الأربعاء - 24 نيسان 2024

إعلان

العين على "القوات" في بعبدا

جورج العاقوري
العين على "القوات" في بعبدا
العين على "القوات" في بعبدا
A+ A-

صخب المماحكات السياسية وشد الحبال في تناتش المغانم الذي شهدته حكومة الرئيس سعد الحريري الثانية في عهد الرئيس ميشال عون طغى على ما عداه من أصوات محذّرة من قذف بركان ديون الدولة اللبنانية حمماً خطيرة تطيح الوضع المالي والنقدي والاقتصادي وتحطم الهيكل على رؤوس الجميع وتشرّع النظام اللبناني على المجهول.

في مفاصل عدة من مسيرة تلك الحكومة طيلة العام 2019 - وسأتوقف عند ثلاث محطات منها - كانت "القوات اللبنانية" كصوت صارخ في برية الطبقة السياسية. فتعاطت الطبقة السياسية الحاكمة بخفة مع تحذيرات "القوات"، إذ إعتبر بعضهم انها "تغرد خارج السرب" ورأى البعض الآخر أنها "ستخسر الدنيا والآخرة" أي "مكاسب الموالاة ودفع المعارضة" فيما اتهمها آخرون بأنها تضع العصي في دواليب انطلاقة العهد.

ففي 4 آذار 2019، وضمن سلسلة من ورش العمل تحت عنوان "القوات في مواجهة التحديات المالية والاقتصادية"، اقترحت خارطة طريق لـ"تخفيض العجز المالي في الموازنة العامة" تضمنت حلولاً وإجراءات عملية ومباشرة لتخفيض العجز.

إلا أن الأهم دقها ناقوس الخطر ومقاربتها للواقع بشفافية ورؤيوية خصوصاً عبر ما جاء حرفياً في النقطة الأخيرة منها: "في حال اتضح أن الحكومة والقياديين لن يتمكنوا من تنفيذ الإجراءات التي تتطلّبها معالجة عجز الموازنة في مهلة محدّدة وقصيرة فإننا ندعو حينها وزير المال، مجلس الوزراء وحاكم مصرف لبنان إلى الطلب طوعاً من صندوق النقد الدولي المساعدة في وضع خطّة مفصلة لتحقيق الاستقرار المالي والاقتصادي والمساعدة في إدارة تنفيذها، قبل فوات الأوان والوصول إلى حد القيام بهذه الخطوة قسراً". موقف "القوات" كان كحد السيف إما السير الفوري بالإصلاحات أو الاستعانة بصندوق النقد الدولي.

في 19 تموز 2019، امتنعت "القوات اللبنانية" عن التصويت على الموازنة واعتبرت أن مضمونها باهت ولا يكفي لمواجهة الظروف الصعبة، وأنها لا تتضمن إصلاحات جدية وعصراً للنفقات، كما أن لا ثقة بدقة الأرقام المتوقعة التي تضمنتها. فسارع أهل الحكم إلى هدر دمها كونها مشاركة في الحكومة وتصوت ضد موازنتها.

في 2 أيلول 2019، وفي اجتماع اقتصادي في قصر بعبدا بدعوة من الرئيس عون شبيه بدعوته لاجتماع في 6 أيار 2020، وضع الدكتور سمير جعجع الأصبع على الجرح، فدعا المجتمعين الى الخروج من السلطة بعد الفشل الحاصل، وتسليم دفة الأمور الى حكومة اختصاصيين مستقلين لمحاولة إنقاذ البلاد من المصير المحتوم، معتبراً أنه نظراً إلى فداحة الأوضاع يجب أن تسقط كل الاعتبارات السياسية الضيقة والشخصية، لأن انهيار الاقتصاد يعني عملياً انهيار الدولة.

تجاهلوا أو كابروا، توهموا تهميش "القوات" أو الاستخفاف بها، خوّنوها أو عزلوها، إلا أن النتيجة كانت واحدة. عادوا إلى طروحاتها.

فالرئيس سعد الحريري - اكثر الممتعضين من موقفها من الموازنة - اعترف بعد اجتماع بعبدا في 2 أيلول 2019 أن الموازنة التي راهنوا عليها لم تكن كافية ولم تنجح بالحد من انهيار تصنيف لبنان من قبل "موديز" و"أس أند بي" و"فيتش". كما أثبتت الوقائع صحة خير "القوات" برفض السير بموازنات ورقية "وردية" لا تحمل اصلاحات بنيوية.

كما ان التخوين بمجرد ذكر اسم صندوق النقد الدولي، ومكابرة "حزب الله" التي تجلت بوضوح خصوصاً على لسان نائب أمينه العام الشيخ نعيم قاسم الذي رفض الخضوع لصندوق النقد واصفاً إياه بـ"أدوات استكبارية في العلاج"، انتهت بالخطة الاقتصادية للحكومة التي تضمنت التوجه إلى صندوق النقد حيث وقّع رئيس مجلس الوزراء حسان دياب ووزير المال غازي وزني في 1 أيار 2020 طلب مساعدة من صندوق النقد.

والأهم أن طرح سمير جعجع اعتماد حكومة اختصاصيين مستقلين شكل العنوان الأول في ساحة 17 تشرين، وتدحرج الموقف الرافض لذلك من التمسك بحكومة الحريري إلى التمسك بعودة وإصرار أمين عام "حزب الله" السيد حسن نصرالله تشكيل "حكومة شراكة وطنية وأوسع تمثيل ممكن" انتهاء بالرضوخ وادعاء تشكيل حكومة اختصاصيين مستقلين ولو أنهم قاموا في الحقيقة بالالتفاف على ذلك.

هذه المواقف الصائبة للقوات والتي "مجبر أخوك لا بطل" انتهجتها الطبقة السياسية بعد حين، تجعل العين على مواقفها الأربعاء في بعبدا لاستشراف مصير الخطة الاقتصادية وما ينتظر لبنان في مقبل الأيام.

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم