الثلاثاء - 14 أيار 2024

إعلان

الإعلام الغربيّ يتعاطف مع اللبنانيّين... ويذمّ حكّامهم

المصدر: "النهار"
جورج عيسى
الإعلام الغربيّ يتعاطف مع اللبنانيّين... ويذمّ حكّامهم
الإعلام الغربيّ يتعاطف مع اللبنانيّين... ويذمّ حكّامهم
A+ A-

هذا السؤال البديهيّ طرحه القسم الأكبر من الشعب اللبنانيّ مساء الرابع من آب. لكنّه برز أيضاً في مجلّة "إيكونوميست" البريطانيّة في نسخة 8 آب. لم تكن هذه المجلّة وحدها التي حملت الأسئلة والهواجس اللبنانيّة إلى قرّائها حول العالم.

غرق في الأوهام

لقد أبدى جزء كبير من الإعلام الغربيّ تعاطفه مع الشعب اللبنانيّ عقب رؤيته مشاهد الدمار الهائل التي خلّفها انفجار مرفأ بيروت. لكنّه لم يكتفِ بذلك. ذهب قسم واسع منه إلى صبّ جام غضبه على المسؤولين اللبنانيّين، إلى درجة يظنّ معها المراقبون أنّ هؤلاء الإعلاميّين يعانون تماماً من الإهمال والتقصير الذي يعاني منه اللبنانيّون على يد السلطات المتعاقبة. فإلى جانب استحضارهم مفردات الذمّ بشكل متكرّر، دعا بضعهم حكوماته إلى عدم إرسال المساعدات عبر الحكومة اللبنانيّة.

"إنّها النوع نفسه الذي لا يستطيع التوافق على موازنة طوال 11 سنة"، أجابت "إيكونوميست" على سؤالها. وتتابع أنّها النوع نفسه الذي يوافق على سياسات مصرف لبنان بالربط "غير الواقعيّ" للعملة الوطنيّة بالدولار. وأكثر من ذلك، "إنّها النوع الواهم جدّاً إلى درجة أنّها تعتمد على المساعدات، القروض والتحويلات، منفقة أكثر بكثير ممّا تجمعه من ضرائب".

باتت الآليّة الاعتباطيّة لممارسة السلطة في لبنان مكشوفة أمام الصحافة العالميّة. فكيف الأمر بالنسبة إلى صندوق النقد الدوليّ الذي كان يفاوض الحكومة الحاليّة من أجل إعطائها بعض القروض لإخراجها من الأزمة الاقتصاديّة.

وفي هذه الأثناء، قال رئيس الجمهوريّة العماد ميشال عون إنّ الانفجار "كسر الحصار". بصرف النظر عن أنّ ما كان يتعرّض له لبنان هو "مقاطعة" عربيّة ودوليّة وليس "حصاراً"، فإنّ الفاجعة أظهرت مدى عقم الائتلاف الحكوميّ واستهتاره بالأسس المبدئيّة للسلامة العامّة. ولا تزال المساعدات الآتية إلى لبنان هي لمحاولة إنقاذه من هول الانفجار لا لمساعدة اقتصاده على النهوض.


"أسوأ عدوّ" و "أسوأ كوابيس" الشعب

بحسب شبكة "دي دبليو" الألمانيّة، "لم يكن بإمكان أحد تخيّل اللّاكفاءة القاتلة للحكومة الفاسدة في بيروت – قبل اليوم". وتشرح الكاتبة السياسيّة ديانا هُدَلي أنّ غياب الكفاءة هذا تخطّى "أسوأ كوابيس" الشعب. وسردت في الشبكة نفسها كيف تنصّل السياسيّون اللبنانيّون من مسؤوليّة تخزين موادّ متفجّرة في المرفأ بالقرب من سكن وأماكن عمل كثر وسط العاصمة.

وتطرّقت إلى مشاكل أخرى كانقطاع التيّار الكهربائيّ وتكدّس النفايات وصولاً إلى اندلاع الحرائق في تشرين الأوّل 2019 والتي لم تستطع المروحيّات إطفاءها "لأنّ أحداً ما نسي صيانتها وتعبئتها بالوقود". هدلي التي وصفت الحكومة بأنّها "أسوأ عدوّ" للبنان، طالبت بتحقيق دوليّ لأنّ من تركوا المواد المتفجّرة مخزّنة ستّ سنوات في المرفأ غير أهل لهذا التحقيق.

لا تؤيّد السلطة الحاليّة إجراء تحقيق دوليّ في انفجار المرفأ خوفاً من "تضييع الحقيقة". ربّما لأن لا مكان للحقيقة خارج أروقة الأوليغارشيا اللبنانيّة. لم تأخذ السلطة بالحسبان سؤال أهالي الشهداء والجرحى وأكثر من 300 ألف متضرّر عن رأيهم في الموضوع. ربّما لأنّها تعلم سلفاً  نظرتهم إلى التحقيق الداخليّ ومدى قدرته على الوصول إلى "الحقيقة" بغضّ النظر عمّا إذا كان راغباً بذلك أساساً.

بين أمراء الحرب والتكنوقراط

رأت صحيفة "فايننشال تايمس" البريطانيّة أنّ الحوادث يمكن أن تحصل في أفضل البلدان التي تتمتّع بإدارة حكيمة، لكنّ ما جرى في بيروت يعكس الشكل نفسه من سوء الإدارة والفساد وانعدام الكفاءة الذي أدّى إلى إفلاس البلاد. وأضافت أنّ الترتيب الذي تمّ الاتّفاق عليه لفترة ما بعد الحرب الأهليّة للحفاظ على السلم الاجتماعيّ رسّخ موقع أمراء الحرب والسلالات السياسيّة، الأمر الذي عزّز المحسوبيّة والزبائنيّة.

وشدّدت بالمقابل على أنّ التقدّم الحقيقيّ سيتطلّب تغييراً داخليّاً عميقاً. فمن دون إفساح أمراء الحرب الطائفيّين المجال أمام مجيء موظّفي خدمة مدنيّة وتكنوقراطيّين أكفّاء، لن يكون مرجّحاً أن تتبدّد المأساة اللبنانيّة الحاليّة.

كان للبنان مؤخّراً تجربة سيّئة مع الحكومة "التكنوقراطيّة". تفاءل اللبنانيّون الذين تظاهروا في الشوارع بمجيء أشخاص جدد تُطلق عليهم صفة التكنوقراطيّين قبل أن يخيب أملهم بأسرع ممّا توقّعوا. لم تنجز شيئاً سوى التذمّر المتكرّر من صعوبة حلّ مشاكل عمرها 30 عاماً، أي التذمّر من الغاية نفسها التي لأجلها، جيء بها إلى الحكم. واستمرّت المحاصصة والخلافات الداخليّة وتقاذف المسؤوليّات وكأنّ شيئاً لم يتغيّر. بهذا المعنى، لم يكن التكنوقراطيّون سوى واجهة للجزء الأقوى من الأوليغارشيا السياسيّة والأمنيّة والماليّة.

الانتقاد الأعنف

لعلّ الانتقاد الأقوى والأعنف صدر عن صحيفة "ناشونال بوست" الكنديّة. فقد وافق الصحافيّ تيري غلافين على مشاعر التعاطف التي أبداها رئيس الوزراء الكنديّ جاستن ترودو ووزير الخارجيّة فرانسوا-فيليب شامبانْيْ. لكنّه أضاف: "كلّ هذا جيد وحسن، طالما أنّ كندا لم تبدأ بضخّ أيّ أموال لعصابة أمراء الحرب والأوليغارشيّين والكْلَبتوقراطيّين (الحكّام اللصوص) الذين يديرون الحكم الطائفيّ (الذي كرّسه) الدستور في لبنان".

وبينما أكّد وجوب تحويل المساعدات الكنديّة إلى لبنان، شدّد في الوقت عينه على "ضرورة أن تذهب المساعدات مباشرة إلى الصليب الأحمر اللبنانيّ أو أيّ عدد من المنظّمات غير الحكوميّة ذات السمعة الحسنة" التي كانت تطلب المساعدة لتخفيف مأساة لبنان حتى قبل الفاجعة. بالنسبة إليه، أصبح لبنان "فنزويلا أخرى، حتى قبل أن تتخلّف الدولة عن سداد ديونها في آذار"، وقد طالب المجتمع الدوليّ بعدم تحويل الأموال إلى اللبنانيّين عبر حكومة "فاسدة وغير كفوءة بشكل جنونيّ تستمرّ في تعذيبهم".

كما وقف الجزء الأكبر من الإعلام العالميّ إلى جانب اللبنانيّين في 17 تشرين الأوّل، ها هو يعيد الإضاءة على آلامه اليوم كما على انعدام حسّ المسؤوليّة عند القيّمين على مقدّرات ومفاصل الحكم. أمّا كيفيّة توظيف الشعب اللبنانيّ الزخم الإعلاميّ والسياسيّ الذي يحظى به دوليّاً لتأمين مستقبل أفضل، فمسألة قد تتبيّن خلال الأيّام والأسابيع القليلة المقبلة.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم