الأحد - 28 نيسان 2024

إعلان

عرفات حجازي... الوجه الباسم في الايام السود

المصدر: "النهار"
رضوان عقيل
رضوان عقيل
عرفات حجازي... الوجه الباسم في الايام السود
عرفات حجازي... الوجه الباسم في الايام السود
A+ A-

كان طموح عائلة الزميل عرفات حجازي ان يصبح نجلها استاذاً في التعليم ليحظى بهذا اللقب الذي دغدغ مشاعر الكثيرين من ابناء الجنوب الذين "هاجروا" مبكرا من بلداتهم وزحفوا الى بيروت التي احتضنتهم في ازقتها واحيائها الشعبية، لان دوائر القرار في الدولة انذاك لم تعبد الطريق امامهم الى الوزارات والمؤسسات الرسمية والدخول في المدرسة الحربية الا بـ "القطارة"،ليس لنقص في كفاياتهم وتحصيلهم العلمي بل لاعتبارات سياسية واقصاء العدد الاكبر منهم ومعاقبتهم،لانهم انضووا في صفوف احزاب يسارية شكلوا خزانها. ولميلتفت المعنيون الى الاطراف ولم يأبهوا لطموحات ابناء تلك الشريحة المعوزة التي لم تجد مبتغاها في تحقيق احلامها واقلها الحق في التعلم فلجأت الى فضاء القوى الحزبية والانخراط في صفوفها، ليس لتحقيق هموم نضالية وكرمى لعيون فلسطين فحسب.


وحجازي الذي غيبه الموت ، واحد من هؤلاء يعود اليوم الى احضان مسقطه في عيتا الجبل، البلدة التي احبها وعشقها وغرف من حواكيرها وصخورها وسنديانها كأس الشعر ونظم القصائد والصعود الى المنابر في النوادي الحسينية والادبية في قضاء بنت جبيل المفتوح على اوجاع جيرانه الفلسطينيين.
غادر بلدته وتوجه مبكرا في مطلع شبابه الى بيروت ليشق طريقه ويرسم احلامه على ارضها التي لم تخذله. وبادلته الحب واحتضنته مثل سائر اقرانه الذين لجأوا اليها طلباً للعلم والعمل وتحصيل لقمة العيش بدل ان ينضم الى قوافل من ابناء جيله الذين هربوا الى افريقيا من مرارة شتلة التبغ ولعدم احساسهم وشعورهم بوجود دولة ترعاهم ولم تبنَ لهم مدرسة في البلدات المنسيةولم تكن اسماء بعضها موجودة على الخريطة. والتحق في مطلع شبابه في احدى حلقات حزب البعث ولم يستمر طويلاً في مشوار ميشال عفلق في افكاره ليتفرغ اكثر لعمله وبناء اسرته. وبقيت جراح الجنوبيين ترافقه وتحل معه اينما وجد. ولم يكن يخفي اعجابه بياسر عرفات وليثبت ذلك اطلق اسمه على نجله.


وعمل لاعوام في قطاع التعليم في اكثر من مدرسة في العاصمة قبل ان تخطفه الصحافة الى رحابها والمكان الذي احبه. ولطالما كان يفاخر بتلامذته الذي نجحوا في حقول عدة احتل بعضهم مناصب عليا،ومن بينهم، على سبيل المثال، قائد الجيش العماد جان قهوجي. وبعد تمرسه في التعليم وتحصيله الشهادة الجامعيةدخل الى تلفزيون لبنانبـ " تسهيل" من الرئيس الراحل كامل الاسعد، الا ان الزميل تسلح بثقافة راكمها وتطور اكتسبه في الاعلام والاداء والكتابة، سرعان ما فرض نفسه في هذا الميدان واظهربراعم افكاره الوطنية من دون حواجز.


واطل على المشاهدين ايام "الاسود والابيض"، وفي ايام كان اكثرها اسود وعمل ببسمته وحركاته المحببة على التخفيف قدر الامكان من اوجاع اللبنانيين الذين لوعتهم آلة الموت واعوام الحرب. واقسى ما كان يعانيه هو عند قراءته اخبار التفجيرات والمجازر واعمال القنص التي قضت مضاجع اللبنانيين واغرقت بلدهم في حمام من الدماء لا تفارق صورها مخيلاتهم الى اليوم.


وكان وجه عرفات الباسم وجمله القصيرة والسهلة يخففان من اهوال الحرب واوجاعها. ولم يخف سروره على الشاشة وتعليقه الارتجالي على الاحداث عند نفض الغبار عن الحواجز ورفعها عن خطوط التماس في العاصمة التي احبها وتعلق بها،إذلم يغادر الى الخارج للعمل في فضائيات عربية كبيرة .
وبعد "تقاعده" في التلفزيون عمل مستشارا اعلامياً لرئيس مجلس النواب نبيه بري واضفى نكهة محببة في عين التينة من خلال اسلوبه الهادىء وتعامله من دون تكلف مع الزملاء.


اعياه المرض في اعوامه الاخيرة من اوجاع في الظهر وهموم الحياة، ولم يترك صديقته الصحافة التي "اقترن" بها كل هذه الاعوام من دون ان يفارقها. وتنفّس في رحاب "اوكسجينها" من دون ملل وهو يسكب حروفا من الطيبة والمحبة على اوراق لم تمحّ واطلالات طويلة على الشاشه لم ينسها اللبنانيون.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم