السبت - 27 نيسان 2024

إعلان

سياسة "ضبط النفس" نهج جنبلاط مع العهد الجديد لماذا... وما هي رهانات سيد المختارة ؟

ابراهيم بيرم
ابراهيم بيرم
A+ A-

"سياسة ضبط النفس والرد الموزون والمحسوب بدقة" هو النهج الذي يعتمده منذ فترة رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط واركان حزبه و"لقاؤه الديموقراطي" للتعامل مع الاقتراحات ومشاريع قوانين الانتخاب التي تعتمد النسبية وتصدر من هذا الفريق او ذاك، سعياً منهم لأمرين اثنين: الاول ملء الفراغ السياسي باقتراحات متتالية، والثاني التأكيد بشكل او بآخر ان لا مجال بعد اليوم للعودة الى قانون الستين المعدل في اتفاق الدوحة.


"لا احد يريد ان يفتعل مشكلة في البلد ويضع العراقيل في وجه مسيرة العهد الرئاسي" هو ايضا فحوى الخطاب الذي يعتمده اركان الاشتراكي و"اللقاء" في معرض ردهم على تساؤلات السائلين عن خطوات هؤلاء وعن رؤيتهم لهذا المسار السياسي السلس لحلحلة الامور ومعالجة الملفات المتراكمة، سواء في جلسات مجلس الوزراء او في مجلس النواب. لكنهم سرعان ما يقرنون هذا الكلام باستدراك جوهره التنبه واليقظة لمسألتين هما ان "فائض القوة" الذي يستشعره البعض في الداخل قد لا يدوم، وان معادلات الاقليم المستجدة هي ايضا عرضة للاهتزاز، وتالياً يتعين على الجميع معالجة الامور والتوازنات الداخلية بكل روية وبمنطق الوطني الحريص على ديمومة الاستقرار وتجربة "الشراكة السياسية" الراهنة.
ومن البديهي الاشارة الى ان المصدر الاساسي لقلق جنبلاط والسائرين في فلك الحالة السياسية الجنبلاطية، ليس من هذه التقاطعات في القراءة والرؤى والحسابات الباطنية التي تملي على كل الشركاء في تجربة الحكم الحالية تأجيل تناقضاتهم واتباع هذه السلاسة واعتماد هذا المستوى من المرونة في تسيير الامور وادارة الملفات المالية والادارية، بل هي تتأتى من موضوع ما بعد هذه المرحلة المتسمة بالايجابية، وبالتحديد مرحلة البحث الجدي والنهائي عن قانون الانتخاب الموعود.
لاريب ان جنبلاط يعي اكثر من سواه ان زمن "الدلال السياسي والوقوف على خاطره في الصغيرة والكبيرة"، والذي توفر له مدى ما يقرب من عقدين ونصف عقد قد ولى بفعل التحولات والتبدلات في الداخل والمحيط، خصوصا بعد احداث ايار 2008. وهو (اي جنبلاط) وإن كان استطاع بعد ذلك، وتحديدا بعد خروجه المدوي من صدارة فريق 14 اذار وخَطْوه خطوات في اتجاه "حزب الله"، ان يحفظ لنفسه موقع "بيضة القبان" الذي يحتاج اليه كلا المعسكرين المختلفين ويخطبان وده ورضاه، والذي استمر نحو ستة اعوام، فان تلك الصفحة انطوت الى حد بعيد عشية نضج صفقة عون رئيساً وغداة سريان الحديث جديا عن مرحلة سياسية تلت تلك الصفقة وأتاحت لأفرقاء اربعة التقدم كونهم صاروا في عداد ما يُعرف بـ"عرابي العهد" وفرضت على الباقين التراجع ومن ابرزهم حركة "امل" والنائب جنبلاط نفسه.
وعلى رغم ان زعيم المختارة سعى سلفاً الى بناء "جسور ثقة" ولو بالحد الادنى مع سيد العهد الجديد وتياره السياسي، وقد تُرجم ذلك في تصويت عدد محسوب من اعضاء كتلته لمصلحة عون في جلسة الانتخاب خلافا للرئيس نبيه بري الذي ظل على موقفه الرافض الى اللحظة الاخيرة، الا ان ذلك على بلاغته ودلالته لم يبدد المخاوف والهواجس الكامنة في وجدان جنبلاط المستمر في مقاطعته لقصر بعبدا حتى الان.
ورئيس الاشتراكي يدرك ايضا في العمق الأبعاد والدلالات للتقارب الحاصل منذ فترة بين قطبي الشارع المسيحي بعد "تفاهم معراب"، ويعي كذلك حجم شهيتهما لاستعادة كامل الحصة المسيحية في مجلس النواب بعدما توزعت هذه الحصة جوائز ترضية بين الزعامات الاسلامية ابان حقبة الوصاية السورية.
اكثر من ذلك، كان على جنبلاط ان يدرك باكراً ان حليفه القديم الرئيس سعد الحريري لم يعد في وضع يسمح له بحمل احد على اكتافه والسير به، خصوصا وقد تراجع اهتمامه الى دائرة البحث عن استعادة ما فقده ابان غربته القسرية عن الحكم وعن البلاد. وفي موازاة ذلك ايقن جنبلاط ان "حليفه الآخر" الرئيس بري "تزحزح" بفعل جملة تطورات ورهانات عقدها اخيرا عن موقعه التقليدي التاريخي كسيد اللعبة السياسية على المستويين الشيعي والوطني، وقد اضطر في الآونة الاخيرة الى اجراء عملية اعادة نظر وتموضع لاستدراك ما فاته واستعادة ما فقده.
وبناء على كل هذه المعطيات، ايقن جنبلاط انه ليس في وضع يسمح له بالانتقال الى وضع الندية والمواجهة المفتوحة مع سيد العهد على غرار ما فعله في اعقاب وصول العماد اميل لحود الى سدة الرئاسة الاولى عام 1998، وإن كان ايضا ليس في وارد تقديم اوراق انتساب لهذا العهد وسيده الذي تملكته الى حد نشوة الظفر السياسي. لذا فانه، بحسب راصدي حركته، اختار ان يعتمد النهج الآتي:
- التأكيد على خطورة التعرض لخصوصيته ومحاولة اجتثاثه من خلال اي قانون يفرض عليه فرضا، وهو ما ترجمه عبر خطوة ايفاد الوفود الى كل المرجعيات والقوى.
- تلافي الذهاب الى تصعيد مفتوح مع العهد الجديد او الظهور بمظهر المعرقل للمسيرة الحالية باعتبار انه لا يمكن ان يغرد وحيدا خارج سرب اجماع غالبية القوى المنساقة مع مندرجات تجربة "الشراكة" الحالية المحتاجة اطرافها الى تسجيل انجازات وطنية يعتد بها وتعطي العهد صدقية وتستعيد الثقة بالحكومة الجديدة.
- ترك الباب مفتوحا امام لعبة استدراج العروض والتسويات عبر التواصل مع الجميع. لذا فهو يرسل الى من يعنيهم رسائل مشفرة فحواها انه يقبل بأي صيغة قانون انتخاب شرط ان يضمن حصته النيابية الحالية ناقص اثنين، وهو ايضا اعتمد سياسة الانكفاء النسبي لعلمه ان لحظة التسوية النهائية المتصلة بقانون الانتخاب لم تحن بعد وما زال هناك متسع من الوقت للأخذ والرد ومازالت الفرص مفتوحة امام كل الاحتمالات.
وفي كل الاحوال، يخرج متابعون بدقة لحركة جنبلاط في الآونة الاخيرة انه انتقل بهدوء وروية الى مرحلة الحد من الخسائر بعدما ايقن ان زمن تكديس الارباح قد ولى. وعليه يرى هؤلاء ان هذه القناعة هي التي تقف وراء عدم الوفاء بعهد كان قطعه سابقا بترك الميدان لنجله تيمور واستمراره هو في قيادة الحالة الجنبلاطية بكل مسمياتها وتمظهراتها.


[email protected]

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم