السبت - 27 نيسان 2024

إعلان

نقاشٌ داخلي في الكويت حول معالم مرحلة ما بعد اقتصاد النفط ومخاطر استخدام وسائل التواصل للتجنيد الإرهابي في مهرجان القرين

سوسن أبوظهر
نقاشٌ داخلي في الكويت حول معالم مرحلة ما بعد اقتصاد النفط ومخاطر استخدام وسائل التواصل للتجنيد الإرهابي في مهرجان القرين
نقاشٌ داخلي في الكويت حول معالم مرحلة ما بعد اقتصاد النفط ومخاطر استخدام وسائل التواصل للتجنيد الإرهابي في مهرجان القرين
A+ A-

ما أن يطأ لبناني أرض الكويت حتى يُسأل عن مصير الرئاسة اللبنانية ومقاصِد سمير جعجع وهل تتسع دائرة المرشحين إلى أسماء تُعد توافقية وقد عادت الأمور إلى الصفر. وبعد الإجابة بما تيسر، نسأل بدورنا عن الكويت التي تعكس صحفها قلقاً لم يعد خفياً من آثار التراجع الكبير لأسعار النفط.


في الإعلام، بعد الحكومة ومجلس الأمة، نقاشات لرفع الدعم عن الكهرباء والمياه والمواد التموينية ووقف بدلات البطالة، ومخاوف من تضرر حاجات المواطنين المكفولة دستورياً، مع العلم أن التقشف الذي دعا إليه الأمير الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح يختص بالإنفاق الحكومي، بما في ذلك امتيازات الوزراء.
ولا تخفي أوساط سياسية لـ"النهار" قلقها من انعكاس الهبوط المدوي لأسعار النفط على مصير الجاليات العربية في الخليج، ولا سيما منها المصرية واللبنانية. وتتوجس من أزمة مالية جامعة تفوق ما شهدته دبي عام 2008، إذا لم تُحفَز القطاعات غير النفطية ويُتصدى للهدر، مع ما سيكون لذلك من ارتدادات سياسية تهز الشرق الأوسط برمته. ويروي مقيمون أن كلفة المعيشة ارتفعت في السكن مع انكماش القدرة الشرائية للرواتب. أما التعليم، فهو الهاجس الأول مع زيادات سنوية قياسية في أقساط المدارس الأجنبية الخاصة.
كل ذلك على خلفية وضع إقليمي تُضاعف الأزمة السعودية-الإيرانية اضطرابه. صحيح أن مناورات "الدرع الحاسم 5" التي أُجريت الثلثاء غير مرتبطة بالأمر مباشرة، لكن نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية الشيخ محمد خالد عدًها رسالة "لمن يفكر في العبث بأمن الكويت" بعد "المتغيرات في المنطقة والأحداث الإرهابية العالمية".
بيد أن البلاد لا تتخلى عن طقوسها وحفاوتها. ففيها زحمة مناسبات، من الذكرى العاشرة لجلوس الأمير وإعلانها عاصمة للثقافة الإسلامية وإطلاق مهرجان القرين الثقافي في دورته الـ22، إلى قرب حلول العيد الوطني الـ55 ومرور ربع قرن على التحرير.


ندوة مهرجان القرين
هذه السنة حملت الندوة المركزية لمهرجان القرين عنوان "الشباب وأدوات التواصل الاجتماعي، الفرص والمخاطر". فهذه الوسائل، وخصوصاً "تويتر"، منبرٌ سياسي كويتي يكاد يفوق التيارات الحزبية تأثيراً. ومنصة التغريدات بمثابة وكالة لأنباء غير مؤكدة عن السحب من الاحتياط العام وخفض الرواتب. لذلك اختارتها وزارة المال لإعلان توقع عجز قياسي يناهز 38 مليار دولار في الموازنة المقبلة.
والنقاش طوال يومين شمل جوانب عدة، من المنطلقات النظرية كمضامين المحتوى الرقمي العربي، والآثار اللغوية ومنها نشوء "العربيزية"، وهي خلط للعربية بالإنكليزية أو كتابتها بحرف لاتيني ودمج الأرقام بالأحرف، إلى الانعكاسات النفسية والاجتماعية والصحية والتربوية والاقتصادية.
وأوضح الخبير القانوني الأردني يحيى شقير أن هذه الفسحة الافتراضية ليست مطلقة الحرية. ففي بلاده صدر عام 2015 قانون الجرائم الالكترونية، وأحيل على محكمة أمن الدولة نائب المراقب العام لجماعة "الإخوان المسلمين" زكي بني أرشيد لانتقاده دولة الإمارات على صفحته الفايسيوكية. واعتبرت محكمة التمييز الكويتية "تويتر" فضاء عاماً تخضع الآراء فيه للمحاسبة. وفي المقابل، أفتت محكمة النقض الفرنسية عام 2013 بأن المواقف عبر "فايسبوك" خاصة وغير علنية.
ويعود قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات في الإمارات إلى عام 2012، وفيه عقوبات بالسجن وغرامات تصل إلى 500 ألف درهم. أما نظيره الكويتي فدخل حيز التنفيذ قبل أسبوعين بعدما كانت المحاكم تستند إلى قانون الجزاء لعام 1960، كما قال المحامي الكويتي حسن العبدالله. وإذ أشار إلى وجود نحو 27 ألف حساب كويتي في "تويتر" تناصر تنظيم "الدولة الإسلامية" ("داعش")، رفض عقوبات السجن على خلفية كتابة تغريدات.


التجنيد الالكتروني
وأفاد شقير إن قانون منع الإرهاب الأردني عُدل عام 2014 لينص في مادته الثالثة على المعاقبة بالأشغال الشاقة الموقتة لمُستخدم الانترنت لـ"تسهيل القيام بأعمال إرهابية أو دعم لجماعة أو تنظيم أو جمعية تقوم بأعمال إرهابية أو ترويج أفكارها". وسألته "النهار" عن نجاعة الأمر، فأجاب أن زج مُعتنق التشدد في السجن لا يُسكت الدعوات الإرهابية عبر مواقع التواصل. ومع اقراره بوجود بيئات خصبة لتلقف النهج التكفيري، دعا إلى إصلاح الخطاب الديني لمواجهة "داعش" الذي يدعي امتلاكه تنظيم شرعية إسلامية بمفردات شعبوية تدغدغ المهمشين.
وتطرق عضو مجلس الشورى السعودي الخبير في الصحافة الالكترونية فايز الشهري إلى التجَنُد الإرهابي عبر مواقع التواصل. فبعدما صارت الهواتف الذكية الحلبة الأحدث لاستقطاب الشباب، بث "الدولة الإسلامية" إصدارات معدة لتطبيقات واسعة الانتشار كـ"واتس أب". هناك، كما "فايسبوك" و"تويتر"، إغراقٌ بالفتاوى المضلِلَة والوعود بالجنة والنصح بالتوبة قبل نهاية الزمان، تؤدي إلى التجنيد الذاتي للإرهابيين، وهو مسار خطير ويسير. تُتاح لهؤلاء إرشادات لصنع قنابل وأشرطة فيديو للتدريبات العسكرية على وقع أناشيد حماسية، فيتحولون متطوعين في "داعش" وينفذ بعضهم هجمات.
ويلفت الشهري إلى عدم فرض التنظيم على المتعاطفين معه قواعد سلوكية ومظهرية صارمة، مما يساهم في سرعة انتقال شاب لم يعرف التزاماً دينياً إلى خانة "الجهادي"، وذلك نتيجة ضعف البدائل الاجتماعية لمواجهة الإحباط السياسي. فجأة يصير له كيان وكنية تفرض الهيبة كـ"أبي القعقاع".
وقد شرح لـ"النهار" مراحل ما بعد التشبع بالمواد المُلقنَة. يبدأ الشاب بالتضييق على أسرته ويسعى إلى الأبعد. وإذا أظهر نشاطاً تفاعلياً مع الحسابات المتشددة، يخضع للمتابعة من مُجنِدين الكترونيين، وقد يتم الاتصال به وربما لقاؤه اذا وُجِد وسيط على صلة قربى أو علاقة مناطقية وعشائرية به. وثمة مواقع تشرح طرق "الهجرة" إلى الرقة.
وفي رأي الشهري أن التجنيد الذاتي يكتسب جاذبية كبرى، كأنه لعبة حرب الكترونية تثير حماسة المتلقين، وهم دون الـ25 سنة. المُستهدَف شاب والمُستهدِف يقاربه سناً ويكون عادة ذا خبرة تقنية ومتفرغاً لإدارة "الجهاد" الافتراضي.
وتساءل الوزير الأردني سابقاً سميح المعايطة بتهكم عن مكان وجود المدينة الإعلامية لـ"داعش" الذي يُنتج مجلة وأشرطة عالية الجودة. ورأى أن في قيادته خبراء نفسيين يجيدون مخاطبة المتلقي لاستقباطه إلى "فسطاط أهل الحق"، وكذلك صناعة نجومية دُنيوية لمقاتلين ومُنظرين للإرهاب تُغري بالاقتداء بها. وتتسع قدرة الإقناع إلى ما لا يمكن تبريره مثل تفجير مسجد بمصلين في رمضان، فتأتي الذريعة مذهبية أو القول إن الضحايا "من أعوان الحاكم الكافر". وفي المقابل، تقتصر مواجهة الإرهاب على العمل الاستخباري الاستقصائي وتُغفل البُعد الديني، إذ "نردد تلقائياً أن تلك الهجمات لا تمثل الإسلام من دون إيراد أدلة تاريخية تُفند الأضاليل".
أما الباحثة والأستاذة الجامعية التونسية آمال قرامي، فقدمت لـ"النهار" نموذجاً عملياً للتجنيد. طالبة الطب المسجونة حالياً فاطمة المزوغي تولت الجناح الإعلامي لتنظيم "أنصار الشريعة" المحظور مستخدمة صفحات فايسبوكية للتحريض على الإرهاب والتجنيد. وسهلت عبر مراسلات في مواقع التواصل شراء آليات لشن هجمات في جبال الشعانبي.
وأوضحت قرامي أن عمليات تسفير الشباب إلى سوريا حيث يُقدر وجود خمسة آلاف تونسي، بينهم نحو 300 امرأة، تتستر بغطاء جماعات دعوية خيرية. ورداً على حظر الحكومة، تحايلت تلك على إقفال صفحاتها وتوقيف عدد من ناشطيها بإنشاء المزيد بعناوين أخرى، واصفة ذلك بأنه مسار ممتد من الكر والفر ينفذ من ثغرات قانون الإرهاب.


[email protected]
Twitter: @SawssanAbouZahr

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم