السبت - 27 نيسان 2024

إعلان

السفارة الأميركية في القدس... ترامب ينسف خطّ العودة

المصدر: "النهار"
السفارة الأميركية في القدس... ترامب ينسف خطّ العودة
السفارة الأميركية في القدس... ترامب ينسف خطّ العودة
A+ A-

 ومع أن ترامب لن يحضر الاحتفال، الا أن طيفه سيكون حاضراً في كل خطوة من هذا النهار. وهو سيتحدث الى المحتفلين في كلمة عبر الفيديو، بعدما تباهى الاسبوع الماضي بأنه يحقق وعداً انتخابياً بنقله السفارة الى القدس، رغم أن قراره هذا يطيح التزاماً آخر له ولادارات أميركية سابقة لتحقيق السلام بين الفلسطينيين والاسرائيليين.  


فعلى غم مرور 36 عامًا على ضم اسرائيل الجزء الشرقي من مدينة القدس عام 1980 -والذي احتلته بعد حرب سنة 1967- وإعلان المدينة عاصمة لها، إلا أن الأمم المتحدة والمجتمع الدولي –بما فيه الولايات المتحدة آنذاك- لا يعترف بالقدس كعاصمة لإسرائيل، ويعتبر القدس الشرقية جزءا من الأراضي الفلسطينية المحتلة، ولا يعترف بضمها للدولة العبرية. 



ومع أن الكثير من دول العالم، أبقى قنصلياته في المدينة، بهدف خدمة الفلسطينيين القاطنين فيها، رغم استمرار الاحتلال الإسرائيلي، كان لافتًا أن الكثير من دول العالم، قررت عقب القرار الإسرائيلي ضم القدس الشرقية عام 1980، نقل سفاراتها من القدس الغربية إلى تل أبيب رغم إقرارها بأن الشطر الغربي من المدينة أراضٍ إسرائيلية.

إلا أن الولايات المتحدة وقعت مع إسرائيل في 19 كانون الثاني 1982 وبالتحديد في اليوم الأخير لولاية الرئيس رونالد ريغان وثيقة تتناول وضع القدس وسميت "اتفاق إيجار وشراء الأرض" حصلت الحكومة الأميركية بموجبها على قطعة أرض من أملاك الوقف الإسلامي والأملاك الفلسطينية الخاصة في القدس الغربية لبناء السفارة الأميركية عليها.

 وقبل توقيع الوثيقة، كانت الولايات المتحدة تعتبر القدس كياناً منفصلاً خارج نطاق السيادة الإسرائيلية. واعتُبر التوقيع على هذه الوثيقة اعترافًا ضمنيًا بسيادة إسرائيل على القدس. وفي الوقت نفسه يحرم القانون الدولي الحصول على أرض من سلطة الاحتلال عن طريق الاستئجار أو الشراء.

وفي عام 1990، اقر الكونغرس الأميركي القرار 106 ، الذي نص على نقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس وصدر القانون عام 1995، وذلك بعد أربعة أسابيع من توقيع اتفاق طابا (أوسلو) في البيت الأبيض الذي نص على الالتزام بعدم المساس بوضع القدس، وتأجيل بحثها إلى مفاوضات الحل النهائي.



ولاحقاً، أعلن الرئيس بيل كلنتون أنه لا يؤيد القانون ولكنه سيلتزم تنفيذه. وتلا ذلك، توقيع الرئيس الاسبق جورج بوش في 30 أيلول 2002 قانوناً أقره مجلس الشيوخ ينص على أن "القدس الموحدة" عاصمة لاسرائيل، مما أثار حينها الغضب والاستنكار الشديدين في جميع العواصم العربية والإسلامية.

وحاولت ادارة الرئيس السابق باراك أوباما ارجاء تطبيق القرار، خوفًا من تفجير حالة من الغضب لدى الفلسطينيين وأرجأ أكثر من مرة نقل سفارة بلاده من تل أبيب إلى القدس المحتلة، بالرغم من الضغط الكبير الذي كان يلعبه اللوبي الصهيوني على الإدارة الأميركية، وبحسب القانون الذي مرر في عام 1995، ولكن القانون كان يجيز للرئيس تأجيل العملية لمدة ستة أشهر لأسباب تتعلق "بالأمن القومي".

  لم ير ترامب أي موجبات تستدعي تأجيل العملية، لا بل نزل يقله لتسريعها. فاجراءات الانتقال التي كانت يفترض أن تستغرق سنوات أنجزت خلال أشهر.

وتتضمن المرحلة الأولى من نقل السفارة الاميركية من تل أبيب، نقل السفير وموظفيه الأساسيين- أقل من ستة أشخاص، بحسب صحيفة "الواشنطن بوست" التي أشارت أيضاً الى ان السفارة في تل أبيب تضم 850 موظفاً، لن يتم نقلهم إلى السفارة الجديدة، إلا بعد 7 أو 10 سنوات.

 ومن المتوقع أن يحضر إلى جانب كبار المسؤولين الإسرائيليين حوالي 700 ضيف، معظمهم أميركيون ، بما في ذلك أعضاء في الكونغرس وممثلون عن منظمات ذات علاقة وثيقة مع إسرائيل.، فيما ينوي عدد كبير من البعثات الاوروبية في اسرائيل مقاطعة الاحتفال.

ويرأس الوفد الاميركي صهر الرئيس جاريد كوشنر وايفانكا ترامب مع وزير الخزانة ستيفن منوشين ومبعوث السلام الأميركي في الشرق الاوسط جيسون غرينبلات.





 وستتخد السفارة الجديدة مقراً لها في مبنى حجري اصفر في 14 شارع دافيد فلوسر افتتح عام 2010، وهو يستخدم لتوفير الخدمات القنصلية مثل تجديد جوازات السفر لمواطني الولايات المتحدة وغيرها من الاجراءات. وكلفت تعديلات البناء والأمن الإضافي، أقل من 400 ألف دولار.


ويوم الاثنين الماضي، علق رئيس بلدية اسرائيل نير بركات لوحة أولى بالعربية والعبرية والانكليزية تشير الى موقع السفارة.

 وقال في بيان له: "هذا ليس حلماً...إنه واقع"، شاكراً لترامب تحقيقه هذه اللحظة التاريخية، ومضيفاً: "القدس هي العاصمة الابدية لاسرائيل والعالم بدأ يعترف بذلك".


وكان ترامب تباهى أخيراً بأنه استغل خبرته في العقارات لتوفير أموال المكلفين الاميركيين، مشيراً الى أنه خفض كلفة السفارة الجديدة من مليار دولار الى 250 ألف دولار. 

فخلال كلمة له في ولاية إنديانا الخميس، أمضى عشر دقائق يروي قصة حول توفيره مبلغ 999,800 ألف دولار في بناء السفارة. وقال إن موظفا دخل إلى مكتبه قبل أشهر حاملاً ملفا "جميلا" في يده، وكان عليه أن يوقعه، فسأله ترامب: "ما هذا؟"، فأجاب الموظف: "ملف بناء السفارة الأميركية في القدس." فسأله ترامب: "وما هي الكلفة؟" فأجاب الموظف: "مليار دولار!"

امتنع ترامب عن التوقيع، وطلب على الفور لقاء سفيره في القدس ديفيد فريدمان الذي اقترح ترميم مبنى قريب تملكه الحكومة الأمريكية، بكلفة لا تتجاوز 150 ألف دولار. وأجابه ترامب: "ديفيد.. أيمكنك فعلا القيام بذلك مقابل 150 ألف دولار..؟ أتعلم.. يمكنك إنفاق 200 إلى 300 ألف دولار .. هذا معقول جدا."

ذكرى النكبة

وفيما انشغل ترامب بعرض مهاراته كرجل عقارات، تجاهل الى حد بعيد تداعيات سياسية وأمنية كبيرة في المنطقة.

فقد اختارت واشنطن يوم الذكرى السبعين لقيام اسرائيل، وعشية ذكرى النكبة، لافتتاح السفارة، الامر الذي ينذر بفاقمة الغضب المتصاعد في المناطق الفلسطينية منذ اعلان ترامب في 6 كانون الأول 2017، القدس عاصمة لإسرائيل. ويتوقع أن تبلغ الاضطرابات ذروتها الثلثاء.



ودعا مسؤولون فلسطينيون، الدبلوماسيين والمسؤولين ومنظمات المجتمع المدني إلى مقاطعة الافتتاح ووصفوا هذا التحرك بأنه "غير قانوني وضربة لجهود السلام".

واتهم كبير المفاوضين الفلسطينيين صائب عريقات ادارة ترامب بانتهاك القانون الدولي "والتزاماتها حيال السلام". واعتبر أن المشاركة في افتتاح السفارة "سيفور شرعية لقرار غير قانوني وللسياسات الاسرائيلية المستمرة من الاحتلال والاستيطان وضم الاراضي".

وعطلت جمهورية تشيكيا والمجر ورومانيا الجمعة تبني إعلان أوروبي ينتقد نقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس.


 خطة سلام

 وقبل اعلان ترامب العام الماضي عن قراره نقل السفارة، كان متوقعاً كشف خطة سلام تتبعها محادثات بين الجانبين. ويصر مسؤولون أميركيون على أن الخطة لم تمت وأنها ستعرض "في الوقت المناسب"، ولكن ترامب لم يأت على ذكرها الا عرضاُ في الاشهر الاخيرة، وإن يكن حاول الابحاء بأنه متحمس لها خلال زيارة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو إلى واشنطن مطلع آذار.

واعتبر مسؤولون في الادارة الاميركية نقل السفارة اقراراً بان القدس هي عاصمة لاسرائيل، وأنها ستبقى كذلك في اية مفاوضات لاحقة. وفي مواجهة انتقادات أوروبية واسلامية، جادل البيت الابيض بأن القرار سيعزز احتمالات السلام بدل الحاق الضرر بها.

    وانضم السفير الاميركي السابق في القدس دان شابيرو الى المؤيدين لهذه الخطوة، إذ كتب في مقال السبت أن "تحظيم هذه المحرمات مفيد جداً " ويساعد في "عودة البحث عن حل هذا النزاع إلى جذوره" في تقسيم فلسطين، مشيراً إلى قرار الامم المتحدة عام 1974 الذي ينص على انشاء دولتين، "وهو ما يعني لوجيستياً تقاسم اليهود والعرب الارض".


 ...لا دولة أخرى غير الولايات المتحدة فتحت سفارة لها في القدس، وإن تكن بعضها عمل من هناك حتى ثمانينات القرن الماضي. ويعوّل ترامب الساعي الى انجاز له في ولاية لم تشهد حتى الان الا انتكاسات، على هذه الخطوة لاعادة رص صفوف قاعدته المنهارة، الا أن التاريخ سيذكره ايضاً الرئيس الذي قوض مكانة بلاده وسيطاً في النزاع العربي-الاسرائيلي.







حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم