموا لوداعه بعيدا عن أنظار وسائل الإعلام.

ليلة وفاته، أعلنت عائلته أنه قرر التوقف عن العلاج.

وفي مذكراته التي نشرت في أيار بعنوان: "الموجة التي لا تهدأ"، أكد أنه يرغب في أن بتم دفنه في ماريلاند، قرب صديقه القديم من البحرية تشاك لارسون. 

لدى ماكين سبعة أولاد، أربعة منهم من زوجته الحالية سيندي، وثلاثة من زواج سابق.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم