السبت - 27 نيسان 2024

إعلان

المرأة الأغنى في العالم رحلت... أندريه بيتانكور عاشت في ظلال الأب والتناقضات

المصدر: "النهار"، "لوموند"، اعداد نسرين ناضر
المرأة الأغنى في العالم رحلت... أندريه بيتانكور عاشت في ظلال الأب والتناقضات
المرأة الأغنى في العالم رحلت... أندريه بيتانكور عاشت في ظلال الأب والتناقضات
A+ A-

توفّيت ابنة مؤسس "لوريال"، ليليان بيتانكور، عن عمر 94 عاماً اليوم الخميس. وقد ساهمت هذه السيدة، التي أصبحت على مر السنين المرأة الأغنى في العالم (بحسب مجلة فوربس في آذار 2017)، في تعزيز هيمنة "لوريال" في عالم مستحضرات التجميل. وكان اسمها قد زُجَّ، رغماً عنها، في قضية سياسية-إعلامية متشابكة على خلفية الاشتباه بقيام المصوّر فرانسوا-ماري بانيير باستغلال ضعف حالتها العقلية. وفي هذا الإطار، جرى في أواخر آب الماضي توقيع اتفاق بين ابنة ليليان بيتانكور والمصوّر الذي حصل على مبالغ طائلة من الوالدة، من أجل وضع حد للنزاعات القضائية بينهما. وطالت هذه المعركة القضائية بتداعياتها أيضاً باتريس دو ميستر، المؤتمن على أسرار ليليان بيتانكور، والوزير السابق إريك وورث الذي كان أيضاً المسؤول المالي في حملة نيكولا ساركوزي.



ولدت ليليان شويلر في 21 تشرين الأول 1922 في باريس، وأصبحت يتيمة الأم وهي لا تزال في نعومة أظفارها، فتولّى والدها تربيتها في شكل أساسي، وارتادت في البداية مدرسة الدومينيكان في ليون. كان والدها أوجين شويلر يحلم بدخول معهد البوليتيكنيك لكنه تخلّى عن أحلامه بسبب ضعف الإمكانات المادّية، وحلّ عام 1904 في المرتبة الأولى بين خرّيجي معهد الكيمياء. وقد انخرط في مجال الأعمال. ومع إنشائه شركة L’Auréale (أصبحت لاحقاً L’Oréal) بعد خمس سنوات، أطلق أصباغه الأولى للشعر في الوقت الذي كان فيه لويز بروكس وكوكو شانيل يجرؤان على قص الشعر وتغيير لونه.


اجتاحت منتجات أوجين شويلر آلاف صالونات التزيين التي كانت تفتح أبوابها سنوياً. حققت صبغة Imédia نجاحاً باهراً، وكذلك الأمر بالنسبة إلى شامبو Dop الذي أُطلِق عام 1934 وأثار منافسة شديدة. ثم أبصر الكريم الواقي من الشمس النور في العام الذي بدأت فيه العطل المدفوعة الأجر... وتطوّرت الشركة بسرعة فائقة.



عاشت ليليان على إيقاع الشركة ووالدها. عام 1932، كانت العائلة تمضي وقتها بين الدائرة 16 في باريس والفيلا الفخمة في لاركويست في الطرف الشمالي لمنطقة بريتاني. هناك كانوا يلتقون بمفكّري باريس: آل كوري، المؤرّخ شارل سينيوبو، والعالِم الفيزيائي الفلكي لويس لابيك... كان أوجين شويلر الذي تزوّج ثانيةً من الإنكليزية آني غرايس بوروز التي كانت مدبّرة لشؤون منزله، يحبّذ التواجد مع هذه الدائرة من المقرّبين.


مسحة من الظل


كان أندريه بيتانكور (1917-2007) جزءاً من هذه الدائرة. في سن الـ27، عقدت ليليان قرانها على بيتانكور المنتمي إلى عائلة بورجوازية من النورماندي، والذي كان كاثوليكياً ومتمسّكاً بالتقاليد. ألقت التزامات زوجها في شبابه، وكذلك التزامات الوالد أوجين شويلر، بظلالها على تاريخ الأسرة. فقد اتُّهِما بدعم نظام فيشي. وانصبّت النقمة على أوجين شويلر على خلفية تمويله للتنظيم السري اليميني المتشدد المسمّى "اللجنة السرية للعمل الثوري" والمعروف بـ"لا كاغول"، بين عامَي 1936 و1940، ثم الحركة الاجتماعية الثورية.



تحدّثت ليليان بيتانكور عن تناقضات والدها، المفتون بالاشتراكية الوطنية الألمانية إنما الذي كان يتخذ في الوقت نفسه الإجراءات اللازمة لحماية أجرائه اليهود، فقد أسرّت لفرانز-أوليفييه جييسبير في كتابه François Mitterand: une vie (Seuil, 1996): "كان رجلاً مفعماً بالرجاء، ومتفائلاً بطريقة مرَضية، ولم يكن يفقه شيئاً في السياسة. لم يكن مطلقاً في المركب المناسب".


تعرّف أندريه بيتانكور، وهو أحد أقرباء فرانسوا دال، إلى فرانسوا ميتران في المدرسة الداخلية التابعة للإخوة المريميين في باريس. وقد جمعت بينهما صداقة على امتداد ستين عاماً. دعم بيتانكور، عندما كان بسنّ العشرين، بيتان، ووقّع بقلمه نصوصاً انتقادية معادية للسامية في أسبوعية La Terre française، ثم بدّل البندقية من كتف إلى أخرى. عام 1942، انضم من جديد إلى فرانسوا ميتران وشبكة المقاومة المؤلفة من أسرى الحرب.


العمل في لصق البطاقات في المصنع


في تلك الحقبة، كانت ليليان بيتانكور قبل كل شيء زوجة رجل سياسي. بعد الحرب، خدم أندريه بيتانكور لفترة طويلة في سلك الدولة وفي صفوف اليمين المحافظ. عمل في مكتب بيار منديس فرانس قبل أن يصبح وزيراً بين عامَي 1966 و1973، في حكومات جورج بومبيدو، وموريس كوف دو مورفيل، وجاك شابان-دلماس، وبيار ميسمر.


رُزِقت ليليان وأندريه بيتانكور بفتاة وحيدة، فرانسواز، والتي أبصرت النور عام 1953 في نويي سور سين. بعد أربعة أعوام، عند وفاة أوجين شويلر، كان على ليليان أن تتسلّم الدفة على رأس "لوريال". كان زوجها وأعضاء الدائرة الصغيرة، التي ينتمي إليها الزوجان بومبيدو، يقدّمون لها النصائح ويحيطونها بالاهتمام. كانت تعرف "لوريال" أكثر من أي شخص آخر. لطالما كانت الشركة جزءاً من حياتها. فقد أرسلها والدها، عندما كانت في سن الخامسة عشرة، إلى المصنع في أولناي للصق البطاقات على عبوات الشامبو خلال عطلتها.





أصبحت ليليان بيتانكور، وهي صاحبة العدد الأكبر من الأسهم في شركة "لوريال"، حارسة الهيكل. تولّى فرانسوا دال، المدير المشارك في "لوريال" منذ عام 1948، إدارة الشركة. وقد وافقت عام 1963، بناءً على نصائحه، بطرح أسهم الشركة للتداول في البورصة، ما جعلها تجمع ثروة طائلة. وعملت بنصيحة جورج بومبيدو الذي اقترح عليها عام 1969 – لتجنّب التأميم في حال وصول اليسار إلى السلطة – ضم شريك إلى رأس المال. وهكذا أصبحت الشركة السويسرية "نستله" الجهة المساهِمة الثانية في "لوريال".


تحت الوصاية


على مر الوقت، عهدت ليليان بيتانكور بجزء من مسؤولياتها إلى زوجها الذي توفّي عام 2007، ثم إلى صهرها جان بيار ميرس. كان لقضية المصوّر بانيير تأثير مدمِّر جداً على العلاقة بين مالكة "لوريال" وابنتها التي تمكّنت من وضع والدتها تحت وصايتها عام 2011. بعد ثلاثة أعوام، في شباط 2014، أمكن تفادي السيناريو الكارثي الذي يقض مضجع السياسيين، ولم تلتهم المجموعة السويسرية شركة "لوريال".



عزّز آل بيتانكور حصّتهم في رأسمال الشركة، مع نسبة 33،31 في المئة، من أجل التفرّغ بالكامل لمستحضرات التجميل. خُفِّضت حصة "نستله" إلى 23،2 في المئة، وقد حصلت في المقابل على مختبر "غالديرما" لطب الأمراض الجلدية. ومن خلال هذه الإجراءات، زادت حصة العائلة من الأرباح.


لقد واظبت ليليان بيتانكور على الدوام على توزيع الأرباح. وأنشأت مؤسسة "بيتانكور-شويلر" التي هي من الأفضل تمويلاً في أوروبا. أسرّت عام 1987 لمجلة Egoïste: "امرأة ثرية... ليست العبارة جميلة. إنها عبارة قبيحة. كلمة fortune (ثروة، نصيب) أفضل، إنها مرادف للحظ".




حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم