الأحد - 28 نيسان 2024

إعلان

"الفنَّ تَحَدّي الموت"

هنري زغيب
A+ A-

"هذا المكان الجامِعُنا اليوم يُجسّد أَجملَ وأَقوى وأَوسعَ جواب لمُواجهة التوتاليتاريا: جوابُ الفن".


بهذه العبارة افتتحَت رئيسة بلدية ﭘاريس آني هيدالغو أُمسية أُوركسترا ﭘاريس الفيلارمونية غداةَ حادثة "شارلي إِيبدو" قبل أَيام.
وقدمَت الأُوركسترا أُمسيتها أَمام جمهورٍ ملأَ صالة الأُوﭘرا، تعبيراً عن الإِصرار على مواصلة الحياة نبضَها العادي، وعن تحدّي ظَلاميةٍ لن تُعَتِّمَ النورَ في عيون مَن يعيشون في النور.
هذا الأَمر تَعرفه بيروت. مراراً كانت تلتئم على عمل فني كبير غَداة حدَث أَمنيّ كبير، لا تصغيراً حجمَ الحدث بل تَحدّياً الموتَ الذي يحاصر المدينة ويكرّر هجماته، والمدينةُ ترفض أن تسقُط على قدمَيه فتنشبُ على قدَمَيها وتواصل مسيرتها صوب فجر الحياة الطالع يومياً من إِرادة الحياة في شرايين أَبناء المدينة وأَبناء لبنان.
عن أَندريه مالرو (كاتب فرنسا الكبير وذاتَ فترة مُزهرةٍ وزير الثقافة في حكومة ديغول) أَنّ "الفنَّ تَحَدّي الموت". وفي سبيل ذلك أَنشَأَ في الوزارة مشاريعَ ثقافيةً ركيزيةً تَحفظ التواصُل والديمومة، ليس أَقلَّها إِنشاؤُه المتحفَ الافتراضي الذي خلّد للزمان الآتي أَعمالَ التشكيليين الفرنسيين حتى لو أَصاب أَصلياتِها تلَفٌ أَو حريق.
الأَوطانُ الكبرى (الوطنُ هنا غيرُ الدولة التي تَحكُمه) تَخْلُدُ بنتاجها الإِبداعي يُبقي تاريخَها نابضاً بأَعلامه وأَعماله. قليلون مَن يعرفون اليوم تاريخَ قصف غيرنيكا وتفاصيلَ عن حلفٍ أَلماني نازي وإِيطالي فاشي دمّر المدينة الإِسـﭙانية، لكنّ الملايين في العالم يعرفون عمَلاً واحداً كان الجواب عن رفض البربرية الفرنكُوية الفاشية: لوحة ﭘيكاسو "غيرنيكا".
وما سوى المُعَمِّقين في التاريخ يعرفون تفاصيلَ علميةً تؤَرّخ حرب طروادة، لكنّ الملايين في معظم لغات العالم يعرفون هذه الحرب عبر 24 فصلاً و15337 بيتاً من الشعر خلَّدت تلك الحرب في "إِلياذة" هوميروس.
هذان مثالان عاديان من آلافٍ تُثْبِت أَنّ الفن في الوطن: واجهةُ الوطن في حاضره وذاكرتُه لمستقبل تاريخه. والأَمثلة في التاريخ لا تُحصى، ولنا في لبنان الكثير الذي به نعتز، ونفاخر بمُبدعيه المكرَّسين.
في هذا السياق نَشُدُّ على أَيدي مَن يقدِّمون عروضهم الثقافية الراقية ومهرجاناتهم السياحية اللائقة وسْط حدَث أَو بَعد حدَث، دلالةً على نهر الحياة الذي لا يُوقفُه في لبنانَ الحياة حادثٌ ولا خطَر.
هي الثقافةُ عنوانُنا، والفكرُ طريقُنا، والإِبداعُ الفني المتنوِّعُ بَصمَتُنا بين الأَوطان.
وفيما ارتعبَت فرنسا من حادثة "شارلي إِيبدو" وهرعَت تتّخذ احتياطاتٍ تُطَمْئِنُ هلَعَ مواطنيها، اعتادَ اللبنانيون تَحدّي الهلَع وانتشالَ حياتهم من قلب الخطر الذي بات رديفاً عادياً لحياتهم اليومية.

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم