السبت - 27 نيسان 2024

إعلان

لنتخيّل 13 نيسان الآخر

رلى راشد
لنتخيّل 13 نيسان الآخر
لنتخيّل 13 نيسان الآخر
A+ A-

لنتخيّل يوم الثالث عشر من نيسان 1975 في صيغة مختلفة.


لنتصوّر بيروت منزوعة السلاح ومُقبلة على الحياة تفتح واجهات محالها وتتذمّر من كثرة الزبائن.
لنتصوّر بيروت تطرد مسلحيها ولا تهادن مستبيحيها. لنتصوّر الحافلة التي ستشعل حرباً أهلية وتجرجر نارها خمسة عشر عاما وأحقادها عقوداً عدة لاحقة، تعود أدراجها أو تسلك دربا أخرى فتمرّ كأنها غير مرئية، من دون إحداث جلبة ومن دون أن تعرّج على كُتبِ التاريخ.
لنتصوّر انها لا تكترث بتصدّر صحيفة "النهار" ولا بأن تصير هي الخبر فيُكتب عن "حصول حادث عين الرمانة: 30 قتيلاً وعدد من الجرحى". لنتخيّل ان الصحيفة وبدل أن تحصي الموتى في ذاك اليوم، تسجّل الولادات.
لنتصوّر الأمهات الهاربات من أحياء منكوبة ومن عيون القنص المتربّصة بهن لا يُعددن حقائبهن في عجالة وعلى وقع القذائف المنهمرة بل يُفرغن محتوياتها في الخزائن وكأنهن رجعن للتو من رحلة استجمام.
لنتصوّر الشباب المنخرطين في حروب صغيرة تخطّت أوهامهم يمسحون الغبار عن مقاعدهم الدراسية أو يدخلون إلى قاعات المحاضرات الجامعية فتضجّ بأحاديثهم وأحلامهم بدل أن يجهسوا بالموت والموت المضاد.
لنتصوّر البيوت تزيل عن شرفاتها أكياس الرمل المُكتنزة وبيروت تغسل شوارعها من رائحة البارود الطازجة، وتفتح شرايينها للناس تعلو الضحكات وجوههم.
لنتصوّر بيروت بعدما رَدمت خنادقها ونزَعت من حولها الأسلاك الشائكة وزنّرت أحياءها بأحزمة الورود.
لنتصوّر لبنان بلادا ديموقراطية لا تحتسب بين سكانها مُمثلين عن الطوائف بل مواطنين يدينون لعلم واحد وتاريخ واحد وتوق واحد.
لنتصوّر المفقودين والمُبعدين قسراً يقرعون أبواب بيوتهم عند العصر مبتسمين، وكأنهم ضلّوا الطريق أو تأخّروا عن العودة بسبب زحمة السير.
لنتصوّر المهجّرين لا يخرجون من بيوتهم ويردّون الرصاصات من حولهم بزهور نيسان. لنتصوّر ضحايا المقابر الجماعيّة ينفضون عنهم التراب ويسخرون ممن اضطلع بكتابة السيناريو البائخ عن وفاتهم المبكرة.
لنتصوّر أمّا وابنها لا يحتاجان إلى سدّ أنفيهما عند مرورهما في الشوارع الضيقة بسبب الجثث المتراكمة في الأنحاء.
لنتصور أننا أبناء الدستور والقوانين وأننا لا نفكّر في كل يوم بأن باب الهجرة فسيح وأقرب من باب العيش الضيق.
لنتصوّر أننا اليوم لا نكتب عن الفجيعة في ذكرى الحرب الأهلية اللبنانية، وأننا لا نُستدرج إلى إعادة الكلام عن الحاجة إلى المحاسبة بغية طيّ الصفحة.
لنتصوّر الأديب توفيق يوسف عواد يقرأ خبراً يفيد بأنه فارق الحياة من جراء قذيفة، كآلاف اللبنانيين سواه، ويظنّها نكتة سمجة.
لنتصوّر خليل حاوي لا يجتاز عتبة شرفة منزله، ويضع سلاحه جانباً ولا يقرّر الموت لأن لا احتلال ولا عاصمة عربية مستباحة.
لنتصوّر يوم 13 نيسان في صيغة مختلفة، وجميع الأيام السود اللاحقة أيضاً، كأنها أيام حياة.
لنتصوّر اننا لا نحتاج إلى اختراع لبنان السلام والأمان لأنه صار حقيقة.


[email protected]
Twitter: @Roula_Rached77

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم