السبت - 27 نيسان 2024

إعلان

الاقتصاد تعثّر... الاستثمار تهجّر... لكن الضمان الاجتماعي ترهّل

المصدر: "النهار"
فضل الله شريف - عضو المجلس التنفيذي في الاتحاد العمالي العام
الاقتصاد تعثّر... الاستثمار تهجّر... لكن الضمان الاجتماعي ترهّل
الاقتصاد تعثّر... الاستثمار تهجّر... لكن الضمان الاجتماعي ترهّل
A+ A-

"وإننا إذ ننطلق في منهج عملنا من قاعدة توفير المزيد من العدالة الاجتماعية نضع في رأس هذا المنهج تحقيق الضمان الاجتماعي على مراحل متتابعة ووضع مشروع قانون الضمان الاجتماعي على مراحل متتابعة". 

ما كتب أعلاه هو فقرة من البيان الوزاري الذي طلب على أساسه ثقة مجلس النواب دولة رئيس الحكومة المرحوم رشيد كرامي، وهي الحكومة السادسة في عهد رئيس الجمهورية المغفور له اللواء فؤاد شهاب، والتي شكلت بالمرسوم رقم 7991 تاريخ 31/10/1961 وتألفت من أربع عشرة قامة وطنية مشهوداً لمعظمها بالكفاءة والعلم والخبرة والنزاهة، استقالت بتاريخ 20/2/1964 أي بعد سنتين وأربعة أشهر، استطاعت خلال هذه الفترة وضع أسس وركائز بناء دولة وطنية حديثة يسهم في انطلاقها كافة الفئات من المواطنين، غايتها توفير "المزيد من العدالة الاجتماعية" من خلال توزيع الثروة الوطنية بعدالة وتحقيق الإنماء بتوازن على مستوى الوطن، خلق مؤسسات ومرافق عامة يحكم عملها القوانين والأنظمة، وتديرها جميع شرائح المجتمع وعلى سبيل المثال لا الحصر "مصرف لبنان، مجلس الخدمة المدنية، الإنعاش الاجتماعي، المشروع الأخضر، وهيئات الرقابة المالية والإدارية إلخ..". وأنا هنا بصدد التحدث عن الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي الذي وعدت بإنشائه فقرة البيان الوزاري المذكورة أعلاه، لأن ذكر إنجازات هذه الحكومة يحتاج إلى مجلدات.

إن وفاء المسؤول بما يتعهد به هو احترام لذاته وتقدير للشعب الذي يمثله، لذلك اسمحوا لي بالعودة إلى تفصيل فقرة البيان الوزاري؛ "توفير المزيد من العدالة الاجتماعية" يكون بـ "تحقيق الضمان الاجتماعي على مراحل متتابعة"، ومن أجل الوفاء بالتعهد والإنجاز "وضع مشروع قانون الضمان الاجتماعي على مراحل متتابعة". إنهم صادقون وكانوا على دراية بما هم فاعلون، يتمتعون بقوة الإرادة والعزيمة فأحالوا على المجلس النيابي مشروع قانون معجل بالمرسوم رقم 12539 تاريخ 16/4/1963، ولمّا انقضت فترة الأربعين يوماً القانونية وتبعتها فترة سماح مدتها مئة وعشرون يوماً، ولم يتمكن المجلس النيابي من إقرار مشروع القانون، أصدرت هذه الحكومة الصادقة المرسوم رقم 13955 بتاريخ 26/9/1963 ونشر قانون الضمان الاجتماعي في الجريدة الرسمية بتاريخ 30 أيلول 1963.

حكومة وعدت أن يصدر "قانون الضمان الاجتماعي على مراحل متتابعة"، وبالفعل استمر هذا العهد "الشهابي" والعهود الثلاثة التي تلته، بإضافة موادّ وتعديل موادّ في قانون الضمان الاجتماعي وإصدار أكثر من مرسوم لتحسين القانون ووضع كل ما يلزم لتحديد وتسهيل مراحل تطبيقه. وصدرت كافة التشريعات التي تحمي موارد الصندوق المالية وتسهل طرق جبايتها وسدّ الثغرات الإدارية وسريان الخضوع وتوسيع شرائح المضمونين وكل ما يمكّن الصندوق من تأدية موجباته نحو المضمونين.

الرصانة والإنصاف يدفعاني لذكر أهم التعديلات القانونية التي جرت في العهد الشهابي الثاني، عهد المرحوم الرئيس إلياس سركيس لأهميتها، ومنها المرسوم رقم 116 تاريخ 30/6/1977 الذي أدخل تعديلات جوهرية على مواد قانون الضمان، وخاصة الموادّ من 71 إلى 81 والقانون رقم 13 تاريخ 24/4/1978 والقانون رقم 24 تاريخ 3/8/1982، والغاية منها تعزيز إمكانات الصندوق القانونية وتسهيل مهمته في تحصيل الاشتراكات وملاحقة المتخلفين. ومن أهمها موجب الحصول على براءة الذمة والحجز على المؤسسات وشركات أصحاب العمل وتشريعات غيرها، نذكر منها القانون رقم 12 تاريخ 24/4/1978 والمرسوم رقم 1881 تاريخ 5/4/1979، وهي ضوابط إدارية كالنصاب والتصويت في مجلس الإدارة وتحديد الصلاحيات بين مجلس الإدارة وهيئة مكتبه، والقانون رقم 3 تاريخ 28/1/1982 والمرسوم رقم 4886 تاريخ 18/2/1982 "إخضاع سائقي السيارات العمومية" ومن أجل توسيع شرائح المضمونين وبدء خضوع فئات أخرى.

انطلاقاً مما ذكرت أعلاه، فإنني وبكل ثقة أجزم أنه لو استمر نهج دولة العدالة الاجتماعية لكانت كافة النواقص والثغر في قانون الضمان الاجتماعي قد أكملت وأغلقت، ولكان الصندوق قد نفّذ ما نصّت عليه المادة 26 بدفع تعويض الأمومة والمادة 48 لدفع التعويضات العائلية لمستحقيها من المضمونين شهرياً من قبل الصندوق مباشرة وعدم تركهم تحت رحمة صاحب العمل، وطبعاً كانت المادة 49 الظرفية بإنشاء فرع تعويض نهاية الخدمة قد تلاشت "بسنّ تشريع ضمان الشيخوخة".

وقد طال الموادّ من 50 إلى 54 التعديل لإنصاف المضمونين، وخاصة الذين يتركون العمل قبل العشرين سنة خدمة أو يعملون عند أكثر من صاحب عمل، لأن من قال "وضع مشروع قانون الضمان الاجتماعي على مراحل متتابعة" وأثبت صدق وعده خلال العشرين سنة اللاحقة كان سيكمل ما بدأ به. وللتذكير، فإن الأحداث التي عصفت بلبنان بعد عام 1973 عرقلت مسيرة الصندوق وتركت آثاراً سلبية على أدائه ولكنه استمر في تأدية مهامه، إلى أن برزت العراقيل المفتعلة ابتداءً من عام 1993 إذ جاءت الحكومة التي تولّت السلطة بتوجهات اقتصادية ومالية تتناقض مع مفهوم دولة العدالة الاجتماعية القائمة على التكافل والتضامن الاجتماعيين؛ حكومات مسيرة بسياسات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي المعتمدة على مفهوم حرية تنقل رأس المال والتجارة الحرة. هذه الحكومات وباسم شعارات "ترشيق الاقتصاد" و"تشجيع الاستثمار" و"خلق فرص عمل" عملت على إسقاط ركائز دولة العدالة الاجتماعية وفي مقدمها الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي. وبدلاً من تطوير قانونه اعتدت على هذا القانون بأساليب ملتوية، وبدلاً من تعزيز ماليته جففت روافدها وتمنعت عن دفع المستحقات، وستكون هذه المخالفات والتجاوزات موضوع مقالة لاحقة تأكيداً للصدقية ودعماً للحقيقة.

وسأكتفي بما ذكرت من وقائع إيجابية لعهد دولة العدالة الاجتماعية، إنصافاً لرجالات دولة كبار ظلمهم جيلنا بمحو متعمد للذاكرة وتحريف للحقائق. ومقالتي هذه هي وفاء لروح رجل الدولة المميز المغفور له الشهيد رشيد كرامي، بمناسبة الذكرى الثلاثين لاغتياله الذي خطط له بغاة، ونفذته أياد مجرمة وآثمة بقيت دون عقاب.



حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم