الأحد - 28 نيسان 2024

إعلان

معرض هنري جبور في "غاليري أليس مغبغب" \r\nالوجه شاعراً خلف غشاء اللغز

محمد شرف
معرض هنري جبور في "غاليري أليس مغبغب" \r\nالوجه شاعراً خلف غشاء اللغز
معرض هنري جبور في "غاليري أليس مغبغب" \r\nالوجه شاعراً خلف غشاء اللغز
A+ A-

أعمال هنري جبور، المعلّقة على جدران "غاليري أليس مغبغب"، تحت عنوان "نقاط ارتكاز"، تقدّم البرهان على أن الشغف بالرسم، إذا ما كان فطرياً أو اكتُسب الميل إليه خلال سنوات الحياة الأولى لدى الفرد، لا بد من أن يتمظهر هذا لاحقاً كعنصر ضاغط ومؤرق يدفع هذا الفرد نحو تلبية نداء "الواجب الروحي"، وإن تأخّرت تلبية هذه الدعوة بفعل الظروف والعمل، ومشاغل الحياة.
هذه هي حال هنري جبور، المولود في بيروت، العام 1961، الذي باشر العام 1978 دراسة العلوم الطبيعية في الجامعة الأميركية، ليتخرج فيها بدرجة الشرف، وليحصل بعدها على شهادة الدكتوراه من جامعة سيدني بأوستراليا، ويبدأ عمله في مجال الاختصاص في نيوزلندا ثم في المملكة المتحدة، حيث عاوده الحنين القديم إلى الرسم، ما دفعه إلى التخلّي عن مركز علمي مرموق من أجل الانتساب إلى كلية "ليث" للفنون في أدنبره، ثم متابعة الدراسة في أكاديمية نيويورك للفنون الجميلة، حيث تخرّج حاملاً شهادة الماجستير.
وإذا كنا تعمّدنا ذكر هذه التفاصيل الحياتية الشخصية لجبور، فلأن رسومه الماثلة أمامنا، ضمن معرضه الشخصي الأول الذي يضم 23 عملاً ليتوغرافياً حديثاً (معظم الأعمال أُنجزت خلال العام 2016)، تحمل، كما لاحظنا، خبرة مزدوجة، أكان في الحيز التشكيلي، بالرغم من كون هذا المعرض باكورة انضمامه إلى عالم التشكيل، أم في شؤون الحياة والإنسان التي أدت، عملياً، إلى تنفيذ اختبارات تحمل في طياتها بعداً تعبيرياً يشي بإحاطة الصانع بمشاعر النفس الإنسانية وتفاعلاتها. إذ أن المعرفة التشريحية العلمية المكتسبة، لدى جبور، من خلال دراسة الطب كانت امتزجت، كما يبدو، بمعرفة تشريحية تشكيلية وجمالية (مع الأخذ في الإعتبار أن التشريح والبعد الجمالي، هنا، متعلّقان بالإستيتيقا، وليس بالمفهوم المتداول للكلمة)، نقول إن هذا البعد المعرفي المزدوج أدّى إلى إنتاج أعمال "قويّة" في مدلولاتها التعبيرية والانفعالية.
الأعمال المعروضة ليست من الحجم الكبير، ما يتناسب عملياً مع تقنية الليتوغرافيا العريقة، المتمثّلة في محفورات على الحجر صار يتجنبها العاملون في مجال الغرافيك، أو بعضهم، راهنا،ً نظراً إلى ما تتطلّبه من وقت وجهد في التعامل مع الصفحة الحجرية قبل الانتقال إلى الطباعة. جاءت أعمال جبور في معظمها، إن لم تكن كلّها، عاكسة لتعابير إنسانية يتراوح مداها بين التركيز على الوجه، أو على الجسد ككل، كما تتنقّل بين الأسلوب الخطوطي الطاغي، أو الجمع ما بين الخط والمساحات اللونية الأشبه بلطخات مزاجية. هذا، مع الإشارة إلى أن كلمة لون، هنا، ليست في موقعها أو تجلياتها المعروفة، فالأعمال مونوكرومية وتعتمد العلاقة ما بين الأسود والأبيض، وما يمكن أن ينتج من امتزاجهما من درجات وسيطة، مع تدخّل محدود للألوان الأخرى. وإذ ذكرنا كلمة "مزاجية "، فلا بد من إعادة التركيز على هذا الفعل، المعقود، لدى الفنان، على تحريف مقصود لبعض مفاصل الوجه أو الجسد البشري، من دون أن يشير ذلك إلى جهل بأصول الرسم، بل العكس هو الصحيح، إذ تكفي بعض المقاطع لتبيان معرفة هنري جبور بأصول هذا الفن وتفاصيله، وهو، في هذا المجال، قد يعمد، في العمل الواحد، إلى إيفاء الرسم حقه في جزء معيّن، ومن ثم تحريف ما يمثّله هذا الرسم في جزء آخر. وفي الأحوال كلها، استطاع جبور أن يقدّم لنا أعمالاً تستوفي شروطاً فنيّة وسيكولوجية لا بد من التنويه بأبعادها الشعورية الظاهرة، أو المستترة خلف غشاء اللغز.


■ فنان وناقد تشكيلي وأستاذ جامعي.

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم