الأحد - 28 نيسان 2024

إعلان

"الإخوان" السوريون والإرهاب

المصدر: -"النهار"
الطاهر ابرهيم-
A+ A-

عندما وضعت المملكة العربية السعودية جماعات وأحزابا على قائمة الإرهاب، سارع بعض الكتاب ممن يتصيدون في الماء العكر، ومن دون أن يفوضهم أحد، إلى الإنعام على جماعات بعينها بدمغة الإرهاب.


أشارت أصابع هؤلاء إلى الإخوان المسلمين السوريين باعتبارهم مشمولين ببيان السعودية بصفتهم جزءا من التنظيم العالمي للإخوان. فإلى أي مدى تحظى هذه المقولة بالصدقية؟
نذكّر بأن جماعة الإخوان المسلمين في سوريا وعلى مدى 70 عاما منذ أسسها الشيخ مصطفى السباعي كان منهاجها تربية الفرد المسلم ونبذ العنف. وعندما انضم بعض أفرادها في سبعينات القرن العشرين للطليعة المقاتلة التي أسسها أنصار مروان حديد، سارعت الجماعة إلى فصلهم منها. وعندما حصلت حادثة المدفعية عام 1979 أعترف العقيد علي سعد الدين رئيس فرع مخابرات أمن الدولة في حلب في اجتماع مع علماء حلب ووجهائها أن الإخوان المسلمين ليس لهم علاقة بهذه الحادثة، وأن من نفذها أفراد من الطليعة المقاتلة. ثم عاد النظام ليتهم الإخوان المسلمين أنهم وراء الحادثة، ليبرر اعتقال عشرات الآلاف منهم، وزرع الرعب في قلوب السوريين، فهاجر مئات الآلاف منهم إلى خارج سوريا.
حظي الإخوان المسلمون السوريون باحتضان المملكة لهم مع تصاعد عدوان حافظ الأسد على شعب سوريا في عام 1979. ولم يكتف بذلك فقد أصدر قانون 1980، الذي يحكم بإعدام كل منتمِ للإخوان المسلمين وبأثر رجعي، ما اضطر مئات آلاف السوريين للهجرة الى الدول المجاورة، وكان نصيب المملكة العربية السعودية الحصة الأكبر من المهجرين السوريين، وكانت غالبيتهم من الإخوان المسلمين، فمنحتهم المملكة الإقامات، وفتحت أماهم سبل الرزق، واستوعبت مدارسها وجامعاتها ألوف المدرسين. وقد حفظ السوريون، خصوصا الإخوان المسلمين، هذه اليد الكريمة للمملكة العربية السعودية.
ويوم تظاهر الشعب السوري في 15 آذار 2011، تظاهرا سلميا مطالبا بحريته وكرامته، لم يقبل منه بشار الأسد التفاوض، ولو على نصف ما يطلب، بل حصدت آلته العسكرية عشرات القتلى في درعا وفي دوما وفي طرطوس وغيرها.
في هذه الأثناء زاد النظام في قمع المتظاهرين، وبدأ السوريون يلحظون مشاركة الإيرانيين في القتال إلى جانب النظام، خصوصا القناصة الذين ينعزلون فوق السطوح، ويقتلون المارة ببنادقهم القناصة.
أدركت دول شقيقة وصديقة أن إيران تتدخل بقوة في سوريا، خاصة أن خطوط الإمداد للنظام كانت مفتوحة إيرانيا من طريق العراق. وكانت السعودية من أول من تنبه إلى التدخل الإيراني، فعملت على دعم الشعب السوري لزيادة صموده. كان الدعم لا يفرق بين فصيل وآخر، وكان الإخوان هم الفصيل الأكثر تنظيما في المعارضة، وأي دعم تقدمه يصل إليهم باعتبارهم جزءا منها. ومرة أخرى قدر الأخوان المسلمون مساعدة المملكة للشعب السوري.
لقد ذهبت المملكة العربية السعودية إلى آخر الشوط مع الشعب السوري حين رفضت عضوية مجلس الأمن وقد انتخبت لتشغل كرسي العضوية لمدة سنتين، وكل الدول تتمنى هذه العضوية. وقد دفعها إلى الرفض أن مجلس الأمن كله لم يقدم للشعب السوري شيئا، فلا تريد أن تكون شاهد زور، حين تشغل عضوية مجلس الأمن ولا تستطيع أن تقدم للشعب السوري شيئا من الحماية والأمن. رفضت لأنها لا تستطيع وحدها رفع إرهاب بشار الأسد عن السوريين.
لم تكن علاقة الإخوان بالسعودية علاقة أخذ فقط. فقد حفظ التاريخ القريب للإخوان المسلمين مواقفهم من عصابات الحوثيين عندما هاجموا جنوب المملكة، فأصدر المراقب العام السابق للإخوان المسلمين في سوريا الأستاذ على صدر الدين البيانوني بيانا في 10 تشرين الثاني 2009، دانت فيه جماعة الإخوان المسلمين الهجوم الغاشم.
وأشاد في حينه صحافيون سعوديون منصفون بهذا البيان الذي انحاز إلى المملكة. واعتبروا بيان إخوان سوريا صرخة إنذار ولفْت انتباه إلى خطورة هذا الكيان المزروع.
يبقى أن نقول إن المملكة العربية السعودية استضافت عشرات الآلاف من الإخوان المسلمين، على مدى أكثر من ثلاثة عقود، لم يروا فيها إلا الترحيب والإكرام، ولم يُعهد منهم أنهم أساؤوا إلى المملكة، ملتزمين قول الله. "هل جزاء الإحسان إلا الاحسان".


 


*الكاتب عضو في جماعة "الإخوان المسلمين السوريين"

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم