الأحد - 28 نيسان 2024

إعلان

لعنة بحر ايجه: مَن يوقف كل هذا؟

فاطمة عبدالله
لعنة بحر ايجه: مَن يوقف كل هذا؟
لعنة بحر ايجه: مَن يوقف كل هذا؟
A+ A-

ساعاتٌ في البحر والموج يبلغ حدّ الثلاثة أمتار. مَن المُخلّص؟ يقولون إنه ربّ العالمين. كل أرض ممكنة إلا أرض الوطن. كل عذاب هيِّن حتى يطمئن القلب وينطفئ الجمر في الأنفس الحزينة. "غدر ايجه" ("الميادين")، وثائقي يروي مآسي الهاربين من اللعنة.


الكاميرا على الشاطئ تنتظر وصول الأرواح المنهكة. دعوا الصورة تتكلّم. دعوها تتفرّغ للبوح. فرق الإنقاذ تنتظر. هناك، في اليونان، بعضٌ ينجو وبعضٌ يغرق. البحر هو الغدّار أم الزمن؟ أمواجه أم البشر؟ رافق الشريط (إعداد هالة بو صعب وإخراجها)، لحظات الوصول بمرّها وخطرها وتراجع احتمال النجاة. نساء على مراكب كاذبة، وأطفال وأحلام. من سوريا والعراق والمغرب وأفغانستان وبلدان التعاسات، عائلاتٌ وأفرادٌ قالوا للمهرِّب خذ ما تريد وارحل بنا بعيداً عن الإهانة والذل والبطالة و"داعش" والحرب الرهيبة. مع كلّ موجة رجاء: "يا رب ما يقلب فينا المركب". لله كما يقولون حكمة، يستجيب حيناً ويخذل أحياناً كثيرة.
حطّ المركب على شاطئ جزيرة ليسبوس اليونانية، فهرع المنقذون يسعفون أجساداً ترتجف. لم يكن هَمّ الشريط صبّ الأضواء عليه بقدر صبّها على مأساة الهجرة. القصص في كلّ مكان، وفي كلّ زاوية من الجزيرة مهاجرٌ يقول: "لقد مررتُ من هنا". إيزيدية تروي استعدادها لتبتلعها الأمواج هرباً من اغتصاب "داعش". بعينيها رأت شابة في السادسة عشرة تُغتصب من أربعة. قال مغربي هارب من وطن لم يؤمّن له فرصة عمل، جُملاً لم تُفهم، لكنّ ثلاث كلمات رنّت واضحة: "أريد أن أعيش". آخرٌ يناجي البحر: هدِّئ من روع الأمواج قليلاً. وآلافٌ يرجون دول اللجوء: "لا تطردونا". مرَّت في الشريط انكسارات الإنسانية من جرّاء الخذلان والحروب، وبدا الألم على لسان أصحابه أصدق. يضجّ صوت البحر كأنه مُنهك. أرهقه الوجع وأنين الخائفين والصلوات. على رماله يستلقي الناجون. سُتر نجاتهم هزيلة. تتكدّس كجبال باردة، وتُمزَّق لئلا يبيعها المهرّبون ثانية. هؤلاء القساة، ما أبشعهم.


[email protected]
Twitter: @abdallah_fatima

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم