السبت - 27 نيسان 2024

إعلان

لبنان الصومالي!

راجح الخوري
A+ A-

يتبارى السياسيون بالشكوى من وحش الفساد والسرقات، الذي ينهش ما تبقى من الدولة البقرة، التي كان الرئيس المرحوم الياس الهراوي يقول دائماً إنهم حلبوها حتى جف فيها الحليب. هذا النهش المتوحش في البلاد والعباد، كان موجوداً قبل الهراوي بزمن طويل وسيبقى الى زمن طويل، ربما الى ان ينهار الوضع ويصبح اللبنانيون صوماليين هائمين في بلد الفشل والفوضى العارمة.


كل ما قيل ويقال على ألسن معظم الطاقم السياسي والحزبي عن محاربة الفساد والعمل لوقف الإهدار وإنهاء السرقات كلام بلا معنى، هذا بات واضحاً ومفهوماً منذ زمن بعيد، لكن الطامة الكبرى ان كل ما تقوله الشعوب اللبنانية المنقسمة طائفياً ومذهبياً، صراخاً وتظاهراً وتهديداً ووعيداً وصريف أسنان، يبقى حراكاً بلا معنى أو نتيجة، لأن في وسع الطوائف والمذاهب والمرجعيات والزعامات، أن ترسل مقنّعيها من القبضايات لتخريب أي إعتصام ونسف أي تظاهرة وفرط أي مسيرة تخرج مطالبة بإصلاح الأوضاع ووقف الإنهيار وحماية حقوق المواطنين.
عملياً وواقعياً ليس في لبنان قبضايات. الجميع ضحايا. الذين يتظاهرون ويشقّون صدورهم ويقفون تحت مطر السماء ومطر الغضب والشتائم هم ضحايا ظلم يبدو ان لا سبيل الى رفعه أو إنهائه. والذين يرسلون عادة للتخريب على التظاهرات والحركات المطلبية من خلال ما يفتعلونه من صدامات ويثيرونه من مشاكل، هم أيضاً من الضحايا، لأنهم أشبه بجيش خفي يقوم بحراسة حال الفساد وإستدامة ثقافة السرقة ونهش بقرة الدولة، وتالياً فإنهم يحفرون قبراً لحقوقهم قبل حقوق الذين يتولّون فرط عقدهم من الساحات والشوارع.
لن يصلَح الوضع في هذه المزرعة اللبنانية الفالتة، شارل حلو جرب الإصلاح وفشل فشلاً ذريعاً، رفيق الحريري جرب تطهير الإدارة من الفاسدين، فتدخلت الطوائف وأعادت الذين تمَّ تطهيرهم مظفرين الى وظائفهم والمراكز ما أفسد زملاءهم الأوادم. والإحتلال السوري رسّخ وعمّق سياسة الفساد والتشبيح، ثم دخلنا مرحلة لبنان المقسوم على سكين الآذرين وصار الشاطر من ينهش أكثر في الدولة البقرة!
لقد سمعنا في الأيام الأخيرة الكثيرين من النواب يتحدثون بالإرقام عن السرقات ويحددون أماكنها فماذا كانت النتيجة؟ على الأقل لنعتبر هذا بمثابة إخبار واضح وصريح، فلماذا لا يتحرك المسؤولون ذوو الشأن، عندما يقال مثلاً لا حصراً ان قيمة السرقات تهرباً من الضريبة في المرفأ وحده مليار وتسعماية مليون دولار، أي ما يوازي تمويل السلسلة مرتين، لماذا لا ترسل فرقة من المراقبين الأوادم أو حتى من الجيش لضبط هذا الفلتان، أم ان الدولة أعجز من حفظ أموالها أمام شهوة بعض أهل الدولة أو الذين يحفرون عميقاً لقبر الدولة؟
فالج يا عمي، الى أن يصبح اللبنانيون شعباً وليس مجموعة من الشعوب تتنافس على لحس مبرد الدولة الجيفة!


[email protected] - Twitter:@khouryrajeh

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم