السبت - 27 نيسان 2024

إعلان

أيّ سياسة خارجية لتركيا بعد الانقلاب؟

المصدر: "النهار"
امين قمورية
أيّ سياسة خارجية لتركيا بعد الانقلاب؟
أيّ سياسة خارجية لتركيا بعد الانقلاب؟
A+ A-

بينما لا يزال وقع الانقلاب العسكري الفاشل يهزّ كل الكيان التركي، وتتردّد أصداؤه في عواصم القرار العالمية ودول الجوار، وبينما لم يتضح بعد بصورة جلية من يقف وراء هذا #الانقلاب، فان الامر المؤكد الوحيد هو ان الرئيس رجب طيب أردوغان نفّذ وعيده وأطلق إجراءات قمعية وانتقامية ضد كل معارضيه والمناوئين للتوجّهات السلطوية في عملية تطهير واسعة تذكر بالاجواء التي كانت سائدة في تركيا في الستينات والسبيعنات من القرن الماضي، وتعيد تعميق الانقسامات الاجتماعية في البلاد. وجاء إعلان إردوغان عن احتمال العودة إلى العمل بعقوبة الإعدام لمعاقبة عدد من المتورطين في الانقلاب، ليثير مخاوف في الخارج لا سيما في الاتحاد الاوروبي الذي تسعى #انقرة للانضمام اليه.
من الواضح أن تغييرات مهمّة وجوهرية ستحدث في الداخل بسبب أو نتيجة لـ "انقلاب الساعات الثماني" ولعل اسراع النظام في اتخاذ الاجراءات العقابية الشاملة من دون انتظار التحقيقات مؤشر على الانقلاب الداخلي الذي بدأ اردوغان بتنفيذه في كل مؤسسات الدولة بذريعة حماية الديموقراطية والتصدي لـ "المؤامرة". لكن كيف سيؤثّر ما حدث في تركيا على السياسات الخارجية التركية، وخصوصا إزاء الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي، كذلك إزاء دول الجوار لا سيما ان انقرة دخلت قبل وقت قصير من المحاولة الانقلابية في سياسة خارجية جديدة اعتمدت خلالها الانفتاح وتطبيع العلاقات مع دول كانت تجمعها بها علاقات متوترة؟


التوتّر مع واشنطن
كشفت تطوّرات "انقلاب الساعات الثماني" عن عمق التوتر فى علاقات تركيا مع الولايات المتحدة. ظهر ذلك في تلكؤ واشنطن في إعلان موقف حازم رافض للانقلاب، وانعكس أيضا على إغلاق تركيا مجالها الجوي، الأمر الذي أوقف طلعات الطائرات الأميركية ضد "داعش" انطلاقا من "قاعدة انجرليك" التركية، وتبع ذلك اعتقال انقرة لقائد القاعدة الجنرال التركي بكير أرجان، ثم مطالبتها واشنطن بتسليم الداعية التركي فتح الله غولن الذي اتهمه اردوغان بالوقوف وراء الانقلاب ومن ثم تصريح وزير الخارجية الأميركي جون كيري أن ذلك لن يحدث قبل أن تتسلم واشنطن رسميا اتهامات واضحة تؤكّد تورّط غولن في الانقلاب، ما يعني أن واشنطن لا تعتزم تسليم غولن كما تأمل أنقرة.
وكانت العلاقات الأميركية التركية شهدت أجواء غير مستقرة منذ فترة، حيث دعمت #واشنطن أكراد سوريا ولا سيما حزب الاتحاد الديموقراطي في المعارك الدائر في الشمال السوري، وهي الفكرة التي لم تَرُقْ لتركيا التي تريد التخلص من الأكراد في هذه المنطقة، وتصفهم بأنهم عناصر إرهابية يسعون لزعزعة الأمن القومي التركي، ما جعل الدعم الأمريكي للأكراد يمثل نقطة خلاف بين الطرفين، وصل إلى استدعاء أنقرة السفير الأميركي هناك، للتعبير عن انزعاجها من تصريحات الناطق باسم وزارة الخارجية الأميركية، جون كيربي، التي قال فيها إنه لا يعتبر هذا الحزب منظمة إرهابية وأنه الأنجح في ملاحقة "داعش". ومع ذلك لم تصل العلاقات بين الطرفين التركي والأميركي إلى مستوى الأزمة الديبلوماسية أو القطيعة السياسية، لكن يبدو أن الأيام المقبلة لا تحمل الكثير من الأمل في عودة العلاقات بين الطرفين إلى سابق عهدها، بل تحمل مؤشرات على تدهور العلاقات أكثر فأكثر، خصوصًا بعد تصريحات رئيس الوزراء التركي، بن علي يلدريم، التي قال فيها إن بلاده ستلجأ إلى إعادة النظر في صداقتها مع واشنطن في حال عدم تسليم الأخيرة غولن.
لكن الباحث في مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية والخبير في الشؤون التركية عبد الفتاح بشير، يعتقد إن تهديد تركيا بمراجعة علاقتها بواشنطن في حالة رفضت تسليم غولن هو مجرد كلام عرضي من واقع الأزمة ولن يستمرّ هذا الخطاب لأن تركيا تحتاج الولايات المتحدة أكثر مما تحتاج هذه الأخيرة لها، وهناك علاقات استراتيجية مهمة بين الطرفين.


العلاقات مع اوروبا
كما انعكست الاجراءات العقابية الشديدة التي اتخذتها انقرة بحقّ المعارضين توترًا مع الاتحاد الاوروبي، اذ اعتبر الناطق باسم الحكومة الألمانية شتيفن زايبرت، أن إعادة تفعيل عقوبة الإعدام في تركيا، ستكون بمثابة إعلان نهاية مفاوضات انضمام أنقرة إلى الاتحاد الأوروبي.
كما شدد وزير الخارجية الفرنسي، جان مارك إيرولت، على أن محاولة الانقلاب لا تعني شيكًا على بياض للرئيس التركي لتنفيذ عمليات تطهير، ودعا أنقرة إلى احترام دولة القانون.
الأمم المتحدة أيضًا حذّرت أنقرة من عدم احترام الحقوق الأساسية كحرية التعبير وإجراء محاكمات عادلة. كما انتقد حلف الشمال الأطلسي، الذي يعتبر حليفا وثيق الصلة ومؤيدًا لسياسات أردوغان، ممارسات القيادة التركية بعد المحاولة الانقلابية الفاشلة.
اما في الاقليم، فيرى عبد الفتاح أن الدور التركي في سوريا لن يتغير، "قبل المحاولة بدأت تركيا باعتماد خطاب أكثر مرونة بخصوص بشار الأسد بسبب ضغوطات الولايات المتحدة وواشنطن وإسرائيل وأصبحت منفتحة على حلّ سياسي يلعب فيه بشار الأسد دورًا، وستستمر في هذا التوجه".
أما في شأن ما إذا كانت المحاولة الانقلابية قد تؤثر بشكل ما على مستقبل العلاقات مع مصر والتي تشهد توترا منذ إطاحة الجيش بالرئيس الإخواني محمد مرسي فيعرب الخبير التركي أحمد وصال عن اعتقاده بأن فرص التقارب بين البلدين أصبحت أقل من الأسبوع الماضي قبل الانقلاب، فتركيا بالتأكيد صار لديها حساسية أكبر الآن من الانقلاب والتعامل مع الانقلابيين، لا سيما بعد موقف مصر التي حاولت عرقلة صدور قرار يدين المحاولة الانقلابية من مجلس الأمن".


مستقبل غامض
وهكذا يبدو أن الرئيس التركي عاد من جديد إلى سياسته التي تسبّب في خسارته للعديد من حلفائه السابقين، فها هو يعود إلى توتر العلاقات مع حلفائه وشركائه في حلف "الناتو" الذي كان يستقوى به عندما يشعر بتهديد ما في سوريا، ويُصعّد من أزمته مع الولايات المتحدة التي تعتبر الداعم الأول له في مواجهته مع روسيا، ويُخرّب علاقته مع الاتحاد الأوروبي الذي خاض مفاوضات ماراثونية للانضمام إليه، الأمر الذي ينبئ بدخول تركيا مرحلة رمادية ضبابية. فالارجح ان تركيا ستواجه تحجيم التزامات حلف "الناتو"، حيث تشير الانباء الاولية الى أن وضع تركيا داخل الحلف سيخضع لمراجعات عدة، وهو ما عبر عنه الخبير الأميركي إيان بريمر بتأكيده على ضرورة مواجهة "الناتو" لقضية مدى استقرار تركيا وقدرتها على تحمل التزاماتها تجاه الحلف، لا سيما عقب تراجع أداء الجيش التركي بعدما تعرضت هيبته وهيكليته للنكسة بعيد الانقلاب، وقبل ذلك عدم قدرته على تنفيذ مهمات عسكرية في إطار الحرب على "داعش" في سوريا والعراق.
اما اقليميا فمن المرجح أن تؤدي سياسات الارتداد للداخل إلى تراجع التدخل التركي في بؤر الصراعات الإقليمية، حيث توجد احتمالات لانسحاب القوات التركية من قاعدة بعشيقه في شمال العراق لاستكمال إعادة هيكلة المؤسسة العسكرية بالتوازي مع الاستمرار في اتجاهات المصالحة مع بعض القوى الدولية والإقليمية مثل روسيا وإسرائيل، فضلا عن تحجيم التدخل العسكري التركي في سوريا نتيجة تراجع القدرات العسكرية للقوات التركية وفقدانها القدرة على تنفيذ عمليات خارج الحدود على الأقل خلال المدى القريب والمتوسط والتركيز على تأمين الحدود التركية-السورية ومنع تسلل العناصر المسلحة إلى الداخل السوري.


لكن أحمد وصال أستاذ العلوم السياسية في جامعة مرمرة التركية يقول إن أردوغان واعٍ للأخطار التي كانت تحدّق بالبلاد منذ فترة، ولهذا بدأ ينفتح على دول مثل روسيا وإسرائيل، ولولا هذا الانفتاح لشكل ذلك نقطة صالح للانقلابيّين للضغط وتحقيق أهدافهم.
واذا كان هذا التقدير صحيحا، فإن من تصالح مع الروس كان يتعيّن عليه تجنّب صبّ الزيت على نار الخلاف مع واشنطن وايجاد تفاهمات معهم، لا ان يدفع الى التصادم معها على غرار ما يحصل الآن، لأن الخلاف مع الاميركي أشدّ وطأة على انقرة من الخلاف مع الروسي ومن شأنه في حال حصوله، ان يرتب على تركيا ومشاريع اردوغان الجديدة خسائر كبيرة. ايضا اذا كان صحيحا ان العلاقة مع الدول الكبرى مهمة لمستقبل تركيا، فإن التصالح مع دول الجوار يجب ان لا يقل اهمية، ذلك ان التورّط التركي في الشؤون الداخلية للجيران ان في سوريا او العراق او مصر أدى الى تراكم المشكلات في الداخل التركي بدءًا من اعادة تفجير الصراع مع الاكراد، ومرورا بالاكتواء بنار الارهاب الذي تساهلت معه انقرة حتى اصابها في قلبها، وصولا الى تشريع الابواب التركية امام عدوى الطائفية واقامة المتاريس الداخلية. وربما كانت هذه الاسباب محركًا للانقلاب الفاشل او لهزات اخرى لاحقة.
[email protected]
Twiter:@amine_kam


 

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم