السبت - 27 نيسان 2024

إعلان

فضوله دفعه إلى جمع 1500 لوحة... فهل تشتعل ثورة؟

سلوى أبو شقرا
فضوله دفعه إلى جمع 1500 لوحة... فهل تشتعل ثورة؟
فضوله دفعه إلى جمع 1500 لوحة... فهل تشتعل ثورة؟
A+ A-

ثورة وانفتاح وفضولٌ قد تكون العناوين الأمثل التي ستخطُّ التاريخ الحديث لجمهورية الصين الشعبية التي بعد وفاة ماو تسي تونغ في عام 1976 شهدت برئاسة دينغ شياو بينغ سياسة جديدة للانفتاح ولو قليلاً على العالم.


منقذٌ لأعمال الفنّانين الكبار


سادت البلاد اضطرابات اقتصادية واجتماعية ما أثّر في الفنانين الكبار فحاولوا نقل المآسي من خلال لوحات جسَّدت رسائل منها سياسية وثورية عن واقع سادت فيه العزلة في بلد اتُّهمَ النظام فيه بـ"الديكتاتورية".


أولي سيغ دبلوماسي سويسري من مواليد 29 نيسان 1946، درس القانون في جامعة زيوريخ من عام 1968 إلى 1972 من ثم حصل على شهادة الدكتوراه. عمل صحافياً، ومقاولاً، وجامعاً للفن ومالكاً لقلعة. وهو سفير سويسرا إلى جمهورية الصين الشعبية (1995-1998) وشمال كوريا ومنغوليا. خلال سنوات إقامته في الصين حاول رصد الفن الحديث في هذا البلد، ليجد أنَّ الفنانين المعاصرين مقموعون، ويعملون في الخفاء، ومنهم من نُفي إلى خارج البلاد. خطوته بدأت بجمع نحو 1500 قطعة خلال 30 عاماً منها أخذها معه وأخرى اشتراها من خارج الصين. إلاَّ أنه رغب دوماً في إعادة هذه القطع الفنية إلى الصين عرفاناً للخبرة الكبيرة التي اكتسبها من هذه البلاد وفنانيها على مدار 33 عاماً، وبرغبةٍ منه في إتاحة الفرصة للصينيين بالتعرف إلى إبداعات فنانيهم من خلال عرض هذه اللوحات والأعمال في متحف الفنون المرئية "M+" المقرر افتتاحه في هونغ كونغ عام 2017. يسعى سيغ إلى إبراز التحوّل الذي تشهده الصين منذ بدء القرن الواحد والعشرين، وتمكن من إدراك أنَّ الفن قد يكون أفضل طريق مقارنةً بالدبلوماسية، وصفقات العمل، والرحلات أو وسائل الإعلام. وقد تلقى المسؤلون في هونغ كونغ مجموعة من مقتنيات الفن الصيني المعاصر التي تبلغ قيمتها 170 مليون دولار أميركي.


السياسة في صلب الفن


نسأل سيغ عن تمكنه من الجمع بين دراسة القانون والعمل في السلك الدبلوماسي والاهتمام بشقٍ مختلف ألا وهو الفن وجمع اللوحات؟ فيجيب في حديث لـ"النهار" "تنوعت اهتماماتي، ودرست القانون لأني لم أعرف في ماذا أتخصص، وطوال تلك السنوات كنت أبدل مهني. قدمت إلى الصين بالصدفة ولم يكن لدي أيّ معلومات عن البلد. جئت وسعيت للإلمام بجزءٍ صغير من واقع الحياة الصينية. سابقاً، جمعت لوحات لفنانين غربيين، وبعد أن اطلعت على الثقافة الصينية وصارت مهمة بالنسبة إليَّ وفهمت طريقة تعبيرها ازداد الفضول لديَّ. وجدت أنَّ هذه الحضارة الأكبر في العالم لم يكن أحدٌ مهتماً بها أو على الأقل مطلعاً عليها، من ثمَّ بتُّ ملماً بالفن المعاصر. حتى الصينيون أنفسهم لم يعرفوا بوجود مثل هذه الأعمال في بلدهم". ويضيف: "في الثمانينات والتسعينات، طغت الأفكار السياسية على الفن الصيني، فكانت تتناول النظام والوضع السياسي والرقابة. من ثمَّ تغيرت لتتناول المدنية والفردية والهوية. يمكن التعلم جيداً من الوجود الصيني. اختلف الفن الصيني المعاصر عن التقليدي كأنها انتقال من الماضي وعدم البناء عليه. وقد واجه الفنانون الصينيّون تضييقاً أمثال Ai Weiwei تمثَّل بالاعتقال أو النفي من البلد".


هل يرسل الفنانون الصينييون رسالتهم عبرك؟ يقول: "هم سعداء حقاً، لأنهم يدركون أنَّها الطريقة الوحيدة لعرض أعمالهم وجعلها بمتناول الشعب الصيني. كنت أفضل بيجينغ أو شانغهاي، ولكن طبعاً، سيكون بإمكان 45 مليون صيني (أي 10%) المجيء إلى هونغ كونغ لرؤية هذه اللوحات والإبداعات الفنية، ولكنه أفضل من لا شيء. كما أن الإعلام سيساهم في نشر الأخبار وسيكون معرضاً رائعاً نظراً لمساحته وحجمه وموقعه".


93 دقيقة تختصر اختلافات سياسية وثقافية


تجسَّدت خطوة سيغ في فيلم سينمائي مدته 93 دقيقة يتناول حياة سيغ ومقابلات مع رسامين ومبدعين صينيّين أخبروا عن تجربتهم مع سيغ من بينهم Lijun Fang، وWeiwei Ai وFei Cao، وGuangyi Wang ورأيهم من باب الإضاءة على خطوة سيغ. ومن خلال أعمالهم، التي دمجوا فيها رموز الفن الغربي المعاصر، سعى الفنانون الصينيون إلى التعبير عما يسود العلاقة بين الشرق والغرب من توترات، وإلى المُراوحة بين قيم المحافظة وأوجه التقدم في وقتٍ تتحوَّل الصين إلى أكبر قوة اقتصادية في العالم إذ تقترب من بقية الفضاءات العالمية، ولكن نظراً لاختلافها ثقافياً وكذلك سياسياً وتاريخياً، تظل رغم كل ما سبق غريبة نوعاً ما".


وعن إمكانية إضاءة الفيلم على خطوته وعلى الأعمال الفنية الصينية المعاصرة؟ يلفت سيغ إلى أنَّ "زميلاً لي أخرج الفيلم حيث كان يعمل معي، وقد قرر المخرج أولاً الإضاءة على الاستاد الأولمبي (The Bird Nest) وهو ملعب بكين الوطني الذي شُيِّد من أجل بطولة عام 2008. وقد سبق أن أحضرت مهندسين معماريين وتفاوضنا ووقعنا عقوداً، فقرر جعل الفيلم يسلط الضوء على هذا الموضوع. من ثمَّ قال لي إنه يريد صنع فيلم عنّي فقط. فأجبته إن كان هناك من جمهور لهكذا فيلم، فلمَ لا؟ الفيلم لا يضيء كلياً على البلد، ولكنه سيكشف جانباً من الصين".


حرية التعبير... جدلٌ بيزنطي


يضم الفيلم لوحات للفنان الصيني Ai Weiwei، وهو فنان صيني معاصر عمل في مجالات النحت والعمارة والتصوير والسينما. ولعب دوراً كناشط سياسي، فاعتبر ناقداً بارزاً لمواقف الحكومة الصينية المتعلقة بالديموقراطية وحقوق الإنسان. واعتقل من قبل السلطات الصينية سنة 2011 في مطار بكين حيث احتجز لأكثر من شهرين من دون توجيه أي تهمة رسمية ضده. وقد صنفته مجلة "آرت ريفيو" الشهيرة في تشرين الأول سنة 2011 على رأس قائمتها السنوية لأكثر الفنانين قوة وتأثيراً.


نطرح السؤال على سيغ عن إمكانية عرض أعمال هذا الفنان بسهولة في الصين؟ وهل من الممكن أن يواجه المعرض أيّ عقبات في العام 2019؟ فيشرح أنَّ "هناك آراء مختلفة حول هذه المسألة، لأنه سبق ودُعي Ai Weiwei لعرض أعماله ومن ثمَّ سُحبت الدعوة، لا نعلم إن كان هناك خوف من خطوة كهذه. هناك ضغوط كثيرة تمارس على هونغ كونغ التي تتمتع بحكم ذاتي. ومن الصعب تقييم الوضع وكيف سيكون حال حرية الرأي والتعبير في العام 2019. فإذا كانت الصين خاضعةً للحكم نفسه لن تكون هناك حرية مطلقة، على الرغم من أنَّ جمهورية الصين الشعبية تعتبر أنَّ لديها درجة مختلفة تماماً من حرية التعبير وقد طلبت استقبال المعرض، ولكن الحال ليست كذلك".


The Chinese Lives of Uli Sigg الذي سيعرض في مهرجان بيروت السينمائي فيلمٌ يعوِّضكم عن قراءة آلاف الكتب للتعمق بالثقافة والحياة الصينية ويعطيكم نظرة عن هذا البلد الذي نجهل تفاصيله فيما يشكل صلب حياتنا اليومية أكثر من غيره من الدول.


 


[email protected]


Twitter: @Salwabouchacra

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم