السبت - 27 نيسان 2024

إعلان

هل كان الموت محتماً على الطفل المشوه في طرابلس؟

سلوى أبو شقرا
A+ A-

أثارت صورة طفل ولد بتشوه خلقي في مستشفى السلام في طرابلس، ضجَّة إعلامية بين الرأي العام والطاقم الطبي. فالطفل الذي يعاني من خلل توفي بعد 24 ساعة من ولادته. ما طرح أسئلة عدَّة حول كيفية ولادة جنين مشوَّه؟ وما هي الأسباب المتعلقة بهذا التشوه؟


العِلم لم يتوصل لحل
تشير دكتورة الجراحة النسائية والعقم في مستشفى السلام أمل يوسف الشربجي إلى أنَّ "ولادة أي جنين يعاني من خلل يمكن التنبؤ به من خلال صورة صوتية تجرى للوالدة خلال الأشهر الأولى من حملها. ويرتبط الخلل بأسباب جرثومية، أو جراء تلوث في الهواء والمياه، أو نتيجة خلل كروموسومي لا سبب له". ومن باب الوقاية تؤكد الدكتورة الشربجي أنَّه "من الخطأ تناول دواء أسيد فوليك الذي كان يتمَّ وصفه منذ القِدم. إذ يعتمد الأطباء اليوم دواءً أساسياً هو الـ Vita DHA الذي يساعد في تفادي ولادة طفل يعاني من خلل جيني إلا أنه لا يمنعه". وتلفت الشربجي إلى أنَّ "الحال التي تمَّ تداولها في الإعلام أو بعض مواقع التواصل الاجتماعي، كانت الوالدة فيها على علم بأن جنينها يعاني من حال تشوه وعليها إجهاضه بعد أن أخبرتها طبيبتها المعالجة بالأمر، فقصدتني للتأكد من ذلك، وكانت جاهزة نفسياً لواقع مفاده أن الجنين غير قابل للحياة، وهي امرأة صحتها جيدة وقد أنجبت مسبقاً ولدين طبيعيين".
وتؤكد الشربجي أنَّ "الخلل الجيني يكمن على مستوى الكروموسومات التي لم يتوصل العلم حتى اليوم إلى تحديده بعد". مشددة على أنَّ "وجود جنين داخل الرحم يعاني من تشوه يسبب التهابات في الدم للأم ويحدث لديها ما يعرف بالـ"اشتراكات". لذا، ينصح بالإجهاض من خلال عملية قيصرية، يليه خضوع الوالدة لعلاج يتطلَّب مدَّة زمنية، أقلّها عام، كي تتمكن من إنجاب أولاد أصحاء لاحقاً".
وعن إمكان تفادي إصابة الجنين بأي تشوُّه، تشير الشربجي إلى أنَّ "الأم التي تلد جنيناً مشوَّهاً ليس من الضروري أن تكون حالها الصحية سيئة، بل على العكس. لكن يبقى الأفضل الوقاية من خلال القيام بفحص طبي شامل قبل الحمل، ثم تناول دواء مثل الـ Vita DHA الذي يحمي جهاز المناعة. ويتطلب على الأم تناوله قبل 3 أشهر من الحمل، وطوال مدة الحمل ما يخفف من نسبة حدوث تشوهات بنسبة 70% لدى الجنين".


 


الأنبوب العصبي هو السبب!
من جهته، يفسِّر الدكتور عماد الشهال، الاختصاصي في جراحة الدماغ والأعصاب وجود "أنبوب اسمه الأنبوب العصبي الذي يتكون خلال الأشهر الثلاثة الأولى من الحمل، ويتأسس من خلاله الدماغ والنخاع الشوكي والأعصاب. ويبرز الخلل عندما يكون هذا الأنبوب الجيني ناقصاً، ما ينتج منه تشوه خلقي في الجمجمة التي يصبح شكلها غير طبيعي. وأحياناً لا تتكوَّن الجمجمة بحد ذاتها بالكامل أو لا تلتحم ما يخلق تشوهات في الوجه". ويلفت الدكتور الشهال إلى أنَّ "أسباب عدم نمو الأنبوب العصبي يرجع إلى التهاب في الرحم، أو نقص في الفيتامينات داخل جسم الأم، أو جراء تشوّه كروموسومي. كما يؤدي عدم اكتمال تكوين الأنبوب العصبي إلى تجمع مياه في رأسه أو يولد الطفل برأس كبير. وتبرز مشاكل أخرى بعد مرور 3 أشهر على الحمل مثل الجلطة الدماغية الناتجة من التفاف حبل الخلاص حول رقبة الجنين، إلى جانب وجود عوامل وراثية".


 


الخلل وأنواعه
إذاً ممن الخلل؟ بحسب الدكتور الشهال "الخلل الجيني لدى الجنين مصدره الأم والأب على حد سواء، واختلاط كروموسوماتهما ببعضهما البعض، ما يشير إلى أنَّ الخلل وراثي. واحتمال إنجاب جنين يعاني من خلل أو تشوه خلقي بنسبة أعلى يكون لدى المرأة التي تحمل بعد سن الـ 40 أو لدى الرجل بعد سن الـ 60 من غيرهم من الأزواج. الأسباب هنا، إذاً، ترتبط بالوراثة والعمر. وأحياناً تبرز تحولات جينية مفاجئة، إلاَّ أنَّ هذه التحولات غالباً ما تكون نادرة". ويتابع قائلاً: "إن أنواع الخلل مختلفة ولا تشبه بعضها. فمن الممكن أن يختل الأنبوب العصبي جزئياً في شكل بسيط أو قوي بحسب الخلل الجيني. فهناك أطفال يولدون وتكون أجزاء من دماغهم ناقصة. فمن لديهم نقص يعيشون بضعة أيام ثم يموتون بسبب هذا الخلل الجيني القوي. وفي حالات أخرى يكون الجنين معانياً من خلل معين كأن يُقفل الأنبوب العصبي أسفل الظهر ما ينتج منه شلل. إلاَّ أن هذا الخلل يبقي الطفل على قيد الحياة. كما أنَّ هناك أنواعاً أخرى من الخلل، مثل معاناة الجنين من مشكلات في الدماغ حيث يقفل مجرى المياه في الدماغ، إلى جانب تشوهات في الجمجمة أو الوجه، مثلاً، في شكل العينين أو الفم أو الأنف، وفي هذه الحال يبقى الجنين على قيد الحياة ويخضع لعلاج أو عمليات جراحية. إضافة إلى كل ما سبق ذكره، يبرز خلل في الخلايا العصبية، بحيث لا تعمل هذه الخلايا بشكل صحيح ما ينتج منها تأخر في النمو أو تراجع في معدل الذكاء، أو نقص بالوصلات العصبية المسؤولة عن الحركة أو الإحساس. وهذا الخلل يسمح للجنين بأن يعيش، ولكن مع قدرة ضعيفة على النمو".


 


الصورة الصوتية والعملية الجراحية
وفي شأن الجنين الضفدع الذي ولد في لبنان منذ أيام وتوفي على الفور، يقول الدكتور الشهال: "إنَّ الحال التي حصلت في لبنان تناولت ولادة جنين تم تشبيهه بالـ "ضفدع"، في هذه الحال كان دماغ الجنين غر مكتمل، ولم يكن بالإمكان إجراء أية عملية جراحية. فالجهاز العصبي مختلف عن القلب، خصوصاً الجهاز المركزي مثل الدماغ والنخاع الشوكي الذي لا يمكن أن يتغير أو يتبدل أو يصحح، لأنه معقد. ولا يمكن استبدال دماغ بآخر، لأن هناك ملايين الوصلات العصبية الكهربائية الميكروسكوبية التي يجب وصلها بشكل صحيح ودقيق. وهكذا عمليات لم تحصل بعد في دول العالم ومن الصعب أن تحصل".
لكن متى يرى الأطباء من خلال الصورة الصوتية نقصاً في جسم الجنين، ألا يمكن الأم أن تأخذ أدوية كي ينمو هذا الجنين في الرحم؟ يجيب: "كلا، إذا كان الدماغ غير موجود لا علاج، لا يمكن أن نتكلم عن علاج. ولكن ينصح على المرأة الحامل في الشهور الأولى من الحمل أن تقوم بصور صوتية تفحص الجهاز العصبي للجنين للتأكد من أنه مكتمل. أما في حال كان مجرى المياه في الدماغ مفصولاً، فهذا الخلل صار من الممكن تصحيحه عبر إجراء جراحة للجنين داخل الرحم وهذا الأمر حصل في الولايات المتحدة الأميركية. وهناك عمليات نادرة للجنين داخل الرحم لفتح مجرى مائي مقفل".
لكن هل من عمليات جراحية بعد الولادة؟ يلفت الشهال إلى أنه "بعد ولادة الجنين تكون وظيفة جراحة الأعصاب تحسين شكل الولد أو دماغه كي يكون أقرب للحال الطبيعية. فهناك أناس يعانون من مشاكل بسيطة بحاجة مثلاً لجهاز "شانت"، آخرون يعانون من مشاكل في نمو الجمجمة يكون علاجها سهلاً وبسيطاً".


 


بين معاناة الأم والجنين
ولكن من الممكن للأم أن تأخذ احتياطاتها في الأشهر الأولى من الحمل كي تتفادى أي تشوه خلقي أو جيني لدى الجنين. لذا، "فمن تنوي الإنجاب يجب أن تمتنع عن تناول ما يؤثر في الجنين، مثل أنواع أدوية معينة قد تكون خطرة على الجنين في حال تناولتها، وأن تمتنع عن شرب الكحول، والتدخين، أي أن تتوقف عن التدخين أو أن تبتعد عن المدخنين، إذ إن استنشاق الدخان يؤثر في نمو الولد. كما عليها الابتعاد عن الصور الشعاعية لما لها من انعكاس خطر على الجنين. ومن تنوي الحمل يجب أن تهتم بجسمها وصحتها وأن تتغذى جيداً وأن تتناول فيتامينات غذائية التي تساعد على نمو جنين صحيح إلا أنه أحياناً رغم الوقاية يحصل خلل. وهنا الأمر ليس باليد"، بحسب ما يفيد الشهال. وهنا يقف الأهل موقفاً صعباً، حيث يجب عليهم أن يقرروا إما إنجاب جنين والتعايش مع حاله، وإما إجهاضه. وحول هذه النقطة يلفت الشهال إلى أنَّ "قرار الإجهاض رغم أنه محرم إلاَّ أنه في بعض الحالات جائز، ويجب أن يحصل قبل الشهر الثالث خصوصاً في الحالات الوخيمة، كمعاناة الجنين من نقص دماغي أو أي خلل يصعب علاجه. وهنا، لا بدَّ أن تسأل المرأة نفسها "ماذا علي أن أفعل؟"، وسيكون قرارها صعباً وشخصياً جداً. فمنهنَّ من يقبلنَ الاستمرار في الحمل وإنجاب طفل مشوه والاهتمام به لسنين طوال، ومنهنَّ من يفضِّلن الإجهاض رأفة بالجنين".


 


 


 

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم