السبت - 27 نيسان 2024

إعلان

كيف حوّل بوتين سوريا إلى شوكة في الخاصرة الجنوبيّة للناتو؟

المصدر: "النهار"
جورج عيسى
كيف حوّل بوتين سوريا إلى شوكة في الخاصرة الجنوبيّة للناتو؟
كيف حوّل بوتين سوريا إلى شوكة في الخاصرة الجنوبيّة للناتو؟
A+ A-

في أوائل خمسينات القرن الماضي، أنشأ الناتو الجناح الجنوبيّ الخاصّ به، كاستراتيجيّة للدفاع عن شرق المتوسّط في وجه المدّ السوفياتي خلال الحرب الباردة. وقد ضمّ خط الدفاع هذا #إيطاليا و #اليونان وصولاً إلى #تركيا. وانطلاقاً من الخطّ المذكور، يمكن فهم القدرة الروسيّة على زعزعة الجناح الجنوبيّ للناتو، علماً أنّ مسؤولي الحلف يرون مخاطر أخرى على أمنهم غير الروس. لكنّ النفوذ الذي رسمه الكرملين في سوريا يشكّل السبب الأبرز لقلق هؤلاء. 


التعزيزات لم تتوقّف

بالنظر إلى حجم المنشآت والأسلحة التي بنتها روسيا في القسم الغربي ممّا بات يُصطلح تسميته ب "سوريا المفيدة"، يمكن للمراقبين الاستنتاج بأنّ موسكو باقية لفترة طويلة على شاطئ المتوسّط. فما زال شهر تمّوز يسجّل وصول القطع البحريّة الضخمة وغيرها إلى سوريا. وفي كانون الثاني الماضي، وقّعت الدولتان اتفاقاً ثنائيّاً يمدّد الوجود العسكريّ الروسي في طرطوس إلى حوالي 50 سنة.


اكتفاء بالتنديد

وما كان لافتاً للمتابعين، تنبّه المسؤولين الأميركيّين إلى خطورة السلوك الروسي الآتي من الجنوب على الحلف الأطلسي، من دون أن يستلموا زمام المبادرة بردّ فعل حاسم. عوضاً عن ذلك، اكتفوا بالتنديد بالتدخّل الروسي في سوريا، مثلما فعل وزير الدفاع الأميركي السابق أشتون كارتر حين زار إيطاليا وإسبانيا وبلجيكا في تشرين الأوّل سنة 2015. الزيارة التي خصّصت للتحدّث عن تحدّيات الناتو في المتوسّط والشرق الأوسط، شهدت انتقاد كارتر لتدخّل روسيا العسكري من أجل مساعدة الأسد على البقاء في السلطة بدلاً من المساهمة في تأمين انتقال سياسي.


تقييم مصدر التحدّي

في سنة 2016، أصدر معهد "كارنيغي" في أوروبا دراسة ركّزت في أحد فصولها على ضرورة تطوير الناتو لاستراتيجيّة بحريّة جديدة لحماية جناحه الجنوبي، وعلى أهمّيّة تفعيل منصّات جوّيّة لحماية شرق المتوسّط. وتعترف الدراسة بأنّ #موسكو كانت تقليديّاً تتحدّى الجانب الشرقي من الحلف، إلّا أنّ تدخّلها في #سوريا أجبر صنّاع القرار على إعادة تقييم مصدر التحدّي الذي يأتي شيئاً فشيئاً من الجانب الجنوبي. وتشير الدراسة إلى تنوّع المنظومة الدفاعيّة والهجوميّة التي نشرها الروس برّاً وجوّاً. أمّا على صعيد الدفاعات الجوّيّة المتطوّرة، فقد علّق قائد قوّات الناتو في أوروبا الجنرال فيليب بريدلوف على الموضوع، لافتاً إلى أنّ الصواريخ الدفاعيّة مثل أس-400 موجّهة ضدّ قوات الحلف، لأنّ داعش لا يملك أيّ طائرة.



القدرات العسكريّة التي نشرتها موسكو في سوريا تتمتّع بقدرة ردع إقليميّة لا محلّيّة فقط. وهذا يؤكّد الطابع الاستراتيجي للوجود العسكري الروسيّ في المنطقة ويرسم خطوطاً روسيّة حمراء تجعل من تآكل النفوذ الأطلسي على حدوده الجنوبيّة أمراً لا مفرّ منه. ويأتي استخدام القوّات الروسيّة لصواريخ الكروز ضدّ داعش في مناسبتين، ضمن إطار مساعدة الروس على ضمان حدودهم الجديدة في شرق المتوسّط.


دائرة نفوذ كبرى

ونشر معهد "دراسة الحرب" الأميركي خريطة تظهر بوضوح مدى المساحة الجويّة والبرّيّة والبحريّة التي أمّنها الروس بفضل ترسانتهم العسكريّة. فصواريخ أس-300 التي أضافت روسيا سبعة منها في تشرين الثاني الماضي، تغطّي شعاعاً يصل الحدود التركيّة الجنوبيّة بنهر الليطاني ويطال أقصى شرق قبرص. بينما صواريخ أس-400 فيغطيّ شعاعها أقصى الحدود اللبنانيّة الجنوبيّة وأواسط قبرص وصولاً إلى #أضنة و #مرسين وقاعدة #أنجرليك وأبعد داخل الحدود التركيّة.


ولعلّ تغطية هذه الصواريخ للمجال الجوّي لقاعدة أنجرليك تعطي صورة واضحة عن تداعيات نشر الأس-400 في اللاذقيّة وقدرتها على تكبيل الحلف عند أيّ توتّر محتمل بين الطرفين. أمّا صواريخ الكروز فتمنح الروس فضاء أوسع مع شمول دائرة تغطيتها خليج العقبة وغرب تركيا مروراً بمناطق قريبة من البحر الأسود وصولاً إلى غرب العراق، بما فيها مناطق قريبة من الموصل. ومن جهة أخرى، لا تقلّ الصواريخ الروسيّة المضادّة للسفن أهميّة عن صواريخ الكروز من حيث تأمين مساحة موازية من المناطق البحريّة الآمنة على شاطئ المتوسّط.


ماذا لو وقعت الحرب؟

وعلى أيّ حال، لا يخفي الخبراء الروس خططهم المستقبليّة المتعلّقة بالمنطقة بعد توسيع قواعدهم العسكريّة في سوريا. فقد أوضح ميخائيل ألكساندروف، الخبير البارز في "مركز الدراسات السياسيّة والعسكريّة" التابع ل "معهد موسكو للعلاقات الدوليّة"، أنّ لقاعدة حميميم "أهمية استراتيجيّة عالية" في المستقبل. وأشار في حديث إلى صحيفة "برافدا" الروسيّة أنّها إلى جانب مساعدة الأسد، "ستؤمّن حضور طيراننا العسكريّ في المنطقة وتؤثّر أساساً على ميزان القوى في المتوسّط بين روسيا والناتو. ستعيق بشكل بارز عمليّات الناتو ضدّ روسيا في حال (حدوث) حرب كبيرة". وشرح كيف كان الروس قبل تأمين تلك القاعدة بلا غطاء وقدرة وجوّيّين، الأمر الذي كان يترك أسطولهم تحت رحمة الطيران الأميركيّ. ليس هذا وحسب، بل مع مساعدة من القاعدة البحريّة في طرطوس "سنكون متمكّنين من السيطرة على كامل المتوسّط، ومن الضغط على الجناح الجنوبيّ للناتو"، على حدّ تعبير ألكساندروف.

تبيّن مع الوقت أنّ انخراط موسكو العسكريّ في سوريا، سعى إلى تأمين هدف أبعد من حماية النظام السوريّ من السقوط. فالكلفة المادّيّة لهذا الانخراط أبعد من أن يؤمّنها فقط بقاء الأسد في السلطة. من هنا يأتي المكسب الحقيقي للروس من خلال نقل ترسانة عسكريّة متنوّعة إلى سوريا في التقدّم على خصومهم الأطلسيّين بخطوة واحدة على الأقلّ على الشاطئ الشرقيّ للمتوسّط. وبما أنّ الروس معنيّون بالأهداف البعيدة المدى، أمكن لهم من خلال تدخّلهم في النزاع السوريّ، إضافة سلاح مادّي ومعنويّ إلى عناصر قوّتهم، في مواجهة خصومهم التاريخيّين. فهل يتمكّن هؤلاء من حماية خاصرتهم؟






الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم