السبت - 27 نيسان 2024

إعلان

من درعا إلى برلين - محطات في رحلة لاجئ سوري

المصدر: "دوتشيه فيلله"
من درعا إلى برلين - محطات في رحلة لاجئ سوري
من درعا إلى برلين - محطات في رحلة لاجئ سوري
A+ A-

محمد حسين (16 عاما)، أرسله والداه إلى ألمانيا. 4000 أورو بلغت تكلفة الرحلة. قطع مسافات طويلة سيرا على الأقدام. خوف وعرق ومشقة على أمل عيش أفضل بآفاق جديدة. كان الطريق إلى هناك شائكا.


أرسلت عائلة محمد حسين ابنها إلى ألمانيا. يقول محمد: "عائلتي غادرت سوريا منذ فترة طويلة. قسم منها يعيش في تركيا. فجدي وجدتي اعتبرا أنه "ليس لك مستقبل هنا. لا تستطيع الدراسة، ولا تتكلم التركية. سيكون أفضل لو ذهبت إلى ألمانيا".


قبل ستين عاما كان مصير أجداد محمد حسين (16 عاما) النزوح من الأراضي الفلسطينية إلى سوريا. مسقط رأس محمد هي مدينة مزيريب أقصى جنوب سوريا. "عائلتي كبيرة. نحن ثمانية أخوة: ثلاثة شباب وخمس فتيات". كان إجلاء العائلة إلى منطقة آمنة عملا صعبا. فوالده يعمل كسائق تاكسي. ورغم ذلك تمكن محمد، الابن الأكبر في العائلة، من الذهاب إلى المدرسة طوال تسع سنوات. وفي عام 2012 لم يعد بقاء العائلة في جنوب سوريا أمرا محتملا، كما هو الشأن بالنسبة للكثيرين هناك.


في مدينة درعا القريبة منهم اندلعت في 2011 احتجاجات ضد نظام بشار الأسد. بعدها تمكن الثوار من انتزاع السيطرة على مناطق عديدة في درعا وريفها. وكان القصف بالدبابات والصواريخ والطائرات هو رد نظام الأسد.
قررت عائلة محمد مغادرة سوريا. رحل الوالدان بالأخوة الصغار باتجاه لبنان. أما محمد فبقي مبدئيا مع جديه في سوريا، قبل أن يجتمع شمل العائلة في مرسين التركية. "كنا حينها في أمان ولكن كنا نعاني من صعوبات مالية". كان العمل يومها غير مسموح للاجئين، فلم يكن هناك من خيار سوى العمل بالسوق السوداء في أعمال البناء أو في الزراعة. صعوبة الأحوال المادية وانعدام الفرص المستقبلية دفعت والدي محمد لإرساله في رحلة اللجوء. "اذهب إلى ألمانيا! على الأقل لديك أقارب هناك. سلموني مبلغ 4000 أورو نقدا".


بحث عمه عن مهرب مناسب. وبعد أيام قليلة عثر على أحدهم. وانطلقت الرحلة بالقارب من مدينة إزمير التركية، برفقة لاجئين آخرين سوريين ولكن هناك أفارقة أيضا. "كان القارب مخصصا لحوالي 20 شخصا، ولكن كان عددنا 60 راكبا". نجح محمد في اجتياز الرحلة الصعبة، وهو جالس القرفصاء في القارب والمكان ضيق جدا. وأخيرا كان الوصول إلى جزيرة كوس اليونانية بعد ثلاث ساعات في البحر تحت قيادة سائق المركب، وهو جزائري الجنسية.


جاءت الشرطة فسجلت أسماؤنا. "علمت بأنه من الأفضل القول بأن عمري 18 عاما، حتى يسمحوا لي بحرية التنقل، لأن القاصرين (أقل من 18 سنة) يتم احتجازهم خوفا عليهم"، ويضيف محمد. "كما أخبرتهم بأني سوري. ولم تعد لدي أوراق تظهر بأني من أصل فلسطيني".
من مهرب إلى مهرب


مع شبان آخرين من سوريا صعد محمد عبارة نقلتهم إلى أثينا. "اشترينا بطاقات عادية. كانت أثينا هدفنا. كنا نعرف أن هناك مهربا آخر ينتظرنا. كان كل شيء معدا مسبقا. عثرنا عليه وهو مهرب أفغاني. كان يغير اسمه كما يغير الناس ملابسهم".


هل تغيرت الأمور، بعد وصوله إلى الأراضي الأوروبية؟ "كلا، يقول محمد. لأن اليونان لا تشبه ألمانيا. كان شعوري بأني اجتزت المرحلة الأولى فقط. وهناك طريق طويل أمامي". وفعلا الطريق القادم طويل. فقد وجب عليه قطع 500 كيلو متر مشيا على الأقدام: من شمال اليونان لمقدونيا وصولا إلى الحدود المقدونية الصربية. "مشينا في الليل والنهار. لا أتذكر كل شيء، ولكن أقول: كانت 8 أيام و8 ليالٍ. نمنا في العراء". كانت أوقاتا صعبة. ثم تركهم المهرب الألماني على الحدود، قبل أن يستقلوا القطار باتجاه بلغراد. من العاصمة الصربية إلى حدود المجر كانت المسافة 170 كيلو متر. "كان هدفنا هو أن لا تختم أوراقنا بخاتم مجري. لأن ذلك يعني احتمال بقائنا في المجر أو إعادتنا من ألمانيا إلى هناك على اعتبار المجر أول بلد وصلناه في أوروبا".
كاد محمد أن يفشل. "عندما كنا في الطريق إلى الحدود المجرية، اعترضنا شرطيان. وطلبا منا الأوراق الشخصية. وبعد مفاوضات معهما، أعطى كل شخص منا 20 أورو لهما، فسمحا لنا بمواصلة طريقنا". فكسب الشرطيان من اللاجئين المسافرين وعددهم 23 شخصا على 460 أورو. رحلة اللاجئين عبر أوروبا هي مصدر كسب للكثيرين من بين رجال شرطة فاسدين وموظفي الحدود أوشركات الباصات والشاحنات، وكذلك بالنسبة لسائقي التكاسي على الحدود المجرية. إلى يومنا هذا مازال محمد مندهشا من المجتمع الذي تكون هناك. "لاجئون يدفعون أسعار ركوب باهضة لمسافات قصيرة. وللوصول إلى بودابست كان على كل راكب دفع 100 أورو رغم أن الرحلة تستغرق ساعتين فقط. أي أن التاكسي إذا امتلأت ستكون الأجرة 400 أورو".


الهدف هو ألمانيا


لم يبق من الـ4000 أورو سوى 700 أورو مع محمد. دفعها أجرة لبقية الرحلة وصولا إلى ولاية بافاريا. "عندما دخلت حدود ألمانيا كان بحوزتي 100 يورو". ثم سافر محمد إلى برلين، هناك يقيم عمه وغيره من الأقارب . هناك أسباب أخرى دفعت به للسفر إلى ألمانيا. "لم نفكر بالذهاب إلى أي بلد أوروبي آخر. كما أني متأكد: هنا يمكنني أن أدرس الهندسة المدينة أو المعمارية. هذا هو هدفي".


محمد هو أحد اللاجئين من بين 12 لاجئا شابا، قدمتهم أوته شيفر في كتابها "Einfach nur weg".

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم