الأحد - 28 نيسان 2024

إعلان

فواز السّمّان: حياة بائسة وموت أشعلَ "ثورة الجياع" في طرابلس

المصدر: "النهار"
جودي الأسمر
فواز السّمّان: حياة بائسة وموت أشعلَ "ثورة الجياع" في طرابلس
فواز السّمّان: حياة بائسة وموت أشعلَ "ثورة الجياع" في طرابلس
A+ A-

تستمر حالة الكرّ والفرّ في طرابلس. عشرات الجرحى أصيبوا بين مساء الثلثاء وليل الاثنين الذي لم تنمه طرابلس، وهي تشهد مواجهات ضارية بين الجيش والمتظاهرين الذين أطلقوا على احتجاجهم إسم "ثورة الجياع"، في احتجاجات على الوضع المعيشي وارتفاع الدولار هو الأضرى منذ اندلاع انتفاضة تشرين. الغضب الذي لم يخمد، فجّره في ساعات الصباح الأولى استشهاد الشاب فؤاد السّمّان، الّذي كان يطالب بلقمة العيش في ساحة النّور وقضى متأثرًا بجراحه بعد نزيف حاد عاناه لساعات طويلة قبل أن يفارق الحياة فجر اليوم.

حياة مأساوية وموت مفجع

في سيرة الشاب فواز السمان (27 سنة) بمواجعها وبؤسها، وأيضًا نضالها، عيّنة عن ملاحم طرابلس التي لا تزال تصارع لأجل أدنى مقومات الحياة والأمن.

فوالده فؤاد السّمّان، كان انضمّ الى مجموعة " أبوعربي عكاوي" الّتي خاض أفرادها معارك في باب التبانة ضد جيش الوصاية السورية، في الثمانينيات من القرن الماضي.

فواز ابن طرابلس، هو ضحية الفقر الّذي نسف موازين العدالة، ويظلل تحت غمامته وغماته أكثر من 57% من سكان المدينة.

فواز ابن أسرته المفككة، لم يعش في طفولته حدّاً أدنى من الاستقرار النفسي، وقضى حياته يكافح لأجل لقمة العيش، وقضى نحبه يطالب بهذه اللقمة.

في تفاصيل الفاجعة، أصابت الرصاصة فخذ فوّاز، وأدخلت الى المحلب والمنطقة المحيطة، فتسببت بنزيف داخلي حاد. حاول أصدقاؤه والمتبرعون إمداده بخمس وحدات دم، لم تكن كافية لتعويض النزيف الذي احتاج عشرين وحدة دم.

أخته الناشطة فاطمة السمان، نزلت منذ تشرين الى ساحات الانتفاضة بين بيروت وطرابلس، مشت وراء جنازة أخيها بتماسك ورأس مرفوع، ووعدت بألا يذهب دمه هدرًا. تقول فاطمة لـ"النهار": " أخبرنا الأطباء في المستشفى الإسلامي أن أخي يحتاج أربعين ساعة في الانعاش، لكن الحياة فارقته في غضون ساعات قليلة. وردتني معلومات أن فواز فارق الحياة فجرًا لكن لم يبلغونا فورًا بوفاته. أعتقد أنّهم كانوا يحاولون حقن غضب الناس ولكن لم تسكت أي مهادنة غضب أهل طرابلس حتى اللحظة. هو شهيد الظلم والجوع الذي يعانيه كل اللبنانيين".

بعد الوفاة، لم يتمّم المخفر الاجراءات القانونية بالسرعة المعهودة، وفق العائلة التي قامت من تلقاء نفسها بإخراج جثمان فواز من المستشفى، ودفنه في مدافن "باب الرمل". آلاف المواطنين والمحتجين الغاضبين تهادوا الى ساحة عبد الحميد كرامي، وفي أحد تفرعاتها المفضية الى الجبّانة، وقفوا يصلّون عليه أمام محلّه الميكانيك حيث عمل في تصليح الدراجات النارية.

في مماته، يُتمت طفلة عمرها أربعة أشهر. يخبرنا مقرّبون أنّه عاش في طفولته شريدًا بعد طلاق والديه وسفر والدته الى البرازيل وزواجها هناك. عاش مشتتًا بين منزل جدته، وساحة الدفتردار، حيث كان أحد المياتم يساعد قدر المستطاع على إيوائه وإمداده بأساسيات الحياة.

ثورة ضد الطبقية

تتحدث فاطمة بثبات لا يخفي غضبها الجامح على ممارسات الجيش، تقول "من غير القانوني أن يستخدم الجيش رصاصًا حيًا في المظاهرات. أخي كان أعزل. الرصاص المطاطي يستخدم فقط لتفريق المتظاهرين ووفق أحكام محدّدة متعارف عليها عالمًيا." وتضيف: "هذه الممارسات القمعية تعرض لها سابقًا شقيقي الأصغر سعيد الذي أصيب بتسع رصاصات في إحدى المظاهرات."

وتعتبر فاطمة، عاكسة الحال العام الذي ينتفض بسببه اليوم الشارع الطرابلسي، أنّ الثورة هي ضد الطبقية "فواز شهيد الجوع. ودمه سيستثمره الثوار لتزخيم الانتفاضة من أجل إسقاط حكم المصرف أولاً، وهذه الحكومة التي ولدت من المحاصصات السياسية. نحن أبناء هذه الطبقة المحرومة التي تصارع لتحصين أبسط حقوقها من طبقة نهّابة تشكّل 1% من اللبنانيين والبقيّة جياع".

ويتفاقم التصعيد في طرابلس، مستهدفًا المصارف في شارع المصارف ومستديرة ساحة عبد الحميد كرامي. مبانٍ متفحمة وزجاج مشظى على الأرض، ومكنات صراف آلي أخرجت أحشاؤها، وقطرات دماء على الارض، وإطارات يتصاعد دخانها الأسود في الأجواء. يحاول الجيش اللبناني قمع هذه الاحتجاجات بإطلاق الرصاص المطاطي والغاز المسيل للدموع. وقام محتجّون بإضرام النار في سيارات تابعة للشرطة وإلقاء الموتولوف والحجارة على الجيش في التل ومحلة الزاهرية والمحيط. وتوعّد الغاضبون بإضرام مواجهات جديدة، لا بوادر بانفضاضها، فيما يخشى البعض من أن تفتح جبهة "بريد طرابلس" التي لطالما اخترقها مندسون لركوب مطالبها المحقة والحقيقية والتي تصرخها اليوم بصوت جوع كافر.


الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم