السبت - 27 نيسان 2024

إعلان

الصراع في العراق.. استحضار الموروث الديني بالقوة

المصدر: "النهار"
علي منتش
A+ A-

فرضت الأحداث في الساحة العراقية نفسها على الساحات الطائفية في العالم العربي، وخاصة بعد بروز قدرة هذه الاحداث على تكريس الشرخ الحاصل أصلاً بين سنة وشيعة، اذ استحضرت الموروثات الدينية التي اقحمت في صلب المعركة، وقد ساهم في ذلك تاريخ العراق الحافل بالحساسيات لدى الطائفتين، اضافة الى انخراط المرجعيات الدينية بالدعوة الى القتال (الجهاد).


ليس صعباً على من يتابع مواقع التواصل الاجتماعي ملاحظة الاتجاه الذي تأخذه المعركة، فبعض السُنة يتحدثون "عن استعادة حقّ، واعادة الخلافة الى عاصمتها التي اصبح الشيعة حكامها منذ سنوات"، وهناك شيعة، يتحدثون "عن كربلاء، وعن ان الحسين اليوم يملك اكثر من سبعين مناصراً"، وأكثر من ذلك يستحضرون معركة ظهور الامام المهدي المنتظر، وغيرها من الموروثات.
يتحدث الاستاذ في المعهد الشرعي الاسلامي الشيخ محمد ضيا عن المأزق الذي يعيشه العالم العربي. مأزق الهوية، المأزق الحضاري، بعد ما شهدته المنطقة العربية من انظمة قمع فور ظهور الدولة القومية. وفي رأيه، فان هذه الانظمة لم تقدم للمواطن العربي اي معرفة تمكنه من امتلاك قيم الحداثة، التي منها قيم المواطنة، "الامر الذي استدرج المجتمعات نحو الاصوليات، لعلها تأتي بامجاد غابرة".
ليس مستغرباً، في رأي ضيا ما يحصل من تشويه للواقع الاسلامي، او الاصح للاسلام، فكثيرة هي الصور التي نقلت عن الاسلام وشوهته، لكن الفرق ان التجاوزات كانت في السابق تحصل باسم السلطة السياسية (الاسلامية)، اما اليوم فلا سلطة سياسية اسلامية بل بعض المجموعات، "التي تتمثل بمن سبق، وهذا يعني ان تمثلها صحيح الى حدّ ما، لكن التشويه جرى بعد وفاة الرسول، اذ اخذت مشروعية الاسلام الى الممارسات السياسية".
ويرى ضيا انه من الطبيعي ان يرفع شأن المعارك ذات الطابع الاسلامي من خلال صبغها بصباغ مقدس، قائلاً:"ان اضفاء هذه القداسة يهدف الى زيادة الحماسة لدى اتباع الاديان واعطاء مشروعية اكبر لهذا الصراع لما له من اهمية دينية، وهذا بعيدا عن احقية هذا الطرف او ذاك في الصراع، حتى انه في الحروب الصليبية، استعمل مصطلح الحرب المقدسة رغم ان المسيحية بعيدة كل البعد عن هذه الافكار".
ووفق ضيا، فان ذهاب السواد الاعظم من الناس الى فكرة تقديس المعركة، امر محسوم، "فالغالبية ليس لديها رؤية استراتيجية للحروب، لكن عندما يكون هناك قرار كبير، وخاصة في هذه المرحلة التي يوجد فيها هذا الكم من وسائل التواصل والاتصال يمكن التخفيف من حدة طائفية الحرب، اي بالسرعة التي تمت تطييف المجتمع يمكن اعادة تمدين نظامه من خلال بث اعلامي موجه في هذا الاتجاه".


سنوات الشحن


بدوره، يرى مدير الاوقاف في دار الفتوى الشيخ هشام خليفة ان الذي يحدث اليوم من استحضار الموروث الديني لدى الطوائف "ليس وليد اليوم، بل هو نتيجة سنوات من الشحن المذهبي والعصبي، ولقد ساهم في ذلك الكثير من وسائل الاعلام في المنطقة التابعة لكلا الطرفين".
ويضيف: "فعليا لا علاقة للدين بالصراع الحاصل، لكن يمكننا تسمية ما يحصل بالجهاد السياسي، باعتبار ان هناك من يستغل الدين ويوظفه في القضايا السياسية، و من المفترض على العلماء ان ينأوا بأنفسهم عن الصراع الحاصل وعدم اعطائه مشروعية دينية، تؤدي الى ظواهر الارهاب التي تشمل اطراف النزاع كافة".
ويعتبر خليفة ان "المحرك الرئيسي للازمات ليس العامل الديني او الطائفي، وتاليا من يتحمل المسؤولية هو من يسعى الى صبغ النزاعات بصباغ طائفي، وخاصة ان عامة الشعب تؤخذ بالكلام، وهذا يعني ان من ينطق بكلمة التحريض هو المسؤول عمّا يحصل".
ويعتقد خليفة انه "من الممكن ان نصل الى تخفيف هذا الشحن، واكبر دليل على ذلك ما حصل في لبنان، اذ كانت الازمة المذهبية قد وصلت الى درجة الانفجار، لكن التفاهم السياسي اعاد الساحة اللبنانية الى التهدئة، ولم يسمح بالوصول الى المهوار، وهذا ما يمكن حصوله بالعراق، اي عندما تتفق الدول الاقليمية في السياسة فهذا سينعكس على الاحتقان المذهبي حتماً".
ويشير الى ان "هناك اصابع لاعداء الامة بما يحصل في المنطقة، وخاصة العدو الاسرائيلي، وكم نكون اغبياء اذا ساعدنا اعداءنا على تدميرنا".
ويؤكد خليفة ان "الخلفيات الغيبية الموروثة عند السنة والشيعة تقول بحصول نزاعات في المنطقة، وذلك استناداً الى احاديث للرسول، ووفق هذه الغيبيات فان التوترات والحروب في المنطقة ستستمر رغم وجود فترات هدوء، وعلينا ان نستغل فترة الهدوء والعمل لتكريسها".

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم