الأحد - 28 نيسان 2024

إعلان

بدأ الهجوم البري وأننا نقتل آلاف الناس فعلا

المصدر: "النهار"
Bookmark
بدأ الهجوم البري وأننا نقتل آلاف الناس فعلا
بدأ الهجوم البري وأننا نقتل آلاف الناس فعلا
A+ A-
هجوم غورباتشيوف الديبلوماسي هذه الاعتبارات الخارجية المتعددة، فضلا عن الضغوط الداخلية، تضافرت لدفع غورباتشيوف فورا الى البحث عن حل لتجنب الحرب البرية، ولم يمض على بدء الحملة الجوية يومان حتى اتصل غورباتشيوف بالرئيس طالبا منه ان تتوقف، وقد تحجج غورباتشيوف بأن وحشية هجومنا كانت مرعبة، وان من الواضح ان صدام قد تبلغ الرسالة، وان الوقت حان لكي ينسحب التحالف الى الخلف ويسمح للديبلوماسية السوفياتية بالاعداد لحل سلمي. أجاب الرئيس على ذلك بأن التوقف سيتيح لصدام فرصة التبجح بأنه استطاع مرة اخرى ان يحدق في عيون اعدائه من علٍ... وان الحرب ستستمر. وفي العاشر من شباط اعلن غورباتشيوف بذريعة "وجود تطورات درامية ومتزايدة الخطورة" انه سيرسل مبعوثا الى العراق أملا منه في وقف الحرب. وبعد يومين وصل رئيس جهاز الاستخبارات الخارجية السوفياتي بريماكوف الى بغداد ليقدم خطة الى صديقه القديم صدام. كانت عناصر الخطة بسيطة الى حد كبير. فقد حث صدام على الاعلان عن استعداده للانسحاب من الكويت، وتحديد فترة يتحقق خلالها هذا الانسحاب. ومقابل ذلك أخبر صدام ان التحالف يمكن اقناعه بالموافقة على وقف اطلاق النار، وهي صفقة لم يكن بريماكوف مخولا عرضها اصلا، فضلا عن انها لم تكن مقبولة البتة. لم يكن الرئيس مستعدا لقبول صيغة تقصر عن بلوغ قرارات الامم المتحدة. فمثل هذا الخيار لم نناقشه مطلقا، حتى على انفراد. ولست أشك في ان بريماكوف استطاع ان يروج لمبادرة سلامه الجديدة بإخبار غورباتشيوف انه قادر على تقديم مساعدة سياسية كبرى لصديقه جورج بوش ينقذ بها ارواح آلاف الجنود الاميركيين. ويحتمل ان غورباتشيوف كان قابلا للتأثر بهذا الخط من التفكير، ما دامت هذه الفرصة تشجعه على الاعتقاد بأنه سيحافظ في الوقت نفسه على علاقته بالولايات المتحدة، وسيتمكن من ايصال الجناح اليميني المزعزع الى شاطىء السلامة عن طريق "انقاذ" العراق، ومن ثم يعزز موقعه كرجل دولة من الطراز الممتاز. في 15 شباط اتصل بي وزير الخارجية السوفياتي بيسميرتنيخ هاتفيا خلال اجتماع لي مع الرئيس. وقد أخذت المخابرة في مكتب صغير خاص يتفرع عن المكتب البيضاوي. قال بيسميرتنيخ ان غورباتشيوف قد فرغ للتو من ارسال رسالة الى الرئيس يشرح فيها تفاصيل مقترحات بريماكوف، وأكثر من ذلك فانه يرى ان بريماكوف قد اكتشف وجود عناصر غير محددة، اي "عناصر مشجعة في سلوك صدام" تؤشر الى احتمال التوصل الى انفراج، بل ان صدام ارسل طارق عزيز الى موسكو فعلا لاستطلاع الموضوع مع غورباتشيوف. أجبته انني احتفظ بالحكم على الموضوع حتى وصول رسالة غورباتشيوف. وكما هو متوقع فقد حمّل بيسميرتنيخ ما قدمه بريماكوف تفسيرا أبعد من حقيقته بكثير. وليس من الغريب بناء على ذلك ان يكون قد استنكف عن ابلاغي ان رسالة غورباتشيوف تضمنت جملة كنت أعرف انها غير مقبولة منذ لحظة قراءتي لها: "لن يكون من المرغوب فيه شن عمليات برية كبرى اذا كانت معدة، خلال فترة محادثات موسكو". لم تكن ثمة حاجة الى مناقشة رد فعلنا. ففي بيان لاحق صدر في بغداد أعلنت موافقة صدام على البحث في الانسحاب. وعندما قرأ الرئيس رسالة غورباتشيوف كان رد فعله بليغا: "لا مجال لذلك البتة يا صاح". وقد أعلن الرئيس بعد ذلك ان الاقتراح كان "خدعة مقيتة". اتصلت ببيسميرتنيخ لأعيد على مسامعه فكرة ان مشروع بريماكوف بمثابة عملية احتيال وتزوير. قلت له: "لن نقبل بما هو اقل من مقررات الامم المتحدة من دون شروط". ووافقته الرأي مع ذلك، على ان صدام ربما كان قد بدأ يدرك تهافت وضعه. وأضفت: "ومع ذلك نريد برهانا لذلك" والبرهان الوحيد المقبول هو توقف صدام عن فرض شروط على أي عملية انسحاب. بدا ان بيسميرتنيخ صدم من جراء ما انطوى عليه رد فعلي من تشدد. فقال ان العراقيين تنازلوا عن موقفهم الى حد كبير، وان على الولايات المتحدة ان ترحب بهذا التطور لا ان تدينه. بعد ثلاثة ايام، اي في عصر 18 شباط اتصل بي بيسميرتنيخ هاتفيا لينقل اخبارا تبدو مشجعة اكثر. فقد أسفرت محادثات غورباتشيوف وطارق عزيز عن اقتراح جديد وشامل للسلام، وان غورباتشيوف سيبرق الى واشنطن خلال تسعين دقيقة. وطمأنني الى ان عناصر الاقتراح "تدخل في حدود ما ناقشناه فعلا". وقد عاد طارق عزيز الى بغداد وطلب منه ان يحصل على رد فعل صدام في اسرع وقت. في عصر ذلك اليوم لخص تشيتفيريكوف خطة غورباتشيوف في مخابرة هاتفية استغرقت عشرين دقيقة. انها تشمل عناصر رئيسية اربعة. الاول مفاده ان العراق سيعلن عزمه على الانسحاب والموافقة على تحديد وقت للبدء بتحريك قواته. والثاني يشير الى ان الانسحاب سيبدأ بعد يوم من الموافقة على وقف اطلاق النار. والثالث يؤكد انه انسحاب غير مشروط. واخيرا النقطة التي سبق ان تعهدنا بها علنا، وهي ان القوات العراقية المنسحبة لن تتعرض للهجوم. وحسب تشيتفيريكوف فان غورباتشيوف أجاب على تساؤل لطارق عزيز حول المسألة العربية الاسرائيلية بقوله ان الاتحاد السوفياتي سيصر على ان تقوم الامم المتحدة بمعالجة "مشكلة الشرق الاوسط بكل ما تنطوي عليه من مسائل ونزاعات، بما في ذلك مسألة الامن الاقليمي". وقد سجلت على هوامش كتبتها خلال المخابرة تعليقا واحدا: "ألعبان" (من اللعب على وزن أفعوان). مرة اخرى يحاول السوفيات ان يلعبوا بمسألة الربط. هذا فضلا عن ان الخطة لم تكن تتضمن اشارة الى تبادل سجناء الحرب. كما انها تتجاهل متطلبات معظم مقررات الامم المتحدة الاحد عشر. لاحظت رسالة غورباتشيوف ان رد الفعل العراقي على مقترحاته كان "الاعتراض المشوب بالاستياء". غير ان العراقيين لم يرفضوا الخطة بكليتها، بل وافقوا على الحصول على جواب قاطع مع صدام. وقد رأى غورباتشيوف ان ثمة...
ادعم الصحافة المستقلة
اشترك في خدمة Premium من "النهار"
ب 6$ فقط
(هذا المقال مخصّص لمشتركي خدمة بريميوم)
إشترك الأن
هل أنت مشترك؟ تسجيل الدخول

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم