السبت - 27 نيسان 2024

إعلان

رحيل - المؤرّخ والناقد الجمالي والفنّي جوزف أبو رزق (1926- 2014) \r\nكان الأب الكشّاف الأستاذ المحرّض الرائي وكان حارساً للفن اللبناني

فيصل سلطان
رحيل - المؤرّخ والناقد الجمالي والفنّي جوزف أبو رزق (1926- 2014) \r\nكان الأب الكشّاف الأستاذ المحرّض الرائي وكان حارساً للفن اللبناني
رحيل - المؤرّخ والناقد الجمالي والفنّي جوزف أبو رزق (1926- 2014) \r\nكان الأب الكشّاف الأستاذ المحرّض الرائي وكان حارساً للفن اللبناني
A+ A-

خسرت الأوساط الفنية والأكاديمية اللبنانية الباحث والمؤرخ جوزف أبو رزق (1926 - 2014) الذي يعتبر من أبرز الوجوه الثقافية التي عايشت الحياة الفنية في لبنان، واحتضنتها، وبلورتها، وكتبت عنها، وصانتها. فهو اليد البيضاء التي صاغت حكايات معارض الربيع التي كانت تقام في الخمسينات في قصر الأونيسكو في بيروت، وخصوصاً بعد تسلمه في العام 1959 مهمات ادارة رئاسة مصلحة الشؤون الثقافية والفنون الجميلة في وزارة التربية الوطنية، بعد رحيل الشاعر فؤاد حداد (أبو الحن) الذي ساهم في تأسيس معارض الربيع.


شكل رحيل أبو الحن نتيجة الحوادث السياسية والطائفية في العام 1958 ما يشبه الصدمة لجوزف أبو رزق، لذا اعتبر الفلسفة مدخلاً لملء الفراغ الوجودي عبر علاقات وصداقات وحوارات مع الفنانين راح يبني معالمها. ناضل في بداية مسيرته الادارية من اجل تحريض الفنانين على المطالبة بتنفيذ وصية نقولا ابرهيم سرسق بتحويل قصره الى متحف، ولاسيما ان الرئيس كميل شمعون الذي انتهت ولايته كان قد استخدمه كقصر للضيافة. سعى جوزف أبو رزق بالتعاون مع جمعية الفنانين اللبنانيين للرسم والنحت الى إحداث نقلة نوعية في المناسبات الفنية التي أشرفت على تنظيمها مصلحة الشؤون الثقافية والفنية في وزارة التربية ولا سيما بعد تشجيعه الفنان سعيد أ. عقل على الدخول في هيكلية العاملين في مصلحة الشؤون الثقافية، من خلال دعوته الفنانين اللبنانيين للمشاركة في المعارض الدولية، بينال الاسكندرية وبينال باريس وبينال البندقية، بالتعاون مع المراكز الثقافية الاجنبية العاملة في بيروت.
في مرحلة الستينات (1960- 1968) ساهم جوزف ابو رزق في تنظيم معارض للفن اللبناني في الخارج وتأمين المنح الدراسية لعدد من الفنانين. كان يبحث عن ضفاف جديدة للحداثة، تكمل اقتناعاته الفلسفية التي احتواها كتابه الأول الذي صدر في العام 1957 بالفرنسية بعنوان "بحثا عن قيم جديدة". فهو ينتمي الى جيل من المثقفين الاحرار المشغوفين بكتابة محطات من مستقبل وطن قيد النمو. وهو من المثقفين الشبان القادمين من مدرسة الحكمة ومدرسة الآداب الفرنسية والأكاديمية اللبنانية. وهذا ما تجلى في كتاباته ونظرياته الجمالية التي تبحث في ماهية الفن وعلاقته بالانسان وارتباطه بالمجتمع والوجود. دافع جوزف أبو رزق عن الفن الذي "يبقى مرتبطا بالانسان"، "لأن أهم ما يسعى اليه الانسان هو الوجود والاستمرار في هذا الوجود"، ولـ"ان الغاية من الفن لم تكن في البدء غاية جمالية، بل غاية وجودية تحولت مع استقرار الانسان في وجوده الى غاية جمالية، وأضحى الفن هو البديل الوحيد من الدين والقوميات والطبقية، وغير ذلك من صيغ التفاعل الشعوري".
يقول جوزف أبو رزق في الكتاب الذي أعده للأونيسكو بعنوان "السياسة الثقافية في لبنان" وصدر عن منظمة الامم المتحدة للتربية والعلم والثقافة في العام 1981: "ليس من سياسة ثقافية في لبنان بالرغم من ان الثقافة تشكل واقعا لا يمكن انكاره في هذا البلد. هذا ما جاء في تقرير لأحد الخبراء الذي لم يتردد في الاعتراف بأن هذا الواقع الثقافي هو الذي يؤمن لحمة الشعب اللبناني ويقيه شر التمزق الذي يتعرض له من جراء تعدد طوائفه ولغاته والانظمة التي ترعى أحواله الشخصية. ولما كان لا يعقل الا يستند هذا الواقع الى اية رؤية سياسية ولو غير معلنة، فسنحاول أن نكتشف المبادئ التي هي اساس هذه الرؤية علنا نقف على حقيقة هذه الحكمة المستترة التي تسير الشعب اللبناني وتقوده في السبل التي تضمن استقراره واستمراره".
في رأينا – يقول أبو رزق – "ان المبادئ التي ترتكز عليها السياسة الثقافية في لبنان هي الآتية: أولا – يعتبر لبنان ان الثقافة تتصل بمتطلبات الانسان الوجودية لا بمتطلباته الحياتية. ثانيا – يعتبر لبنان ان الثقافة لا يمكن ان تبلغ غايتها الا اذا عبّرت بصورة كاملة عما يحس به افراد المجتمع من قلق مصيري او من غبطة وجودية". ومن هنا ايمانه بأن "الثقافة كالحرية تنبع من القاعدة وان كل تدخل مباشر في شأنها من السلطة يجب الا يتجاوز حد تمكينها من الانطلاق والنمو وفقا لديناميكيتها الخاصة"، "ثالثا- يعتبر لبنان ان العلاقات الانسانية هي أساس الوجود. هي علاقات متطورة منفتحة. أي أن الانسان يميل بطبعه الى توسيع شبكة اتصالاته بالاخرين، ايا كانوا، شرط ان تتوافر له امكانات اجراء هذه الاتصالات". ومن هنا ايمانه بأن "تعدد الانتماءات الروحية لا يشكل عقبة في طريق التآلف الانساني، وان أفضل حل لتحقيق هذا التآلف هو في التلاقي على صيغة ثقافية نابعة من جوهر الانسان".
آمن جوزف ابو رزق بقدرات الفنان اللبناني وبإنجازاته، لذا ناضل مع رفاق دربه نقولا النمار، جان خليفة، سعيد أ. عقل ومنير نجم في تحولات السياسة الثقافية التي يصنعها افراد. كان له دور كبير في تأسيس معهد الفنون في الجامعة اللبنانية في العام 1965. كما كان من أوائل الأكاديميين الذين أوجدوا علاقات متينة ما بين المفاهيم الفنية المحدثة والفلسفة الجمالية في اطارها الوجودي. لذا كتب مجموعة من الابحاث التي تناولت أعمال الفنانين الرواد. وقد روى لي عارف الريس ان الكتاب الاول الذي صدر عن الفن اللبناني في العام 1956 باللغة العربية عن منشورات قسم الفنون في وزارة التربية الوطنية والفنون الجميلة لصلاح كامل، هو في الحقيقة يحمل في طياته بعض جهود جوزف أبو رزق الثقافية الذي كان يقدم مساعدات خفية لصهره. تلك الجهود التي تصاعدت "كقطبة مخفية" في صوغ بعض محطات المشهد الفني الذي تصاعد في مرحلة الستينات وهو ايضا اليد البيضاء التي حافظت على النتاج الفني اللبناني في مرحلة التصدعات الكبرى التي اعقبت سنوات الحرب، في الاخص في مطلع التسعينات حين اوكل اليه وزير الثقافة ميشال اده مهمة الاشراف على نجدة ما تبقى من المكتبة الوطنية ونجدة المجموعات الفنية التي اصبحت في عهدة وزارة الثقافة.
اللافت ان جوزف ابو رزق أصدر أكثر من كتاب عن اتجاهات الفن في لبنان وحياة بعض الفنانين الرواد والمحدثين كان ابرزها كتاب "Regard sur la peinture au Liban"، فقد بقي حتى اواخر ايامه منفتحا على المشهد الفني واضعا نفسه في قلب مجرياته ومرايا تحولاته. لعب دور المشجع من دون غاية والمحب من دون مقابل والزائر من دون وسيط، كما لعب حتى الثمالة دور الاستاذ الاكاديمي المتفاني والباحث الذي لا تفوته شاردة والفيلسوف المتواضع الذي لا تهمه سوى دلالات الهوية اللبنانية والوانها الحضارية.

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم