في يوم عيد العمّال... الشباب اللبناني بين الهجرة والبطالة

ارتفاع نسبة البطالة سنوياً ليس أمراً جديداً على الشباب اللبناني. فقد تعوّد بعد التخرّج في الجامعة معاناة إيجاد فرصة عمل، تكون في معظم الأحيان دون مستواه العلمي ودون طموحاته، وبراتب لا يؤمن أبسط حاجاته الأساسية، ولا يضمن له مستقبلاً يستطيع من خلاله بناء عائلة. فماذا يقول الشباب اللبناني والعاطلون عن العمل يوم عيد العمّال؟ 


المطاعم وليس الكمبيوتر

تخرّج هادي منذ 3 سنوات باختصاص برمجة الكمبيوتر، وحتى اليوم لم يجد وظيفة في هذا المجال وامكانياته لا تسمح له بتأسيس عمله الخاص. لحسن الحظ، بدأ هادي خلال الدراسة الجامعية العمل في مطعم عالمي، وحصل على ترقيات عدة حتى أصبح مؤخراً مديراً لثلاثة فروع، وبالتالي لم يعد يبحث عن عمل في البرمجة.

أوضح هادي لـ "النهار": "بحثت عن وظيفة في البرمجة لمدة سنتين ولم ألق أي نتيجة، وحالياً أبحث عن فرصة عمل جديدة في إدارة المطاعم استناداً إلى خبرتي في هذا المجال". يلقي هادي اللوم على وزارة العمل والمعنيين، ويقول: "عندما كنتُ في المدرسة لم يُوجهني أحد إلى الاختصاصات المطلوبة، وبالتالي لاحقت حلمي وحبي للكمبيوتر، ماذا لو لم أحصل على عمل في مطعم خلال دراستي الجامعية ولم أستطع ايجاد وظيفة بعد تخرجي؟". وتساءل هادي عن حال الشباب اللبناني ومن يدعمه؟

وفي ظل غياب أرقام دقيقة للاختصاصات التي يتوجه إليها الطلاب ونسبتهم، يبرز الفائض الكبير للمهندسين والأطباء وطلاب العلوم وإدارة الأعمال، ما جعل غيرها من الاختصاصات منسية ومنها التمريض للكبار في السن. إذ يتخرج سنوياً عدد كبير من الأطباء اللبنانيين، حيث يمكن أن تجد طبيباً لكل 10 أفراد في لبنان بينما في الولايات المتحدة الأميركية على سبيل المثال يوجد طبيب واحد لكل مئة فرد!

للهجرة حسناتها

يبلغ عمر كيناز 27 عاماً، تعيش في دبي مع زوجها منذ نحو 3 أشهر. تخرجت في التسويق من إحدى الجامعات الخاصة. كانت ترفض فكرة الهجرة، لكن بعد 5 سنوات من البحث عن وظيفة في لبنان، فضّلت السفر إلى دولة عربية "قريبة" على حد تعبيرها بدلاً من الهجرة إلى بلد أجنبي.

اقرأ أيضاً: ما هو معدل البطالة في منطقة الأورو؟

وقالت لـ "النهار": "تخرجت عام 2012، وخلال الدراسة الجامعية وبعدها بسنة خضعت لدورات تدريبية في شركات كبيرة وفي معاهد عدة. حتى هذا الأمر لم يساعدني على ايجاد وظيفة إلى أن رضخت للعمل كنادلة في مطعم في بيروت"، مضيفةً: "أخيراً أقنعني زوجي بالسفر إلى الإمارات بعد أن وجد وظيفة براتب مرتفع، فقلت لنفسي دولة عربية أعرف أنني سأعود يوماً ما منها إلى لبنان أفضل من دولة أوروبية".

حالياً، تعمل كيناز في شركة إعلانات منذ نحو شهرٍ بأجر مقبول، وتساعد زوجها في ادخار المال للرجوع يوماً ما إلى لبنان والعيش بكرامة.

تؤثر الهجرة الشبابية على الاقتصاد اللبناني وتساهم في عدم نموّه. وفي العام 2017، أعد الاتحاد الأوروبي بحثاً، تناول فيه موضوع هجرة الشباب في عدد من الدول العربية من بينها لبنان، حيث أجرت دائرة الاقتصاد في الجامعة اللبنانية الأميركية مسحاً شمل 2000 شاب وشابة راوحت أعمارهم بين 15 و29 سنة.

وجاءت نتائج البحث على الشكل الآتي:

- 16.5 في المئة من المستجوبين مستعدون للهجرة

- 8.6 في المئة لا يرغبون بالهجرة لأن ولي أمرهم رأسمالي

في حين أنّ، 80 في المئة من المستجوبين يعبرون عن مخاوف اجتماعية واقتصادية صريحة، من بينهم 38.1 في المئة عاطلون من العمل ويحملون شهادة ومستعدون للهجرة.

البطالة: أسبابها وحلولها الجذرية

يظن البعض أنّ كل من لا يعمل هو عاطل من العمل، ولذلك تظهر أرقام مرتفعة أحياناً عند الحديث عن نسبة البطالة، لكنّ تعريف العاطل من العمل مختلف. فالعاطل من العمل هو كل من لا يعمل ويبحث عن عمل، فإن توقف عن البحث عن عمل فلا يعتبر عاطلاً من العمل.

اقرأ أيضاً: شبح البطالة يتمدد... شباب يبحثون عن "طلقة أخيرة"

وفي حديثٍ لـ "النهار" أشار الخبير الاقتصادي كامل وزنة إلى أنّ جزءاً من أسباب البطالة في لبنان يعود إلى أنّ الاتفاقيات الاستثمارية غائبة عن اقتصادنا منذ نحو 20 سنة، بالإضافة إلى:

- الجو الأمني والسياسي الداخلي وفي الدول المحيطة.

- النظام الريعي الذي يعتمد على المصارف وبيع العقارات.

- غياب سياسات رسمية تُشجع الشراكة الاقتصادية بين لبنان ودول العالم.


أما الحلول، فهي جذرية ويمكن تخليصها بـ:

- مؤتمرات بحجم مؤتمر "سيدر" على مستوى الشركات

- إصلاح الأراضي الداعمة للقطاع الزراعي

- تخفيف كلفة الصناعة

- ترويج أكبر للسياحة

- إنشاء بنى تحتية من طرقات وأماكن سياحية يصل إليها السائح بسهولة.


تحاول الحكومة حالياً التمسك بشبابنا للاستفادة من مهاراتهم، وتشجعهم من خلال مبادرات عدة بالتعاون مع منظمات عربية وعالمية على تطوير خبراتهم وإنشاء شركات ناشئة عبر مسابقات تدعمهم مادياً ولوجستياً. لكن معاناة الفقير الاجتماعية وتأمين لقمة العيش يمنعانه من الابتكار أحياناً، ويساهمان في توقّفه عن الإنتاج في ظل بلدٍ "يأخذ من شبابه ولا يعطيهم".

اقرأ أيضاً: استراتيجية تتحدّى البطالة!