السبت - 27 نيسان 2024

إعلان

لماذا نتغاضى عن خبرة الآخرين؟

مروان اسكندر
مروان اسكندر
A+ A-

بنغلادش التي هي أفقر من لبنان بكثير من حيث مستوى الدخل الفردي، توفّر الكهرباء والمياه من دون انقطاع. والاردن الذي يكاد دخل الفرد فيه يساوي 40 في المئة من معدل دخل الفرد في لبنان والذي يشكو من ندرة المياه كما ندرة مصادر الطاقة، يؤمن الكهرباء للمواطنين من دون انقطاع والمياه لسد الحاجات الاساسية، والطرق في عمان لا تطمرها النفايات.


الاسبوع المنصرم أوردنا مثلاً عن مساعي الاردن لتأمين الكهرباء عن سبيل استيراد الغاز المسيل وتحويله الى غاز يسهم في انتاج الكهرباء مع مستوى متدنٍ من التلوث، وهذه العملية تجري في الاردن منذ 2015، والسفينة العائمة التي تستقبل الغاز المسيل، وتعيد تغويزه تأمن تمويلها من الصندوق الكويتي.
مساعينا في لبنان لتأمين الكهرباء، وخصوصاً من معامل تستعمل الغاز،باءت بالفشل، وصرنا نعتمد على استئجار بواخر لانتاج الكهرباء ولم نحقق زيادة في طاقة الانتاج، منذ صدور القانون المتعلق بقطاع الكهرباء عام 2010. والواقع ان وسائل انتاج الكهرباء وتأمينها بكفاية واسعار مقبولة استمرت معضلة دون حل ولا تزال، وثمة انتظار من المسؤولين لموضوع انجاز عقود البحث والتنقيب عن الغاز منذ سنوات والمؤشرات الايجابية التي توافرت حديثاً بدأت تنحسر لان وزارة الطاقة ووزيرها بالوكالة بعيدان عن اتخاذ القرارات الجدية والمفيدة.
لو تعثرت قضايا الكهرباء والمياه في بلد يعتبر على طريق النمو فترة سبع سنوات، كما هو الحال في لبنان، لكان الحكم تعثر وتعدل، فالكهرباء كانت متوافرة طوال 24 ساعة عام 1999 بعد انجاز معملي دير عمار والزهراني، ومن ثم اهملت اعمال الصيانة للمنشآت القديمة القائمة، وتعثر تلزيم انجاز معمل بطاقة 500 ميغاوات في دير عمار، واقبلنا على استيراد المشتقات المرتفعة الثمن لتشغيل معملي دير عمار والزهراني، أو معملي الزوق والجية، وافسحنا في مجال تلويث البيئة الى حد مخيف باتاحتنا تعميم عقود المولدات الخاصة لتي يدفع المشتركون للحصول على امداداتها ما يفوق 25 سنتًا لكل كيلووات/ ساعة، وتالياً يتحمل اللبناني العادي عن اشتراك خاص ما بين 100 و500 دولار شهرياً، تبعاً لحاجات المنزل والعائلة. اما المؤسسات كالمدارس، والمستشفيات والمصانع فقد تبلغ تكاليف اشتراكاتها آلاف الدولارات، وكل تأخير في مجال انتاج الكهرباء وتوزيعها، وتحصيل الفواتير يؤدي الى توسع ارباح اصحاب المولدات الخاصة، وحيث ان الطاقة التي يشغلها هؤلاء توازي الطاقة المتوافرة من المعامل التابعة لمصلحة كهرباء لبنان أو تزيد، يمكن التساؤل عما اذا كانت ثمة فائدة مشاركة لمسؤولين من استمرار ابتزاز اصحاب المولدات الخاصة للمشتركين؟!
الاسبوع المنصرم بيَّنا خطوات مصر والاردن لاستيراد الغاز المسيل وتحويله الى غاز لانتاج الكهرباء. ومصر كما هو معروف كانت تتمتع بانتاج ملحوظ للغاز وطاقة كبيرة لتسييل الغاز وتصديره، لكن زيادة الاستهلاك المحلي أدت الى لجوء مصر لاستيراد كميات ملحوظة في انتظار تطوير انتاج حقلين كبيرين للغاز اكتشفا خلال عام 2015 في المياه الاقليمية المصرية.
اليوم، في سعينا الدائم الى لفت انتباه المسؤولين الى ما يدور حولنا وما يمكن ان يكون مفيدًا لنا ننظر الى خطوات اتخذت في البحرين والكويت، ومعلوم ان انتاج البحرين من النفط قد تضاءل، في حين أن انتاج الكويت لا يزال وفيراً. ولدى الكويت، في المناسبة احتياط من الغاز المخالط، ومن حقول مستقلة للغاز يبلغ 63 تريليون قدم مكعب، أي ما يفوق بكثير التوقعات الجيولوجية المتوافرة عن الثروة الغازية المرتقبة في لبنان.
البحرين تعاقدت مع شركة استثمار كويتية على انجاز مصنع لاستقبال الغاز المسيل ومن ثم تحويله الى غاز وانتاج الكهرباء، والشركة المعنية باشرت العمل على انجاز المصنع وتقدر ان المدة المطلوبة ستكون في حدود السنتين وطاقة المصنع تساوي 1,5 مليون طن من الغاز سنوياً، أي ما يغطي نصف حاجة لبنان من المازوت المستورد لتوليد الكهرباء لدينا، والكهرباء ستتوافر للدولة البحرينية في حدود ستة سنتات لكل كيلووات/ ساعة، مقابل 22-24 سنتاً من تكاليف الانتاج في لبنان. ويضاف الى مأساتنا ان التحصيل بالاضافة الى الهدر التقني يستقطع 55 في المئة من الفواتير المصدرة.
ما يجري في الكويت فيه من الدروس ما يكفي الحكومة اللبنانية للنظر فيه طوال سنوات، ذلك أن ثمة اقتناعاً لدى الحكومة اللبنانية بندرة المعارف في شؤون النفط والغاز إلاّ لقلة لا تشمل بالضرورة اعضاء هيئة النفط من ذوي الخبرات الواسعة والعميقة مدى عقود في مناطق انتاج أصعب وأهم من لبنان بكثير.
لدى الكويت صناعة نفطية تسمح لها بإنتاج ثلاثة ملايين برميل من النفط يوميًا، وهي تمتنع عن هذا المستوى من الانتاج نظراً انخفاض الاسعار، ولو قررت انتاج ثلاثة ملايين برميل يوميًا، لن يكفي الغاز المصاحب لإنتاج النفط حاجات انتاج الكهرباء لمختلف الاستعمالات المنزلية، الفندقية، والحكومية والاستشفائية الخ. ولدى الكويت مخزون ضخم من الغاز وهي الدولة الأولى أسست منذ الستينات صندوقاً سيادياً للاجيال المقبلة، ولديها احتياط كان يؤمن أحياناً مردوداً يفوق عائدات انتاج النفط وتصديره.
والكويت تعاقدت على شراء ثلاثة ملايين طن من الغاز المسيل سنويًا، سواء من قطر أو عمان أو نيجيريا، وعما قريب من أوستراليا والولايات المتحدة، وهي تخطط لزيادة طاقة استيرادها على المدى المتوسط، وكل هذا يجري وهي تنتج 16.5 بليون متر مكعب من الغاز المخالط. لكن استيراد الغاز المسيل بالكميات المشار اليها وبموجب أسعار تساوي أربعة دولارات لكل الف قدم مكعب أو 24 دولارًا للطاقة المتوافرة من برميل نفط، يؤدي في رأي المدير العام التنفيذي لشركة نفط الكويت الى تحقيق وفر اقتصادي ملحوظ ومنافع بيئية للكويت والكويتيين من عملية استيراد الغاز المسيل.
هذا ما تفعله الكويت التي لديها النفط والغاز بوفرة، ولديها صندوق سيادي، ولديها خبرة في شؤون الطاقة، ولديها موقع في مجال تسويق النفط واستيراده وفي السوق العالمي للغاز، فهل نسمع او نقرأ وهل نحاول البدء باقرار سياسات مفيدة للبنان وتنفيذها؟
اللبنانيون قلقون من عجز الحكام عن الحكم، ومن ارتخائهم حيال الحاجات الاساسية بالتغني بأن وضعنا افضل مما هو في سوريا والعراق واليمن وليبيا. من المبكي ان نتعزى بآلام الآخرين وألا نولي خيباتنا الاهتمام المطلوب من حكام ليتهم كانوا حكاماً.

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم