الأحد - 28 نيسان 2024

إعلان

سميح شقير، صوت سوريا المدني في مواجهة النظام و"داعش"

المصدر: "النهار"
فاطمة عبدالله
A+ A-

هل بات صعباً استحضار صوت الحراك المدني من صلب الواقع السوري الحالي، وهل أمسى مركَّباً قائماً في ذاته، مُنفصلاً عن العنف ومتعالياً على الموت؟ بلغت مأسوية الفعل الثوري من الدرجات حداً صعَّب تلقف الجانب السلمي فيها، والإشادة به، لتداخل الوحشية بالنيات الطيبة، والعنف باطروحات الحرية وشروط التغيير الديموقراطي. نحمل الى سميح شقير هَمّ الصوت المدني ومسؤولية ضخّ الحياة فيه، ونسأله، حيث هو في فرنسا، عن حضور الفن في المزاج المُعارِض سورياً، وسط العسكرة الإسلاموية وثنائية البطش النظامي- الداعشي، وأي حضور باقٍ للمعارضة المدنية، أم أنّ لا صوت يعلو فوق صوت سلاح القتل؟


* أين الحال الثورية اليوم؟ المظهر الثوري في ظلّ أممٍ تحارب على الأرض، وأمام جسامة أعداد الضحايا؟


- في ظاهر الأمور، قد يبدو أن الثورة غائبة عن المشهد نتيجة غياب التظاهر والأشكال المختلفة من مظاهر الحراك المدني ورفض الاستبداد عبر وسائل التعبير المختلفة، وذلك بسبب التحول الى واقع حربي شامل وواقع البطش لكل حراك مدني. إلا انني أعتقد أنّ روح الثورة كامنة خلف هذا كله. الثورة غيّرت السوري، عرفته أكثر الى نفسه ورفعت سقوف التعبير لديه، ووفرت مناخاً مختلفاً لفهم الذات والتعامل مع الواقع، وأعادت الاعتبار الى دور الفرد في مجتمعه. إن ضمور تجليات هذا الواقع الجديد نتيجة العنف لا ينفي وجودها الكامن والمستتر. الثورة موجودة ولم تذهب الى العدم.


* وفي الضمور الثوري، خيبة مضمرة أيضاً. ماذا عن الخيبة وهي تطاول الفنان/ المثقف؟


- مفردة الخيبة ما عادت تعبّر عن عمق المأساة، إذ تمرّ سوريا بحالة استثنائية في تاريخ الصراع البشري. ثمة ما هو أشدّ وطأة من الخيبة. شيءٌ يفوق قدرة المرء على تحمّل الألم. كوارث متداخلة في حال تفجُّر، تنعكس على إنسان المنطقة مُتسببةً بتهجيره وتشريده ووضعه أسير العنف. أشكال العنف المختلفة تركت آثاراً يصعب محوها عند كل الناس، وشكلت امتحاناً قاسياً للمثقف لجهة قدرته على مواكبة آلام شعبه أو الانحياز لحق الشعب برفض الاستبداد والإرهاب من حيث ما أتى، إن كان من جهة النظام أو من جهة الجماعات الإسلامية المتشددة.


* من نتاج اليأس الثوري، ولادة ردّ الفعل المسلّح. المعارضة المدنية نفسها تغاضت عن لحظة تحوُّل الثورة حرباً كارثية. لعلّ المقاربة كانت خاطئة، والمعارضة بالغت في أسطرة الحراك...


- كان اصرار الثوار على سلمية الثورة في بداياتها كبيراً، لكنّ النظام بذل كل ما يستطيع للدفع في اتجاه العسكرة، مستخدماً الحد الأقصى من البطش. الذي جرى أنّ قوى إقليمية عدة دخلت على الخط وموّلت تشكيل كتائب ذات خطاب إسلامي مختلف في أهدافه عن أهداف الثورة. ولا بدّ من الإقرار بأنّ المعارضة التي تشكلت بعد أشهر من بدء الثورة قد أخطأت في العديد من المفاصل وقدّمت أداءً ركيكاً لا يشبه عظمة هذه الثورة، فأذعنت لانفعال الشارع منقادة وراء عصبيته، بدل أن تقوده. وكان همّها أن يمنحها هذا الشارع الشرعية أكثر من اهتمامها بأن تكون بوصلة له. نحن السوريين نواجه اليوم شكلين من الاستبداد: بطش النظام ووحشية القوى الظلامية الصاعدة.


* الكلمة للسلاح إذاً...


- إنّ الأصوات المعبّرة عن الحراك الثوري المدني موجودة، وإن يكن صداها خفيضاً في حضرة قعقعة السلاح، وفي ظلال المجازر، بالإضافة الى أننا نخشى من أن يتخللها أي نوع من المزايدة على ظروف الناس وحاجتهم المحقة الى البقاء أحياء. أنا مثلاً، أتفادى رفع السقف بما يتجاوز سقوف الناس وقدرتهم على التحمُّل. كما ينبغي الانتباه الى تجنّب طرح أفكار وبرامج غير قابلة للتطبيق، أو مبادرات ميتة أساساً، وعلينا أن نستنبط من الناس في الداخل مفاتيح اللحظة الآتية. إنها المأساة مرة أخرى. ما يريده السوري هو النجاة من العنف الحربي، وأيضاً أن يجد ما يأكله. بداية يجب أن يتوقف القتل.


* إن تطرّقنا الى إنتاجك الثوري، ممثلاً بأغنيات تُحاكي الحراك، نجده قليلاً مقارنة بثقل الفجيعة السورية...


- أنجزتُ نحواً من 11 أغنية تُحاكي الثورة، وتتحدث عنها، لكنها لم تنتشر كما "يا حيف". "يا حيف"، أكثر من أغنية لتقاطعها مع الزمان والظرف. كانت لحظة مباغتة آزرت الشعب في مواجهة انتصاره لحرّيته. لستُ أعني أن الأغنيات الثورية الأخرى تقلّ عنها شكلاً وموضوعاً، لكنها مختلفة في ما يخصّ الزمن والظرف والمتابعة. كذلك الاعتماد على الجهد الفردي له قدرة محدودة في اظهار النتاج وتوصيله، وسط غياب تام لأي إسناد من أي جهة تكترث للمنحى الثقافي وتعزيزه، على الرغم مما دللت عليه مجريات الثورة من حيث الأهمية البالغة للأعمال الفنية والثقافية، لا سيما تلك التي جسّدت المعنى العميق لانتفاضة الوعي السوري في وجه الاستبداد.


* هل تجد نفسك مقصِّراً؟


- لا أدري إن كان في إمكاني فعل المزيد. لقد حاولت قدر استطاعتي بالكلمة والموقف أن أكون الى جانب من هتفوا لحرية وكرامة يستحقونهما، وحاولت بأدواتي الفنية أن أعبّر عن أحلامهم وأحتفي بحراكهم، إذ طالما حلمت وعملت من أجل التغيير، وأغنياتي الثورية موجودة منذ الثمانينات ومستمرة حتى اليوم.


* بُعدكَ من سوريا، تركك أقل تماساً مع حدث مشتعل؟ أخبرني عن العلاقة بالمكان السوري من عُمق المنفى، وتأثير المسافة في البحث عن قراءة موضوعية...


- غادرتُ سوريا قبل بدء الحراك، بعد اختناق طالني كفنان وإنسان. أردتُ من خلال هذا الابتعاد الخروج من سيطرة النظام الذي كان يضيّق عليّ، ولأكون قريباً من الناس بنتاج من أغانٍ وموسيقى تتحدث عنهم وترسم أحلامهم. حرصي على علاقتي بالمكان قديمة، إذ كنتُ أسافر كثيراً، لكني أعود دائماً لرغبتي في المساهمة بجعل حلم التغيير حقيقة. ولكن هناك مَن يرى أنّ مغادرة الأوطان تعني بالضرورة ذوبان الصلة بها، أنا أرى أنه كلام ساذج، فالمرء حين يغادر، يحمل الوطن معه. في وجدانه وضميره. ويبقى صلب اهتمامه بما يجري هناك. فكرة الغياب عن الهناك، مُعذِّبة، لكن للظرف موجبات. نحوٌ من نصف الشعب السوري مهجر أو مشرّد اليوم. أتمنّى لو أني في سوريا، لكن ذلك صعب الآن. ثم إنّ القرب من الوطن والبُعد منه ليسا رهن الجسد. هناك الاغتراب داخل الوطن الذي أظنه أقسى أنواع الاغتراب. إننا اليوم في حال بحثٍ عن وجود. الوجودية السورية في ذاتها تحت الخطر، وهذا يشعر به مَن في الداخل والخارج معاً.


* ما موقفك حيال غارات التحالف الدولي والمسعى الغربي في مواجهة الإرهاب؟


- للحال السورية تأثير في العالم بأسره. والوضع في سوريا منذ زمن لم يعد حدثاً داخلياً فحسب، ثمة مسؤولية أخلاقية وعملية على العالم أن يتحمّلها لوقف تدمير الإنسان والبلد وانتشار الإرهاب بشكليه النظامي والمتطرِّف دينياً. أؤيد التدخل من أجل هذه الغايات، ولكن غارات التحالف الدولي تثير عدداً من علامات الاستفهام. المُعلَن: القضاء على الإرهاب، أما النيات، فلا تبدو جدّية. التحالف الدولي ضد الإرهاب ضرورة، شريطة عدم تحوّله بازاراً وذرائع لأطماع الدول. القضاء على الإرهاب عنوان جميل لم يرقَ الى الجدّ بعد.


* ما يشغل سلم الأوليات اليوم، الفن أم السلاح أم أي شيء آخر؟


- لا أرى الأمر على هذا النحو، لأني أجد أنّ لكل فاعلية مكانها وأوانها، بل وبينما نحن كمجتمع نواجه كل هذه التحديات، أرى أنّ العمل يجب أن يكون متوازياً في القطاعات كافة، ومن جميع القوى ذات التأثير. فللفن والثقافة دورٌ، وللمواجهة دورٌ، وللصانع والزارع والمسعف دورٌ. إذاً، فالمجتمع يوزّع قدراته ويعمل على أنساق عدة، وليس على قاعدة أولاً - ثانياً... لكني أودّ أن أضيف بأن أبرز المكونات الناقصة في المشهد السياسي السوري اليوم هي غياب من يعبّر عن الحراك الثوري المدني الذي كان أصل هذه الثورة ومنطلقها، والذي يضم، في رأيي، غالبية الشعب السوري.


 


[[video source=youtube id=lQ3N2KucjIY]]


 


[email protected]


Twitter: @abdallah_fatima

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم