السبت - 27 نيسان 2024

إعلان

من مآسي لاجئي لبنان... ريهام ضاعت في بحر اليونان

المصدر: طرابلس -
رولا حميد
من مآسي لاجئي لبنان... ريهام ضاعت في بحر اليونان
من مآسي لاجئي لبنان... ريهام ضاعت في بحر اليونان
A+ A-

ناشد خليل صالح المغربي #الصليب_الأحمر الدولي الكشف عن مصير ابنته ريهام التي فقدت إثر جنوح المركب الذي أقلها من #تركيا إلى #اليونان في رحلة لجوء جماعية لمجموعة من الفلسطينيين من مخيمات #لبنان، خصوصا مخيمي #البداوي والبارد.


فمنذ نحو عشرة أيام، غادرت مجموعة كبيرة من الشبان والشابات والأطفال الفلسطينيين باتجاه أوروبا، على خط اللجوء اللاشرعي -المعترف به دوليا. رحلة من عشرات الرحلات التي تنظم شهريا باتجاه أوروبا، يبحث ركابها عن مصير، وعن حياة بالحدود الدنيا التي يمكن أن يعثروا عليها في أي بقعة من الأرض التي يمكن أن يوصلهم إليها زورق مطاطي، وبعض بحارة، وأدلاء "سياحيين" متخصصين بتهريب الأجانب. تحفزهم على الرحيل القاسي المحفوف بالمخاطر أنباء استعداد حكومات أوروبا لاستضافتها مئات الآلاف منهم لحاجتها ليد عاملة رخيصة.


ورغم الأنباء من الجانب الآخر من عملية اللجوءعن جنوح الزوارق، وغرق الكثير منها وهي تنوء بحمولاتها من البشر الفارين من الموت الهاديء الصامت المتسرب إلى البيوت، والأسرة حرمانا، وقهرا، وبطالة، وفقدان الحد الأدنى من مقومات حياة بشرية، فإن اللجوء يجري على قدم وساق، باندفاعة اليائس المنسيِ نحو نقطة ضوء افتقدت في بلاد تائهة، مجهولة المصير.


"لم أكن أخاف على ابنتي من المصير السيء. فقد كانت في الوضع الأسوأ الذي يمكن أن يصل إليه إنسان وهي تعيش في مخيم البداوي"، قالت سعاد المغربي، والدة الصبية ريهام ذات ال ٢٤ ربيعا التي فقدت في زورق راحل نحو شتات العرب الأوروبي.


ويقول زوجها خليل صالح المغربي (٥٢ عاما)، إنه "أمَن الأموال لابنته ولابنه محمد للرحيل إلى بلاد أوروبا، فالوضع هنا لم يعد يطاق، لا عمل، ولا وظيفة، والتقديمات معدومة، والأونروا تتراجع خدماتها باطراد. كلاهما متفوقان في الدراسة، لكنهما لا يملكان ما يمكن أن يؤمن، باختصار، استمراريتهما في الحياة".


ويواصل كلامه متسائلاً: "لماذا أخاف عليهما من السفر وهما في وضع المفقود في المخيم! لقد أمنت لهما المال للرحيل، وكلي أمل أن يجدا مستقبلا، هو أفضل في جميع الأحوال، من البقاء في بلاد لم يعد للانسان فيها من معنى".


قطع خليل بطاقات السفر لولديه محمد وريهام، وانتقلا بواسطتهما بصورة شرعية إلى تركيا عبر مطار بيروت، والكلفة هي تسعيرة البطاقة أي خمسماية دولار لا أكثر، كما قال، متابعا أنه "أمَن لكل منهما ١٢٠٠يورو للانتقال من تركيا إلى اليونان في زورق".


ويروي أن الزورق المطاطي الأسود انطلق من أزمير محملا بالركاب ومنهم ولدي محمد وريهام، باتجاه الأرخبيل اليوناني، وقبل وصوله إلى إحدى الجزر بعشر دقائق، اصطدم به مركب، وتبعثر ركابه الذين ناهزوا الأربعين، فعمل خفر السواحل اليوناني على إنقاذ الركاب الذين عاموا على وجه المياه وهم يتخبطون، وتمكن من إنقاذ غالبيتهم، ومن بينهم فتى في العاشرة من عمره، وابنه محمد الذي نقل له تفاصيل الحادث إثر إنقاذه، وتمكنه من التحدث معه بالهاتف.


ويتابع والقلق يقض مضجعه إن "المأساة الكبرى الآن هي عدم معرفة مصير ابنتي ريهام. لم يعرف عنها شقيقها محمد شيئا، ولم تورد الأنباء اسمها بأي طريقة من الطرق".


ويضيف من خلال ما أخبره محمد، وما وصل من أنباء، أنه "بعد الصدمة التي تعرض لها الزورق المطاطي، وتمزقه، ظل عائما بجنوح، وعليه بعض الركاب، حيث تقدم من تمكن من جره، وأخذه بمن فيه إلى مكان مجهول، وتبقى الرواية غير مؤكدة"، كما أفاد المغربي.


لكن خليل يستدرك برواية ثانية أن الفتى في العاشرة من العمر الذي كان على متن الزورق، وهو من أبناء مخيم البداوي، ونجا مع من أنقذهم خفر السواحل اليوناني، نقل عبر "الفايسبوك" ما جرى، ومما قاله إن ريهام أصيبت بصدمة قوية على الرأس، ونقلت إلى المستشفى، ويرجح أنها نقلت إلى أزمير في تركيا حيث انطلق المركب". لكن خليل المغربي ينقل هذه الأخبار كمن يتعلق بحبال الهواء في بحثه عن أمل بنجاة ابنته، رافضا بطبيعة الحال، تقبل أن تكون تعرضت لسوء أكبر. "أنتظر أي جواب عنها. أملي كبير أن أعرف انها نجت. لن يغمض لي جفن قبل معرفة مصيرها. أتمنى من الصليب الأحمر الدولي مساعدتنا. ليس غريبا أن تكون غائبة عن الوعي إثر الضربة على رأسها، ولم تتمكن من التعريف باسمها بعد فقدان الأوراق الثبوتية لكل الركاب".


مع العلم أن فقدان الأوراق الثبوتية للاجئين هو شرط لنجاح رحلتهم، ووصولهم إلى مبتغاهم في بر الأمان الأوروبي المفترض. على النازح الوصول إلى بلاد الاغتراب منقطع الجذور والأصول لكي يعطى قبولا باللجوء. ومع العلم أيضا أن الفلسطيني، مثله مثل اللبناني، لا يقبل كما النازح السوري الذي ينتقل بلا أوراق ثبوتية شرعية، وعلى الفلسطيني واللبناني ابتياع أوراق سورية، هي غير شرعية يؤمنها تجار متخصصون، لكي يمنح بواسطتها السماح باللجوء من سلطات البلاد التي يمكن أن تستضيفه، وذلك بحسب العديد من الملمين بشؤون النزوح.


أما سعاد التي لم تترك صورة ابنتها من يدها، فتتحدث عن ريهام التي "لم يحمها المجتمع، وهو لا يرحم أحدا"، وتخبر أن ابنتها مصابة منذ طفولتها بمشكلة في إحدى عينيها، ولذلك ظلت تسمع الهمس واللمز عن مشكلتها، فشكلت لها عقدة في حياتها. وتضيف: "هنا في بلادنا، أتساءل كيف يمكن ان نؤمن لها ما ينقذها من مشكلة عينها في الوقت الذي لا نستطيع تأمين لقمة العيش، والحد الأدنى من الأمان الاجتماعي".


ورداً على سؤال، قالت: "لم أكن أخشى مصيراً بائساً لها، وهي اليوم في وضع مجهول. سمحت بنزوحها لأنني أملت لها حياة أفضل، وإمكانية أن يتأمن لها من يصلح مشكلة عينها. اتكلت على رب العالمين الذي لا يترك أحد".


وتحدث خليل عن تفوق ريهام في الجامعة إثر إنهائها البكالوريا - القسم الثاني، وكانت ترغب في متابعة دراسة الطب، ودخلت الجامعة اللبنانية بنجاح، لكنني لم استطع أن أؤمن لها تكاليف حياتها الدراسية، فبقيت في البيت، وعندما وجدت لها عملا في مكتب أحد المهندسين، استنزفت وقتها بمقابل أجر زهيد لم يكفها للانتقال من المخيم إلى مكتبه. فبقيت كما شقيقها محمد في البيت بلا عمل، وبلا أمل".


خليل يتواصل مع ابنه محمد الذي أرسل له صورا مع رفاقه في اليونان، ويتعاون معه بحثا عن ابنته، ومعرفة مصيرها. يختم مؤكداً أنه رغم توارد الأنباء المتتالية عن أحداث يتعرض لها النازحون، منها اعتداءات، ومنها سرقة أعضاء الجسم، لكن الناس لم تعد تأبه بالأخبار والتحذيرات من المخاطر، فهم اشبه بالموتى في بلادهم، ولذلك، والزوارق على أهبة الاستعداد للرحيل في كل لحظة، يرحلون بالمئات يوميا".

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم