السبت - 27 نيسان 2024

إعلان

اليونان "حصان طروادة" الصيني في اوروبا

المصدر: "النهار"
أمين قمورية
اليونان "حصان طروادة" الصيني في اوروبا
اليونان "حصان طروادة" الصيني في اوروبا
A+ A-

صادق البرلمان اليوناني على بيع 67 في المئة من مرفأ بيريوس الاكبر في اليونان الى مجموعة "كوسكو" عملاق الشحن الصيني عبر المحيطات قبل زيارة رئيس الوزراء ألكسيس تسيبراس الى بيجينغ.


وصوّت 223 نائبًا من اصل 248 حاضرين لصالح القرار الذي عارضه نواب الحزب الشيوعي وحزب "الفجر الذهبي" النازي الجديد.
ويجيز القرار للعملاق الصيني استثمار مرفأ بيريوس حتى سنة 2052 مقابل 368,5 مليون اورو واستثمارات ورسوم سنوية تدفع للحكومة اليونانية لقاء تشغيل المرفأ. وتعد هذه الصفقة التي تأجل تنفيذها جزءًا من إعادة النظر في الإصلاحات التقشفية اليونانية، كما تعد خطوة ثانية في اتجاه خصخصة مجموعة من الأصول العامة الرئيسية.


وبحسب وسائل الإعلام اليونانية، فإن هدف الحكومة هو جمع 50 مليار أورو من خلال بيع أصول عامة لايزال بعيد المنال، حيث حققت الدولة حتى الآن 3 مليارات أورو فقط من خلال عمليات الخصخصة.


وبعدما غرقت بلاد الاغريق بالديون وشارفت الافلاس التام وهرب منها المستثمرون، وجدت الصين التي تبحث عن طريق حرير جديد في اليونان ضالتها لدخول البوابة الاوروبية. فاغتنمت الوضع الصعب في هذه الدولة لعبور "سفنها" موانئ القارة القديمة. ولم يكن مصادفة ان يكثف المسؤولون الصينيون زياراتهم لأثينا لتأسيس حصان طروادة صيني في قلب أوروبا، وان يقابل المسؤولون اليونانيون هذه الزيارات بالمثل.


وتعتزم الصين ضخ استثمارات ضخمة في المطارات والمنشآت البحرية والخدمات اللوجستية في اليونان. وبالفعل وقّع الطرفان اتفاقات عدة خصوصا في مجالات القطاع البحري والاتصالات وبمشروع لتحديث برج أثري في مرفأ بيرايوس في أثينا. كما وقّعت اتفاقات أخرى قيمة الاستثمارات فيها 500 مليون أورو. ووعدت الصين بشراء سندات يونانية جديدة مع عودة اليونان الى الاسواق المالية .


وترتكز الخطط الصينية أساساً على تحويل ميناء بيرايوس المتوسطي ما يشبه ميناء "روتردام" آخر في الجنوب الأوروبي، الأمر الذي سيفتح الأبواب أمام المصانع الصينية لإيصال بضائعها إلى المستهلكين في أوروبا وشمال أفريقيا، بحيث يبرز مشروع الميناء الكبير مؤشراً جديداً للسياسة اليونانية الرامية إلى إيفاء المستحق عليها من الديون، وإعادة بناء اقتصادها المتعثر من طريق خصخصة المرافق الحكومية غير الفعالة مثل القطارات، بل حتى الملاهي الليلية وصالات القمار.


وضغطت حكومات اثينا على الاتحادات العمالية لضمان مضي الصينيين قدماً في إدخال التغييرات الضرورية لتحسين الفاعلية وزيادة الإنتاجية. والمفارقة أن الجهود الحكومية ومعها التوجه الاستثماري الصيني، دفعت الحزب الشيوعي اليوناني المتعاطف مع قضايا العمال والاتحادات العمالية إلى شنّ هجوم حاد على الزحف الصيني على اليونان.


لكن السلطات في اثينا تواصل مع ذلك ترحيبها بالاهتمام الصيني باعطاء الشركات الصينية مزيداً من الفرص الاستثمارية، مثل إنشاء مركز للتوزيع غرب أثينا، ومد خط للسكك الحديد، فضلاً عن بناء سلسلة من فنادق خمس نجوم ثم حديقة بحرية، ويبدو أن هذه المشاريع لاقت صدى إيجابياً من الفنادق والقطاع السياحي عموما في اليونان الذي يعاني انكماشاً واضحاً نتيجة تراجع عدد السياح الأوروبيين، فقد تحولت الجزر اليونانية وجهة رئيسية لأثرياء الصين الذين يقيمون فيها حفلات الأعراس ويمضون فيها شهور العسل.


وفي لقاء تلفزيوني أجري معه في أثينا، صرح المدير التنفيذي لشركة "كوسكو" وي جيافو الذي يتمتع بكاريزما طاغية، بأن "الصين، كما يقول المثل، تبني العش كي يأتي الصقر". وأضاف مدير الشركة التي اشترت الحصة الاكبر في مرفأ بيريوس والعضو البارز أيضاً في الحزب الشيوعي الذي بات يعرف في اليونان باسم "الكابتن وي": "لقد شيدنا العش في اليونان كي تأتي الصقور من الصين للاستثمار، وهذه هي مساهمتنا لكم".


وكانت الصين قد استثمرت مليارات الدولارات في أكثر من مكان بدءاً من السودان وأنغولا وموريتانيا في افريقيا وليس انتهاء بالبيرو والاكوادور في أميركا الجنوبية لضمان وصول الموارد الطبيعية إلى الصين وتلبية حاجات اقتصادها المتعطش الى المواد الأولية، فضلاً عن تأمين شحن منتجاتها بطريقة فعالة وبأسعار رخيصة إلى الأسواق العالمية. ويرى المحللون أن إقبال الصين على الاستثمار في اليونان هو جزء من خططها لإيجاد شبكة من الطرق وخطوط الأنابيب والسكك الحديد والموانئ لتعزيز التجارة بين الشرق والغرب في ما يشبه طريق الحرير التي كانت تضطلع بالدور نفسه في الماضي.
وبلجوئها إلى الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي لانقاذ اقتصادها المتعثر، يبدو أن اليونان تناسب تماماً البيئة الصعبة التي تحبّذها الصين وتسعى الى الاستثمار فيها، بحيث تبني الصين حالياً قاعدة تجارية بحرية فيما تظل البلدان الأوروبية متشككة إزاء الاستثمارات الصينية التي تحركها الدولة. فعلى سبيل المثال، عطلت الحكومة الفرنسية قبل سنة ونيف اقتراحاً قدمته إحدى الشركات الصينية للاستحواذ على شركة فرنسية بدعوى المخاطر التي يمثلها العرض الصيني على الأمن القومي الفرنسي.


تضاف الى ذلك المخاوف التي تثار في أوروبا من اكتساح البضائع الصينية الرخيصة الأسواق الأوروبية، وهو ما يؤكده المحلل المتخصص في الشؤون الدولية بمركز "مراقبة المخاطر" في لندن جوناثان وود قائلًا: "هناك قلق متزايد في أوروبا من حجم اختلال الميزان التجاري مع الصين، وهم قلقون أيضاً من أن يجدوا أنفسهم في وضع شبيه بالولايات المتحدة التي تعرف عجزاً تجارياً كبيراً لمصلحة الصين".


وعلى رغم ذلك، يتعامل اليونانيون مع الاهتمام الصيني ببلادهم على أنه هدية من السماء، فإذا كان أحد الأسئلة المطروحة حالياً على الاتحاد الأوروبي هو عن طريقة تأهيل الاقتصادات الأقل تنافسية لبعض الدول الأوروبية مثل البرتغال واليونان وإسبانيا لتصير على درجة الكفاية نفسها للاقتصادات في أوروبا الشمالية، فإن المسؤولين في اثينا يجيبون عن السؤال نفسه بتطوير قدراتهم وخبرتهم العريقة في مجال الشحن البحري من خلال التعاون مع الصينيين والترحيب باستثماراتهم في هذا المجال. وكما عبر عن ذلك مسؤول يوناني كبير بالقول: "كل ما يريده الصينيون هو بوابة للولوج إلى أوروبا، إنهم ليسوا مثل وول ستريت، يستثمرون في الأوراق المالية، بل هم يتعاملون مع الأمور الملموسة، ويتاجرون بالبضائع الحقيقية، وهم لذلك سيساعدون الاقتصاد اليوناني". غير أن الأمر لا يخلو من صعوبات بالنسبة الى الحكومة اليونانية التي تحاول ان تعهد في الكثير من القطاعات المرتبطة بالشحن إلى الشركات الصينية، وأهم تلك الصعوبات المقاومة التي تبديها الاتحادات العمالية للاكتساح الصيني ورغبتها في تعزيز المكاسب التي افادت منها في السابق، في حين تسعى الصين إلى إدخال ثقافتها الخاصة بالعمل القائمة على الجهد الشاق والإنجاز، وهو ما يتعين على العمال في اليونان التكيف معه إذا أرادوا لاقتصادهم الحصول على فرصة أخرى والخروج من أزمته الخانقة.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم