السبت - 27 نيسان 2024

إعلان

قصّة الحُب الزاهية التي غلبت الحياة!

المصدر: "النهار"
هنادي الديري
هنادي الديري https://twitter.com/Hanadieldiri
قصّة الحُب الزاهية التي غلبت الحياة!
قصّة الحُب الزاهية التي غلبت الحياة!
A+ A-

لم يحظَ بالدَعم الذي كان يحلم به. 

ومع ذلك، كان على يقين من أن العالَم سيلتفت يوماً إلى لوحاته الزاهية.

ستحين تلك اللحظة الجميلة التي إنتظرها سنوات طويلة.

إنها قادمة، لا محال.

وستجلب معها التقدير.

سيفهم العالم قصّة الحُب التي جاورت العشق.

قصّة الحُب التي من أجلها خاض حروباً ضارية مع رتابة الحياة والإلتزامات و"الواجبات" المحتمة.

لا بدّ من أن يَظهر طيف الإنخطاف مع الألوان والأشكال وكانفا الرسم.

هذا التفاني الذي إستمرّ حتى آخر يوم في حياته.

هذه القدرة على تقديم شرايين روحه للألوان السعيدة والمُنعشة.

لا بدّ من أن تتألّق هذه اللوحات التي دمغها بظرافة وكياسة تعكس حسّ الفكاهة التي إشتهر بها.

لا بدّ من أن تَصل إلى أكبر عدد مُمكن من الناس.

ستحين هذه اللحظة.

وسيشعر عندئذٍ بالإعتزاز.

وسترتسم على وجهه إبتسامة الرضا التي تليق باللحظة المُرتقبة.

هو الذي أدرك باكراً أن قوّته نابِعة من الداخِل.

كَتب في إحدى الرسائل التي دوّنت عام 1990 من دون مُستلم، "أنا محظوظ إلى درجة لا تُقدّر لأنني أؤمن بنفسي. أؤمن بأن لدي موهبة، وأكثر من ذلك أجتهد في العمل. بالتأكيد الموهبة وحدها ليست كافية. إذا إتكلّنا فقط على الموهبة نحصل على نتيجة مُتدنية النوعية. العمل هو الذي يسمح للأمور بأن تصل إلى خواتيمها".

الفنان الكبير الراحل ويلي عرقتنجي (2003 – 1930( يعود من خلال لوحاته التي توحي الفَرح وتُراقص المُخيّلة والروايات والحكايات الخُرافيّة التي تدور على ألسنة الحيوانات، وسواها من القصص التي تُروى على مسامع الأطفال مثل "جحا"، و"طرزان" و"عبلا وعنتر"، و"آدم وحواء"، أضف إليها مؤلفات الكاتب الفرنسي الشهير جان دو لا فونتين التي لازمته طوال حياته.

ها هو يَعود من حيث يَمضي أيامه مع الموت، (حاملاً من دون أدنى شك فُرشاة الرَسم).

وفي عودته الكثير من الفرح، هو الذي تميّز بحسّ الفكاهة وعشقه للجمال.

أسرته تلك الروايات والحكايات الخُرافيّة التي تحوّلت مع مرور الوقت رفيقته الدائمة.

أضاءت أيّامه.

جَعَلت وطأتها أكثر خفّة.

وقرّر عرقتنجي في مرحلة من حياته منح مجموعة اللوحات التي تُجسّد الحكايات الخرافية الناطقة بألسنة الحيوانات التي كتبها جان دو لا فونتين إلى مؤسسة لأنه لم يرد بيعها ولا بَعثَرتها في أماكن عدة.

فبعدما كرّس لها سنوات طويلة من حياته، كان لا بدّ له من أن يجد لها الملاذ الأنيق الذي "يحضنها" مقدّراً قيمتها.

وبعد وفاته، بقيت أعماله الرائعة في كنف العائلة لسنوات قليلة، قبل أن تقدمها عام 2016 كهبة إلى متحف سرسق.

وكان ل"ويلي" المَرح الذي تميّز بروحه "الزاهية" ما أراد.

وجدت مجموعته غير التقيليديّة التي تُحاكي قصائد لافونتين الزاخرة بالحكم والدروس الحياتيّة الملاذ الآمن.

الملاذ الأنيق.

واليوم تنضمّ 224 لوحة من روائعه الزيتيّة التي يجسّد فيها قصائد لافونتين إلى مجموعة المتحف الدائمة.

 ومن هذه الأعمال ال224 يُشارك في المعرض الحالي، "ويلي عرقتنجي : فضاءاته الملوّنة"، أكثر من 120 لوحة رائعة أنجزت بين عامي 2003-1973.

وفي المعرض – الحدث بعض أعمال من قصائد لافونتين أضف إليها الأعمال الأخرى المنبثقة من الأدب الشرقي، نذكر منها "كليلة ودمنة"، نوادر جحا، قصة الحب بين عنتر وعبلة، ولوحات أخرى تُسلّط الضوء على أسلوبه الخاص الذي حافظ على "زهوه" وتلك السعادة المُعدية التي تميّزت بها الأعمال.

هي إستعادة لفنان رفض الإستسلام للأيام، وكان على يقين من أن فنّه باق حتى بعد زيارة الموت، الماكِر الساحر تماماً كالحب.

كُتب في النشرة التي يتم توزيعها في المعرض، " "يرسم (عرقتنجي) في لوحاته مخلوقات وحيوانات مثل الأسد والثعلب والغراب والقرد، ويضفي عليها حياة وحركة بواسطة الإكثار من إستخدام الألوان الزاهية...يلعب على المتغيرات للحصول على نماذج مُتعددة من رسومه. مثلاً، يتبدّل وجه عبلا (عبلا وعنتر) ويكتسب أشكالاً مُختلفة، فهو تارة بنفسجي وطوراً أصفر أو أخضر، وتارة يعتمر طربوشاً وطوراً تبدو في تسريحة الشعر كعكة في أعلى الرأس".

إكتشف ويلي عرقتنجي باكراً أن مساره مُختلف عن الآخرين.

وأظهَرَ إهتماماً حقيقيّاً في الرسم منذ الطفولة.

 وعندما لم يحظَ بالدعم الذي كان يأمله، إمتهن لاحقاً صناعة العطور.

تشرح القيّمة على المجموعات في المتحف، ياسمين الشمالي، "شكّل هذا الإحباط محفزاً له ودفعه إلى التفرّغ بالكامل للرسم إعتباراً من مطلع الثمانينيات. كان مُجتهداً وتفانى في عمله".

في إحدى رسائله الشهيرة التي يعرض المتحف البعض منها أيضاً بالإضافة إلى اللوحات، يكتب عرقتنجي، "أدرك أنني سأحظى بالإعتراف ذات يوم ويلمع إسمي كفنان كبير، إنها مسألة وقت. إذا عشت فترة كافية وتمكنت من أن أترك عملاً مهماً، سأعمل قدر إستطاعتي من أجل إنهاء الرسوم عن قصائد لافونتين بحلول حزيران 1995. سوف تكون هذه اللوحات الإنجاز الأبرز في حياتي الذي سيطبع مسيرتي".

تشرح مديرة المتحف، زينة عريضة قائلة، "بدأ عرقتنجي رسم هذه القصائد الواحدة تلو الأخرى عام 1989. وبعد 6 أعوام، وتحديداً عام 1995، في الذكرى المئوية الثالثة لغياب لافونتين، إنكبّ على إنهاء هذا العمل الضخم. غير أن قصائد لافونتين ظلت تلازمه فراح يرسمها ويعيد رسمها حتى آخر أيامه".

وكان عرقتنجي محقاً عندما إرتأى أن أعماله حول القصائد الشهيرة التي يصل عددها إلى 244، ستدخل التاريخ وتمكّن من ان ينجزها كاملة.

 تضيف عريضة، "لوحاته عن قصائد لافونتين هي التي منحته الشهرة الأكبر. لعله أدرك ذلك بحدسه الباطني".

تمضي قائلة، "يبني هذا المعرض من خلال طابعه المرح والتثقيفي جسوراً بين الأجيال والثقافات".

رسائله الطريفة تروي بعض فصول من حياته الزاخرة بالألوان ونزوات المُخيّلة.

كما تعكس قدرته على مُراقبة حياته من بُعد.

 وكأنه الشاهد عليها، والراوي المسؤول عن "تشريح" التغيّرات التي طرأت على عاداته ويوميّاته بعد سن مُعيّنة، أضف إليها القرارات المصيريّة التي إتخذها من أجل تكريس وقته كاملاً لقصّة حبّه الكبيرة مع الفن.

من أجل هذا الإنخطاف الذي تمكّن من أن يُلبسه ثوب السعادة.

 وفي رسالة موجّهة إلى "نيكول وروني" في الرابع من كانون الثاني من العام 1987، يكتب عرقتنجي: " لن أخرج أبداً بعد الآن من المنزل في مناسبة رأس السنة الجديدة. كيف يُعقل أنني إنتظرت 56 عاماً لأنقطع عن كل ما لم أكن أحبه، العلاقات الإجتماعيّة، المطاعم. لم يعد لديّ وقت للمشاركة في مآدب العشاء التي يقيمها أهل زوجتي ومشقات الزواج وتقديم واجب التعازي إلخ. يجب أن أرسم بلا إنقطاع وأعوض عن الوقت الضائع والوقت الذي أستمر في تضييعه للذهاب إلى المكتب، حتى ولو لم أكن أمكث هناك دواماً كاملاً. أشعر أنني أحقق تقدماً سوف يقود إلى الإعتراف بي في نهاية المطاف، أو على الأقل سأصبح معروفاً. الأمر الإيجابي في الفنون هو أن الاكثرية حصلوا على الإعتراف بهم بعد مماتهم ما يعني أنني أعيش مع الأمل، مثل الفتاة العذراء".

[email protected]


الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم