الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

بشير الجميل صليب أسبوع آلام السياسة لدى المسيحيين: لماذا هو الرمز العصي على النسيان؟

المصدر: "النهار"
مجد بو مجاهد
مجد بو مجاهد
بشير الجميل صليب أسبوع آلام السياسة لدى المسيحيين: لماذا هو الرمز العصي على النسيان؟
بشير الجميل صليب أسبوع آلام السياسة لدى المسيحيين: لماذا هو الرمز العصي على النسيان؟
A+ A-

تأتي الذكرى في كلّ سنة ثقيلة على كاهل من أحبّوه. إنه بالنسبة لهم العريس الذي رحل في ليلة عرسه. وهو يشرب الشامبانيا. كانوا يخالون جميعاً، أن ليلتهم الجميلة هذه، سيتبعها صباح. لكنهم بكوا كثيراً في اليوم الذي تلى. واتشحت وجوههم بالشحابة. يقال أن اللحظة الأصعب في حياة إنسان، ان تسرق منه حلمه، بعد أن تحقّقه له. كان حريٌّ بالقدر ان لا يحوّل ليلة العرس الى مضجع، والزينة والورود الى أكاليل. أن يطيل ليلة العرس أو أن يمنعها قبل حدوثها. أو أن يبقيه واياهم. ولو يوماً اضافياً. أن يفصل بين طعم السعادة وعلقم الأحزان. لا أن يولّفها في بوتقة واحدة. فيصير استحضار الذكرى السنوية مرهوناً بعقارب الساعة. تكّة عن تكّة، تفصل بين الفرح والأنين، الحلم والكابوس. بين فورة الشامبيا، وكسرات الزجاج المكسور. بين بشير الحيّ معهم، وبشير الحيّ فيهم. الذي ما أتى أحدٌ من بعده، ينسيهم ذكراه. أو يحمل بصمة هزّة اصبعه.

يحلّ أيلول سنويا أشبه بأسبوع آلام سياسيٍّ، ويبدو يوم الرابع عشر منه صليباً منقوشاً في ذاكرة مسيحيي لبنان، الذين ساروا منهم على خطى الأحزاب اليمينية المنضوية تحت جناح "القوات اللبنانية" آنذاك، والذين مشوا في الساحات وأورثوا أولادهم الخبرية. يهتفون باسمه، رغم أنهم لم يعاصروه أو يعوه. هكذا قالوا لهم، وهكذا وجدوا، بعدما سمعوه وأبصروه في الأشرطة، هو الوجه الشاب الذي نسى الثروة، وارتدى البزّة العسكرية، ووعدهم بحلمٍ مطرّز على قياس الحالمين به. ولو أن أحداً من الذين لم يراودهم الحلم المعني، راودهم، لاحتضنوه وتبنّوه وعانقوه وكانوا جزءاً منهم. هكذا هي السياسة بما فيها من انتماءات متشعّبة، والطبيعة البشرية. في كلّ مقلبٍ تكمن قضيّة، كلٌّ من أركانها ينظر اليها من عين القضية المحقّة.

التأثير

مروان عبدالله، منسق العلاقات الخارجية في حزب الكتائب، كان أحد هؤلاء الشبان الذين سبقهم رحيل بشير. يقول لـ"النهار" انه كان يسأل أهله عن ماهية الاحتلال السوري للبنان ومعنى حزب الكتائب، وآذانه صاغية لتلقي الأجوبة. "تراود الى ذهننا اسم بشير الجميل لأنه كان القائد العسكري الشاب المدافع عن الوجود في الحرب، والذي نرى أنفسنا فيه. هو من كان يضخ العنفوان في نفوس قومه في زمن الحرب الأهلية ومن الصعب استحضار شخصٍ يشبهه في زمن السلام، لأن الحقبة اختلفت، لكني ضدّ مقولة أن بشير لن يتكرّر"، يعقّب عبدالله مضيفاً ان "بشير كان عراب الانتصارات التي شهدها المسيحيون (من حرب المئة يوم، الى حرب السنتين وحرب زحلة وهجوم شكا)، وبعد استشهاده توالت علينا الهزائم، والطباع البشرية تستعيد في الأذهان الانتصارات لا الهزائم، من هنا استعادة صورته".

لا يخفي عبدالله ان بعضاً من المسلمين والمسيحيين على السواء ينظرون الى بشير من العين الحمراء، لكنه يقول ان "المغالطة تكمن في المقاربة التي تصور سوريا كصديق، لأنها تشكّل واسرائيل اعداء لبنان، فيما التعامل مع اسرائيل جاء في سبيل المحافظة على الوجود في ظل انعدام الخيارات".

اذا كانت الظروف السياسية تفرّق ما بين القوات والكتائب في الآونة الأخيرة، فان ما يجمع بينهما رمز بشير الموحّد رغم اختلاف وجهات النظر. رئيس مكتب العلاقات العامة في "القوات" نديم الشماس يقول لـ"النهار" في توصيفه بشير انه "كان شاباً صغير السن استطاع اقناع شريحة كبيرة من الشباب السير خلفه. كما استطاع جمع العصب لكل الوحدات العسكرية المسيحية تحت لواء القوات اللبنانية ما ضمن الاستمرارية. ومشروعه الرئاسي كان منفتحاً على النصف الآخر اللبناني، في صورة دولة الـ10452 كلم المبنية على المساواة. وهي نظرة ناضجة لشاب عمره 33 سنة". وعن أسباب تعلّق الشباب المسيحي بصورته، يشير الى ان "شخصيته كانت مميزة واستثنائية، والقوة فيها انه كان الشخص المناسب لطرح المشروع. لكني ضدّ فكرة ان بشير لن يأتي أحدٌ مثله. فيما الحلم لم يكن وصول بشير الجميل الى الجمهورية بل بوصول مشروعه الذي يمثل مجموعة كيانات".

السمات القيادية

من وجهة نظر علم النفس الاجتماعي، تقول الاختصاصية في علم النفس والاستاذة الجامعية منى شرباتي ان "شخصية بشير الجميل جمعت بين الجرأة والقدرة على التحاور مع كلّ الكبار والتوجه للشباب في آن واحد، نظراً الى التقارب العمري بينه وبينهم". وعن التحوّل من الصورة العسكرية الى رئيس الدولة، تقول انه "كان قائداً صاحب برنامج واضح، وهي الصورة التي أعطاها لمحبيه. وأيقن كيف يتحوّل الى شخصٍ منظّم، أعلن نفسه رئيساً لكلّ لبنان، وأراد أن يكون صورةً جامعة لخصومه كما لأحبّته". وعن السمات القيادية التي يتمتّع بها، تقول إن "القائد يقمع الآخر لأنه يسعى الى فرض نفسه. انه معيار كسب الآخر، أكان بالقوة أم بالحوار. فيما المعايير القيادية غير مبنية فقط على منطق التفاوض. والانسان الذي يتمتع بشخصية قيادية يعمل على كسب الآخر والفوز به، ويكشف أوراق قوّته ويعلن عنها بعد أن يتوصّل الى طريق متعثّر في عملية التفاوض مع الآخر". 

لماذا ينظر جيل الشباب المسيحي الى بشير الجميل من منطلق انه المثل الأعلى رغم أنهم لم يعاصروه؟ تجيب بأنه "نوعٌ من التماهي مع الشخصية في ظروف معينة، فيرى الشاب ان بشير تجسيدٌ لصورته (يرى نفسه فيه). ذلك أنه تمتع بشخصية عسكرية مؤثّرة وجسّد صورة القائد الشاب الذي رحل وكان كلّه آمال. وهو اختفى في أوجه ولم يتسخ في المحاكاة مع الواقع، ولم تعرف نقاط ضعفه في الرئاسة، وهذا ما يساهم في خليط من المشاعر التي تحمل معها الرثاء والتماهي والتأسف، وكأنه أضحى أشبه بنصف إله بالنسبة اليهم". وعن التراجيدية في استحضار ذكرى اغتياله التي يظهرها الشباب سنوياً، تشير الى ان "بشير لم يمت بطريقة طبيعية، بل ان تراجيدية القصة أدت الى هذا الصخب السنوي. انه الموت الفجائي في الأوج. كالأميرة ديانا التي ماتت في أوجها ولا تزال حتى الساعة رمزاً يحتفى به".

وعن السلبية المطلقة التي يتعامل معها كلٌّ من الذين لا يتلاقون معه في المواقف السياسية، تقول انه كان عدوا بالنسبة اليهم، ومات قبل ان يصير قائداً فعلياً للبلاد بكل فئاتها، مما يجعلهم ينظرون اليه من منطلق الماضي الذي فرض على الجميع ابان الحرب الأهلية".

تختلف وجهات النظر حوله، لكن ما يمكن الجميع أن يتفق عليه، هو أن بشير الجميل يجسّد الرمز المسيحي الأكثر تأثيراً في نفوس الذين أحبوه، وأنه خطف منهم بلمحة بصر، وجعلهم يستحضرونه في الصور والشعارات التي تتكرّر في كلّ سنة، ولا يمحيها غبار الوقت، كأنها عصية على النسيان.


حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم